صلاحيات القدومي تواصل التأرجح بين عباس و"حماس"

شاكر الجوهري

2/4/2006

تحليل سياسي

هل أدى فوز "حماس" في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية إلى ارتفاع أسهم فاروق القدومي, ورجحان كفته في مواجهته المستمرة مع محمود عباس..؟
هنالك من يعتقد ذلك, من بينهم القدومي نفسه, وليس مثيرا للإستغراب القول إن عباس نفسه ربما يكون ذهب هذا المذهب في الإستقراء والتحليل.
يدلل على ذلك ادراج عباس اسم فاروق القدومي عضوا في الوفد الفلسطيني المرافق له إلى قمة الخرطوم, ورفض القدومي هذه العضوية, قائلا إنه حضر ما يكفي من مؤتمرات القمة العربية.
عباس حين أدرج اسم القدومي في عضوية الوفد, فإنما هو كان يضع في اعتباره جملة عوامل لا تقتصر فقط على ارتفاع أسهم القدومي بحكم علاقاته الجيدة مع "حماس", وهي:
أولا: استشعار عباس لأهمية مصالحة القدومي في ضوء التفاعلات الجارية داخل حركة "فتح", متمثلة اساسا في قرار اتخذه المجلس الثوري للحركة, يقضي بعقد دورة اجتماعات كاملة للجنة المركزية للحركة خارج الأراضي الفلسطينية, بعد أن ظل عباس يعرقل مثل هذا الإنعقاد منذ الإجتماع الأخير الذي عقدته اللجنة برئاسة القدومي في عمان.
ثم إن عباس يستشعر ضرورة توحد رجال الحرس القديم قبل انعقاد المؤتمر العام السادس للحركة, الذي تكرر تأجيله من آذار/مارس الماضي لموعد آخر لم يحدد بعد.. وذلك لمواجهة طموحات الجيل الجديد الذي يطالب بمواقعه في الصف الأول من القيادة.
ثانيا: سعي عباس لإعادة احياء دور منظمة التحرير على حساب السلطة بعد فوز "حماس" في الإنتخابات التشريعية. وهذا يستدعي مصالحة القدومي باعتباره رئيس الدائرة السياسية, ليعيد إليه صلاحياته التي سبق له أن انتزعها منه لصالح وزير الدولة للشؤون الخارجية.
عباس لا يريد أن يبقي السياسة والإتصالات الخارجية الآن بيد محمود الزهار وزير الشؤون الخارجية في حكومة "حماس", واعادتها للقدومي تستدعي تصالحهما حتى لا يتوافق القدومي مع الزهار من وراء ظهره, وعلى حسابه.
ولأن مثل هذا الإحتمال وارد في حسابات عباس, فإنه بدأ بإخراج ورقة دائرة العلاقات القومية والدولية من جرابه.. فقد تكون هي البديل عن الدائرة السياسية, إن لم يعد القدومي إليه, كما أنها قد تمثل الدافع لعودة القدومي..!
ثالثا: أن عباس في كل الأحوال لا يريد اصطفاف القدومي مع "حماس" في عملية اعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية, لأن ذلك من شأنه المساعدة على افلات منظمة التحرير من قبضة عباس.
غير أن القدومي يرفض يد عباس المحدودة له لجملة اسباب مقابلة:
أولا: أن القدومي الذي تم اخراجه من قاعة اجتماعات وزراء الخارجية العرب التحضيرية لقمة الجزائر, بشكل مهين, وتنفيذا لتعليمات من عباس, لم يجد مناسبا أن تبدأ المصالحة بمرافقته عباس إلى مؤتمر القمة العربي التالي, ليراه المسؤولون العرب وقد أصبح تحت ابط عباس في الخرطوم, بعد أن حاول أن يتحداه في الجزائر..!
إن كان لا بد من المصالحة, فتلكن في الإجتماع الكامل برئاسته هو للجنة المركزية للحركة المقرر عقده في العاشر من الشهر الجاري, فهذا أكرم له..!
ثانيا: إن مثل هذه المصالحة يرفض القدومي أن تكون مدخلا لتكريس عباس رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, وكذلك لتوليه رئاسة دولة فلسطين. ولهذا, فإن القدومي شن هجوما عنيفا في اجتماعه مع قادة "حماس" وفصائل التحالف الوطني الفلسطيني في دمشق, طعن فيه بشرعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, والمجلسين الوطني والمركزي, وأكد على ضرورة اعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير, والفصل بين رئاسة السلطة ورئاسة المنظمة, ما يعني عدم اعترافه بانتخاب عباس رئيسا للجنة التنفيذية, لعدم شرعية اللجنة التي انتخبته, وعدم قبوله انتخاب عباس لاحقا لهذا الموقع.
ثالثا: إن الفصل بين الرئاسات الثلاث الذي يطالب به القدومي, وكذلك "حماس", يعني أن يختار عباس بين رئاسة السلطة أو رئاسة المنظمة, على أن يتقاسم القدومي و"حماس" رئاسة منظمة التحرير ورئاسة دولة فلسطين.
وهذا يعني أن القدومي يركز على توليه رئاسة دولة فلسطين أو منظمة التحرير, انطلاقا من اعتقاده بقدرة عباس, أو ممثلي الجيل الجديد في "فتح" الذين يقيمون تحالفا متأرجحا مع عباس على اخراجه من عضوية مركزية "فتح" حال انعقاد المؤتمر العام السادس الذي يرفض القدومي عقده متذرعا بعدم جواز حدوث ذلك في ظل الإحتلال, مع أنه يؤيد نتائج الإنتخابات التشريعية التي أجريت تحت الإحتلال..1
رابعا: ما يدعو القدومي كذلك إلى تفعيل تحالفه مع "حماس" على مصالحته مع عباس هو عدم التزام عباس بأسس المصالحة التي تمت بينهما في عمان لدى انعقاد اللجنة المركزية في تموز/يوليو الماضي.. فضلا عن تأمله بأن تعيد إليه "حماس" صلاحياته كرئيس للدائرة السياسية لمنظمة التحرير, ووزيرا لخارجية دولة فلسطين, عبر تفاهم يمكن أن يتوصل إليه مع الوزير الزهار, وبتدخل من قبل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس".
غير أن حسابات "حماس" تبدو شديدة الإختلاف عن حسابات كل من عباس والقدومي.. وهي حسابات تفرض عليها التعايش مع عباس من موقع الإختلاف, والإختلاف في الرؤى والمصالح مع القدومي من موقع التجانس.
"حماس" المختلفة مع عباس سياسيا, لا مصلحة لها في تفجير هذا الخلاف, وإنما تكمن مصلحتها في استمرار التعايش معه, لأنها بخلاف ذلك تصبح أمام خيار بالغ الصعوبة بين أن تقدم تنازلات سياسية لعباس, أو أن تغادر السلطة مبكرا.
صعوبة هذا الخيار هو ما جعل "حماس" تبلع بعض المواقف الحدية التي يعبر عنها رئيس السلطة بهدف ادامة التعايش معه.
ولهذا, فإنه من غير المنطقي أو تصطدم "حماس" مع عباس لأجل القدومي, وهي التي تتحاشى الإصطدام به من أجلها هي..!
ثم إن "حماس" تدرك أن الخلاف بين القدومي وعباس هو حول اسباب شخصية في المقام الأول, أكثر منها سياسية.. دليلها على ذلك أن القدومي ظل متعايشا مع ياسر عرفات طوال ولايته بالرغم من اعلانه رفضه لاتفاق اوسلو وخارطة الطريق.. وذلك حتى لا يفقد مواقعه.
أما في عهد عباس, فإنه أبلغ المسؤولين المصريين مؤخرا, حين كانوا يتوسطون لمصالحته مع عباس, أنه يؤيد خارطة الطريق, التي لا تؤيدها "حماس".. لكن عباس هو الذي رفض يومها مجرد التفكير في التقائه.. وبالطبع, فقد كان ذلك قبل اجراء الإنتخابات التشريعية وفوز "حماس".
في ذلك الوقت كانت "حماس" في المقابل ترفض السير خلف مقترحات القدومي لتشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية تتولى قيادة الخارج الفلسطيني, وإن كانت تحرص على مواصلة بحث هذه الفكرة معه.
تكتيك "حماس" كان يركز على الضغط على عباس لإجراء الإنتخابات البلدية والتشريعية في موعدها, دون أن تتصادم معه حتى لا ينكث بوعوده لهذه الجهة.
الآن "حماس" تلجأ إلى تكتيك مماثل يقضي بالتقاء القدومي, وبحث افكاره الخاصة بتشكيل لجنة تحضير لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير, وإنما دون أن تقدم على خطوة عملية واحدة في هذا الإتجاه تؤدي إلى قطع خيوطها مع عباس, الذي تحرص على استمرار تعايشها معه.
"حماس" تضغط على عباس كي يدعو هو إلى انعقاد اللجنة الوطنية العليا التي قرر حوار القاهرة تشكيلها في آذار/مارس الماضي, لكنها لن تقدم على عقد هذه اللجنة من وراء ظهره بما ينهي حالة التعايش معه. ولقاءاتها مع القومي تصب فقط في اتجاه الضغط على عباس, لا في اتجاه تفجير خصومة معه. وهي تعتقد أن القدومي يناور هو الآخر بهدف رفع الثمن الذي يمكن أن يدفعه له عباس.
لهذا, فإن "حماس" لن تعيد صلاحيات رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير للقدومي, لجملة اسباب:
الأول: أنها لا تقر بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني, فضلا عن أنها ليست عضوا في المنظمة.
الثاني: أنها تفضل ابقاء السياسة الخارجية بيدها, بدلا من أن تتنازل عنها لحركة "فتح", حتى وإن كانت ممثلة بشخص القدومي.
الثالث: أن "حماس" لا تضمن استمرار الخلاف بين القدومي وعباس.
الرابع: إن استمر هذا الخلاف, فإنها لا تضمن لأسباب شتى من بينها ارادة الخالق, أن يظل القدومي رئيسا للدائرة السياسية.
لهذا, فإن موقف "حماس" من مطالبة القدومي باستعادة صلاحياته, يلخصه الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في ثلاث نقاط:
أولا: أن الدكتور الزهار استلم من الدكتور ناصر القدوة جميع صلاحيات وزير الدولة للشؤون الخارجية.
ثانيا: إن استعادة القدومي لصلاحياته يستدعي حوارا يشمل القدومي وعباس والزهار.
ثالثا: إن لقاء اتفق على عقده قريبا بين القدومي والزهار.
ويتركنا أبو مرزوق نستنتج أن لقاء القدومي ـ الزهار, إن عقد, لن يكون منتجا بما فيه الكفاية من وجهة نظر مصالح القدومي, ما دام الحوار المنتج يجب أن يكون ثلاثيا..!!
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع