الدر النفيس في إنجازات الرئيس

د.إبراهيم حمّامي - 2006/1/17

وكأن فلسطين غير فلسطين، والناس غير الناس، والأحداث أيضاً غير الأحداث، الفلتان أمر يسير ولا يستحق التفكير، والفوضى شأن مبالغ فيه، والحال أفضل مما كان، والخير عم واستفحل، والانجازات بحجم الجبال، هكذا أراد عبّاس في حواره الأخير، والحق كل الحق علينا لأننا لا نرى ولا نسمع، والعيب فينا رفضنا أم رضينا، لكن المحصلة صفر يضاف لأصفار عديدة، ووعود مديدة، حتى وان استرسل في سرد الحواديت، وألبس الحق الباطل، وخلط الحابل بالنابل، ولن يصدقه إلا غافل جاهل.

فشل جديد يضاف لحصيلة عام من الفشل المتكرر الذريع لمحمود عباس وسلطته، وما كان له أن يُتعب نفسه وينسق على عجل هذا اللقاء الخاص على الجزيرة، ليضيف سقطة أخرى لسقطات أوسلو، ويستشهد بأمثلة هي عليه لا معه كما سنوضح، دون أية درجة من العلمية أو الموضوعية، بل حديث في العموميات، وتغيير للحقائق والوقائع، حتى أنني شككت للحظات أنه يتكلم عن فلسطين، ويعيش فيها، أو أن بطانة السوء، وحاشية الفساد، وشلة المنتفعين، قد زينت له الأمر فأوقعته في شرور أعمالها، ولنتابع سوياً تفاصيل ومحصلة اللقاء، بنفس تسلسله وترتيبه، ونقطة نقطة مع التفنيد المؤصل المعتمد على الوقائع والأدلة، ولنبدأ مع حواديت سيادة الرئيس:

·        بدأ عبّاس اللقاء بتبرير تأجيل الانتخابات من موعدها السابق يوم 17/07/2005 بحجة الأسباب القانونية دون أن يذكر هذه الأسباب، لكن لا بأس من التذكير أن سبب التأجيل هو أن قانون الانتخابات المعدل الذي أحيل اليه من المجلس التشريعي وجد طريقه لدرج مكتبه لمدة تزيد على شهرين من الزمان، لتنقضي المدة القانونية المطلوبة دون رد من سيادته، وليرفضه ويعيده للتشريعي، وبالعكس في لعبة قط وفأر داخلية أفضت للتأجيل حفاظاً على حزبه الحاكم من الهزيمة، وليتم أيضاً تأجيل المؤتمر العام السادس لحركة فتح وهو ما لا يحتاج لأسباب قانونية كما يدعي.

·        استرسل بعد ذلك في شرح أن الديمقراطية لا تُجزأ ولا يمكن أن تكون انتقائية، وأنها تفرز ما تفرز، وهو ما يُشكر عليه ويُحسب نقطة لصالحه، لكنه أبى إلا أن يستطرد ويقول أن هذه الانتخابات تجري على أساس أرضية أوسلو وعلينا أن نلتزم بهذه الأرضية ليقول "على أي أساس نحن هنا؟ أوسلو واتفاق أوسلو!! من يريد أن يشارك في الحكومة يجب أن يشارك على أساس هذه الفرضية"، عفوا وليسمح لي سيادتكم: نحن هنا لأننا على أرضنا، وفيها جذورنا، نحن هنا لأننا أصحاب حق، ولأننا متمسكون بهذا الحق، كنا قبل أوسلو وآثميها، وسنبقى بعدها وبعدهم، وهي ليست قدرنا المُنزل، ولا بأس أن أقتبس بعض من الردود على هذا الادعاء الباطل الآثم من القوائم الأخرى:

-         مساء اليوم التالي للّقاء قال قيس عبد الكريم ابو ليلى رئيس قائمة البديل وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن اتفاق أوسلو والنهج الذي أديرت به العملية التفاوضية على امتداد السنوات الاثنتي عشرة الماضية ألحقت بشعبنا وقضيته الوطنية نتائج كارثية على جميع المستويات وخاصة بسبب تأجيل القضايا الجوهرية كالقدس والمستوطنات واللاجئين إلى مفاوضات الوضع الدائم، وأن شعبنا وقواه الحية مطالبين بكسر هذه القيود وإرساء أسس جديدة للمفاوضات تستند إلى قرارات الشرعية الدولية وثوابت الإجماع الوطني، قال أبو ليلى في تصريح صحفي أن المجلس التشريعي سيكون هو المسؤول عن وضع السياسات العليا للشعب بما فيها أسس ومنهج أي مفاوضات مستقبلية، كما أنه لن يكون مرتهنا أو ملتزما بالقيود التي فرضتها الاتفاقات السابقة وخاصة اتفاق أوسلو وما نتج عمها من اتفاقات وتفاهمات والتي أبرمت من وراء ظهر الشعب ومن وراء ظهر مؤسساته الوطنية التمثيلية وخاصة أطر منظمة التحرير الفلسطينية.

-         في نفس الليلة الناطق باسم قائمة فلسطين المستقلة يقول : "لم نكن شركاء في صنع الماضي الاليم ونحن القادرون على التغيير"، وأضاف "ان من كانوا شركاء في صنع الماضي لا يمكنهم اصلاحه بذات الادوات القديمة".

-         أكد سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس "أن هذا الاعتبار ليس له أي سند قانوني أو غير ذلك، فالقانون الانتخابي الذي تجري على أساسه الانتخابات لا يتضمن أي إشارة حول اتفاقات أوسلو كما أن هذه الاتفاقات قد سقطت بإنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) لها" .وأضاف قائلاً: "من غير المعقول أن نُلزم شعبنا بما يرفضه الاحتلال، ولذلك تؤكد الحركة بأنها لا تخوض الانتخابات على أساس أوسلو، وإنما على أساس برنامجها السياسي الرافض لأوسلو والمتمسك بالمقاومة والحقوق الفلسطينية".

·        انتقل بعدها لموضوع القدس ليكرر المزاودات السابقة التي أطلقها المتنفذون في حركة فتح ممن اختطفوا الحركة وارتهنوها لمصالحهم ليقول مختصراً "القدس ليست صندوق اقتراع"، وهنا لابد من تذكير سيادته وتوضيح بعض مواقف سلطة أوسلو من القدس التي يتاجرون بها الآن:

-         ارتضى رموز أوسلو استثناء القدس من المفاوضات وابقائها للمرحلة النهائية

-         توصل عباس لاتفاق عرف باتفاق عباس- بيلين يتنازل عن القدس، وبالمناسبة فقد انكر عباس وجود مثل هذا الاتفاق لمدة خمس سنوات بين عامي 1995 و2000 إلا أن فُضح أمره عبر الصحافة والإعلام العالميين مثل صحف نيوزويك والحياة اللندنية والقدس العربي وعلى لسان مفكرين مرموقين مثل ادوارد سعيد، ولم يصدر أي نفي عنه منذ ذلك الحين ولو لمرة واحدة.

-         في هبة النفق في 25-27 سبتمبر/أيلول 1996 صدرت الأوامر في حينها وبعد سقوط 31 شهيد و1600 جريح بوقفها وبكل الوسائل ليُفتتح النفق ويصبح مزاراً دون ان تتخذ سلطة أوسلو أي إجراء

-         قبلت سلطة أوسلو أن يقترع الفلسطينيون في الانتخابات التشريعية الأولى عبر مراكز البريد

-         رضخت سلطة أوسلو ولتثبيت عباس بأي ثمن رئيسا للسلطة للشروط الاسرائيلية في القدس، ليدلي المقدسيون بأصواتهم عبر موظفي البريد، أي في رسالة ترسل وكأنها بريد عادي

·        الغريب أنه وبعد المزاودة في موضوع القدس، انتقل للحديث عن الأسرى ليقول: "طالبنا الأميركان أن يصوت الأسرى"، "لكن لا نضعه (أي التصويت) عقبة لأنه لم يحدث عام 1996"، فكيف لمن يزاود على المكان أن يتنازل عن الإنسان الذي هو الأساس الذي لا قدسية لمكان بدونه، وهل سقف أو أرضية أوسلو و1996 هي ما يراه عبّاس ولا شيء غيره، ومن خلالها يقرر أين تكون المزاودة وأين لا تكون؟

·        الموضوع الأهم في حياة الفلسطيني وهو الفلتان الأمني الرسمي كان نصيبه الاستهزاء والتصغير من سيادة الرئيس، ليقول فيما قال:

-         كثير من الناس لهم مصلحة في عدم اجراء الانتخابات ويقومون بالفلتان الأمني

-         الأجهزة الأمنية لم تتمكن بعد من السيطرة الكاملة على الوضع

-         هناك ضعف بسيط ونقص في العدد والمعدات

-         هي ظاهر ظهرت في الشهرين الماضيين، ونحن نشعر ببعض الفلتان الأمني

-         هناك قرار سياسي للأجهزة الأمنية للتحرك

-         هؤلاء محميون ومدفعون من بعض الجهات

-         قررنا ضربها بيد من حديد بمقدار ما نستطيع

-         لا قدرة لنا على وقف الفلتان لكن يجب أن يبقى القرار

-         سنبذل كل جهدنا لجماية صناديق الاقتراع لكن قد يحصل تجاوزات

ينبغي هنا التذكير أن عدد أفراد الأجهزة الأمنية بلغ 58708 حسب اللجنة المركزية للانتخابات وقد وصلتهم شاحنات محملة بالعتاد وبشكل متواصل من مصر خلال الشهرين الماضيين، ووزارة الداخلية العتيدة تستنزف 27% من ميزانية السلطة أو ما يقرب من نصف مليار دولار، والفلتان لم يبدأ قبل شهرين كما يدعي عبّاس بل منذ زمن طويل إلا أنه استفحل في عهده الميمون وهو ما سيُفصّل لاحقاً، وإن كان "الرئيس" يرفض أن يكشف عن مراكز القوى المحمية والمدفوعة خوفاً، وأجهزته عاجزة عن مواجهة الفلتان لأنها بالأساس من يشرف عليه، فعن أي سلطة وسيادة وهيبة ورئاسة يتحدث؟

·        ويبدأ حديث الانجازات بالتملص من المسؤولية فالسلطة بنظر عبّاس عمرها الحقيقي سنة واحدة (على طريقة العهد الجديد والعهد البائد)، ليقول لمحاوره " ما تطلب مني بعد سنة وتقول شو عملت"، ربما يقصد هنا أن علينا الانتظار 40 سنة أخرى كسلفه، المهم أنه بدأ بعدها بتعديد الانجازات الجبارة - وليته لم يفعل- وهذه هي انجازات العهد العبّاس الميمون:

-         "عام 2005 كان أفضل من سابقه فقد حدثت فيه 3 عمليات انتحارية فقط ( لا أعرف هل فقد البوصلة هنا وبدأ الحديث عن أمن الاحتلال)، وقد تم استتباب الأمن في جنين ونابلس لكن الاعلام لا يذكر ذلك"، والوضع الأمني "بالتأكيد أحسن مما مضى"، وقد وحدنا 11 جهاز أمني في ثلاثة. لم يجد عبّاس سوى جنين التي يعربد فيها زكريا الزبيدي دون رقيب أو حسيب ليتمنطق عشيقته طالي فحيمة قبل اعتقالها ويهدد الجميع لاحقاً، لكن لا بأس فهو من حمل عبّاس على الأكتاف قبل عام، واختار أيضاً نابلس التي تأن تحت زعران الأجهزة الأمنية من أبو جبل والقذافي بدعم من رئيس استخباراته الطيراوي، إلا إذا كان إزالة البسطات ومصادرة السيارات المسروقة هي الاستبباب الأمني المقصود، وأخيراً فإن احصائية بسيطة تفند الادعاء الرئاسي جملة وتفصيلا، حيث كان عدد من سقطوا ضحايا الفلتان الرسمي في الضفة الغربية وقطاع غزة 56 حالة عام 2003، و93 حالة عام 2004، أما في العهد العباسي الميمون فقد كانوا 127 حالة في عشرة أشهر فقط بعد استلامه.

-         "وفي عنا قضاء وفي عنا نائب عام"، "32 قضية لدى النائب العام وستقدم للمحاكمة". النائب العام موجود قبل أن يقرر عبّاس ذلك، والقضايا موجودة، لكن في عهده الميمون حدث التالي: أقفل النائب العام ملف جريمة الاسمنت نهائياً في شهر فبراير/شباط من عام 2005، وفي عهده أيضاً تم اقتحام المحاكم والاعتداء على هيبة القانون وبواسطة الأجهزة الأمنية المنفلتة ومنها محكمة صلح غزة بتاريخ 02/05/2005، ومحكمة صلح رام الله بتاريخ 01/06/2005، ومحكمة صلح نابلس بتاريخ 02/06/2005، ومحكمة صلح جنين بتاريخ 04/06/2005، فنعم الاصلاح القضائي ذاك.

-         "معبر رفح لا أحد يذكره" و"المواطن ابن غزة يستطيع أن يدخل ويخرج بحرية"، انجاز دحلان الكبير الذي حول غزة إلى سجن كبير يتحكم به الاحتلال عن بعد، فرغم ادعاءات دحلان يوم 08/11/2005 أنه لا قوائم سوداء ولا شأن للإحتلال بالمعبر، نكتشف يوم 25/12/2005 أن هناك قوائم سوداء، وقوائم منع، وصلاحيات مطلقة للطرف الثالث، وأن الكلمة الأخيرة هي للإحتلال، هذا هو انجاز معبر رفح باختصار.

-         "أصدرت 30 قانون جديد"، وقد سبق قوانين سيادته مئات القوانين التي لم تجد طريقها للتطبيق، وكأن لسان حاله يقول المهم ما نقرر فلا تحسبوا علينا التطبيق.

-         "إصلاح مالي كبير"، و"رواتب الجنود تصرف الآن من البنوك"، ولهذا السبب قرر زيادة رواتب الجنود والضباط بنسبة 100% ليزيد العبء على الميزانية، لكن لا يهم فولاء الجنود أهم من رخاء الشعب، ونسي عبّاس أن قراره الإصلاحي هذا تسبب في فرض شروط جديدة من الدول المانحة قد تؤدي إلى فقدان ما يقرب 22 ألف مواطن لوظائفهم، وهو ما كان السبب الرئيسي في استقالة وزيره سلام فياض.

-         "السلك البلوماسي تغير بالكامل"، أماني في الهواء فالصراع الذي يشل السلك الدبلوماسي بين القدوة والقدومي أكبر من أن تخفيه أماني وغدعاءات عبّاس.

·        كمن يتحسس البطحة على رأسه يقر عبّاس "أن المواطن لا يشعر أو ينظر إليها كإنجازات"،  لأنه "يشكو الإنسان من الأشياء التي تمسه يومياً أو تمسه شخصياً"، و"الشارع لا يسمع"، "المسؤولين أحياناً يخفون الحقائق"، فأي منطق هذا الذي يصدر عن من يعتبر نفسه رئيساً؟ إذا كان المواطن لا يشعر ولا يتلمس ولايحس بتلك الانجازات فكيف بالله عليكم تعتبر انجازات، ناهيكم على أنها وكما سبق وفندنا انجازات وهمية تصل درجة الفضائح!

·        أخيراً عرّج عبّاس على موضوع اللاجئين في لبنان ليتذكر فجأة أنه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذه اللجنة المعطلة والباطلة قانوناً، وكأن ذلك يمنحه حق التفرد باتخاذ قرار نيابة عن ملايين اللاجئين حول العالم، متناسياً أنه شخصياً يحاول وبكل الوسائل القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وهو ما سيتم تناوله بالتفصيل الممل قريباً.

هذه هي الانجازات العظيمة لعام من العهد العباسي-الدحلاني، ولو أردنا الرد بتفصيل أكبر لما وسعت المجلدات فضائح وفساد وفلتان هذه السلطة، لكن أترك للقاريء الحكم عليها من منظور الفشل الذريع، ليكون الموضوع القادم عن الطرف الثاني في الثنائي الإنجازي العظيم، لنتناول باقي الانجازات الأسطورية، فإلى لقاء.
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع