برايمرز آخر زمن!

 

بقلم د. خالد محمد صافي

إن تصريحات بعض قيادات حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح عن عملية اختيار مرشحي الحركة للانتخابات التشريعية القادمة من خلال الاعتماد على استطلاعات الرأي التي تجريها "مراكز استطلاع رأي دولية" هي مهزلة أخرى تحاول أن تعالج المهزلة الأولى وهي مهزلة البرايمرز أو الانتخابات التمهيدية التي جرت وتجرى في الحركة. حيث شاب عملية البرايمرز الكثير من المشاكل والتي أدت إلى فشلها في العديد من المناطق، ودفع قيادة الحركة إلى التفكير في سياسية التعيين. وحتى تتم سياسة التعيين _وهي بالطبع معالجة فاشلة لفشل عملية البرايمرز في مناطق مختلفة_ لا بد من إخراجها بشكل مسرحي ذا حبكة فنية ولذلك تم التصريح أن ذلك سيتم بالاستناد على استطلاعات رأي وهنا لابد من إبداء بعض الملاحظات.
- كيف يعقل لحركة يمتد عمرها لأكثر من أربعين عاماً أن تجرى بها انتخابات تمهيدية بهذا الطريقة الأولية التي لا يمكن قبولها لحركة لا يزيد عمرها عن سنة واحدة. حيث تم التمهيد لها من خلال ذاتيات انتساب وزعت قبل الانتخابات التمهيدية بفترة قصيرة لا تتعدى أسابيع. وهل يعقل أن حركة عريقة كحركة فتح لا يوجد بها سجل تنسيب لأعضائها لسنوات طويلة، مع آلية تنسيب وتسجيل للأعضاء الجدد كل عام. وهل يعقل أن تترك عملية التنسيب للمرشحين أنفسهم لجلب أصدقائهم وأقاربهم وأتباعهم حيث وكل أو وظف بعضهم مقاولي أصوات من أجل توزيع وجمع الذاتيات التي ضمت أناس لم يكن لهم صلة بالحركة لا من بعيد ولا من قريب، فيما تم استبعاد أشخاص ينتمون للحركة منذ سنوات. هل هذا يليق بحركة مثل حركة فتح أم أن واقع حركة فتح وما آلت إليه لا يصلح معه إلا مثل ذلك.
- إن عملية إعداد سجلات الانتخابات التمهيدية قد استمرت حتى اللحظات الأخيرة، حيث ذُكر أن بعض الأسماء قد أضيفت في ساعات الصباح الأولى للانتخابات في بعض المناطق. والتساؤل المطروح هنا هل كان هناك مرجعية أو آلية محددة في وضع السجلات أم ترك الحبل على الغارب.
- كان يجب على حركة بحجم حركة فتح وخبرتها أن تعد قائمة من أعضائها ممن لا تقل مدة انتمائهم للحركة عن عشر سنين من أجل خوض انتخابات مرشحي الحركة للانتخابات التشريعية لا أن تترك ذلك لأعضاء لم يمض على تنسيبهم سوى ساعات أو أيام أو أسابيع وعلى يد من؟ مقاولي أصوات ليس إلا. ولا يسعنا هنا إلا التساؤل عن مصير الذاتيات التي تم تعبئتها من قبل الحركة في السنوات الماضية.
- إن فشل الانتخابات التمهيدية في العديد من المناطق ليس سوى مظهراً سطحياً واحداً مما تعاني منه الحركة في تدهور في بنيتها التنظيمية والسياسية والعسكرية وقد تناولنا ذلك بشئ من التفصيل في مقال سابق.
- إن لجوء عناصر من الحركة _وهي مدفوعة بالطبع من قيادات أعلى فيها_ إلى اقتحام قاعات الانتخابات التمهيدية وإطلاق النار وحرق الصناديق أو تحطيمها إنما يشير إلى سيادة عقلية البلطجة في حل الإشكالات الداخلية، ويبرز مدى قصور التعبئة الحزبية الديمقراطية داخل الحركة.
- إن لجوء الحركة إلى سياسية التعيين هو انتكاسة وخطوة إلى الوراء في عملية مأسسة الحركة ودمقرطتها. حيث من الواضح أن الأعضاء الذي لن يشملهم التعيين سوف يضعون العراقيل ويخلقون المشاكل لمن شملهم التعيين، وسوف يسبب ذلك بالطبع في خسارة الحركة في الانتخابات وبالتالي زيادة تشرذمها وتفككها، وزيادة حدة التنافس والصراع داخلها.
- إن اللجوء إلى استطلاعات الرأي ليس سوى معالجة فاشلة لواقع فاشل تمر به الحركة وتهدد مستقبلها. فبدل من البحث عن حلول جدية ومؤسساتية تطال بنية الحركة يتم اللجوء إلى استطلاعات الرأي التي قد يتحكم بها سياسيات وأهواء ليست في مصلحة الحركة.
على قيادة حركة فتح أن تعالج المشكلة القائمة بصبر وروية، وضمن رؤية واضحة تنبع من تحمل المسؤولية وليس الهرب منها وتحميلها لطرف هنا أو هناك. إن ما آلت إليه الأمور في الحركة لم ولن تسر أي أحد يهمه أمر الحركة التي من الواضح أنها تسير نحو خسران معاقلها في انتخابات تبدو بشكل واضح حاسمة، ومن المتوقع أنها ستغير الخريطة المستقبلية للمجلس التشريعي وبالتالي مصدر القرار في الحياة السياسية الفلسطينية للسنوات القادمة.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع