رغم الفوز الكبير لحماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، إلا أنه لم يسمح لها بأن تقوم بتطبيق برنامجها المقاوم، وإقامة التغيير والإصلاح في الوزارات التي ملئت فسادا من قبل الحكومات المتعاقبة، وكان لفساد الوزارات والأجهزة الأمنية وانتشار الاختلاسات بمئات الملايين، وسيطرة اللصوص والمشبوهين أمنيا وأخلاقيا على مقاليد السلطة طوال الفترة السابقة، دور كبير في نجاح "حماس" لما تحمله من برنامج إصلاحي ومقاوم.
حركة حماس جاءت إلى الحكومة بعد تاريخ من المقاومة، ووفق برنامج يد تبني ويد تقاوم، وبتأييد شعبي كبير، إلا أنها لم تسلم من التآمر الخارجي والداخلي، وكانت العقبات الداخلية الأشد؛ والتي شكلها "لوبي أوسلو" من شخصيات ورموز الأجهزة الأمنية والوزارات السابقة، فقامت بحرب إعلامية ولم تنفذ ما اُتفق عليه من قرارات. ولم ترضخ للقرارات وللبرنامج الفائز، واستهدفت رموز الحكومة وقيادات الجهاد في فلسطين، وروجت للحصار ضد الحكومة والشعب الفلسطيني، ومنعت أي تسهيلات لصرف الرواتب، هذا فضلا عن الأموال التي سرقت ونهبت بشكل سري وعلني.
إن نجاح الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس يعتبر نجاحاً لتجربة المقاومة في المنطقة، فالشعب الفلسطيني والعربي ملّ ممن يأتون بقرارات أمريكية ومن تحركهم C.I.A كأنهم أحجار شطرنج لتنفيذ مصالح الاستعمار والاحتلال في المنطقة، فيقومون بتسويات واتفاقيات ضد الشعب والقضية بحجج واهية أهمها الواقعية، وعدم التكافؤ وعدم المقدرة وعدم الاستطاعة، وكأننا شعوب لا تملك من إرادتها شيء.
الحكومة الفلسطينية اليوم لم تأخذ فرصتها ولم تعطَ أي وقت لتنفيذ برنامجها، وبعد الحصار والاعتقال، والملاحقة والتضييق ومنع الرواتب، وسحب الصلاحيات يطالب الرئيس الفلسطيني ومن حوله فرض حكومة وفق معاييرهم الخاصة، تعترف بـ "إسرائيل"، ويتولاها أناس غير مؤهلين لا شرعيا ولا وطنيا، شرطهم أن تكون لهم علاقات جيدة مع أمريكا و"إسرائيل"، واجترارا لأكاذيب يسمونها حكومة وحدة وطنية.
إن حكومة لحماس تعمل لمصلحة الشعب وقضاياه المصيرية والعادلة، أهم ألف مرة من حكومة وحدة ويتخللها أناس فاسدون ومجربون ومتعاونون مع الاحتلال ومطبعون ولا يهتمون بالقضايا المصيرية للشعب الفلسطيني.
ورغم أن نواب المجلس والوزراء ما زالوا يُهددون بالاغتيال والاعتقال، ورغم ما تعرض له النواب من تضيق وحصار، وآخرها وليس أخيراً اعتقال نائب رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني د. ناصر الشاعر، وما تعرض له الدكتور عزيز دويك من تحقيق قاسٍ، إلا إن الأصوات المستفيدة من الوضع الفوضوي الراهن، ما زالت تتعالى للقضاء على حكومة الشعب الفلسطيني.
الحكومة الفلسطينية تتعرض منذ اليوم الأول لحرب استئصالية، ومن العيب أن نطالب بأي بديل في حال استمر هذا الاعتداء الصهيوني عليها، وفي حال استمرار اختطاف النواب والوزراء، والتي كان آخرهم خطف نائب رئيس الوزراء ناصر الشاعر. وأي حكومة تقوم الآن مهما كانت تسميتها، ستكون خيانة لمن رفض أن يوقع، ورفض أن يعترف بـ "إسرائيل"، ورفض أن يكون في المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.
إن حكومة الوحدة قد تكون مهمة في إطار عملية تغيير كبير يثبت فيه الجميع أنه يهتم بالوطن ولا يهتم بمصالحه الشخصية، وأول هؤلاء الرئيس محمود عباس والمقربون منه، وأن تقوم لجنة إصلاحية من الفصائل مجتمعة ومن قيادات نزيهة ومعروفة وشخصيات وطنية كبيرة بهذه العملية على أن تطول كل المؤسسات الفلسطينية، وأن تقوم بعدة خطوات لمصلحة الوطن والشعب الفلسطيني، وأهم هذه الخطوات هي:-
1. يتم ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية وفق مبدأ الشراكة للجميع والتمثيل الحقيقي والواقعي لجميع الفصائل. وإعادة تفعيل المنظمة وفق وثيقة الأسرى المعدّلة ووفق اتفاق القاهرة بين الفصائل في 2005.
2. أن يتم النظر في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فلقد أسست هذه الأجهزة وفق اتفاقيات وتسويات لم يرض عنها الشعب الفلسطيني، ومعظم قيادات هذه الأجهزة من حركة فتح، وهناك الكثير منهم من تورط بقضايا فساد، ومن قام بتسليم مجاهدين، وممن له علاقات مع أجهزة مخابرات أجنبية ولقد تحدث عن ذلك وزير الداخلية السابق فالمؤسسة الأمنية الفلسطينية تحتاج إلى إعادة هيكلة وإعادة ترتيب بما يخدم مصالح الوطن بدل أن تكون مجيَّرة لشخصيات فئوية وحزبية ضيقة.
3. أن يتم إعادة ترتيب الوزارات ونظام التوظيف والذي اقتصر في فترة من الفترات على أبناء حركة فتح، وأن يتم إعادة التنظيم الإداري لهذه الوزارات وفق معايير قانونية وإدارية يرضى عنها الجميع، وأن يطبق الأمر على جميع العاملين. فالوزارات الآن تضج بالمدراء ووكلاء الوزراء غير المؤهلين؛ والذين هم في غير موقعهم مما أدى إلى تأخير العمل وانتشار الفساد. وما تقوم به الحكومة الحالية من تغيير خطوة في الطريق الصحيح، إلا أنه يحتاج إلى دعم أكبر ونفس أطول وتغيير أشمل.
4. أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق نسب الكتل البرلمانية ليدرك الشعب الفلسطيني أن صوته مؤثر ويستطيع التغيير. وأن تأخذ كل كتلة حقها في عملية البناء.
5. أن تخلوَ حكومة الوحدة من رموز الفساد ومن قيادات أمنية تعاملت مع "إسرائيل"، وقد شاركت في الفتن ولها ماض سيئ؛ من اعتقال مجاهدين، ومن تشكيل فرق موت، ولها علاقات معروفة مع قيادات صهيونية. نحن نحتاج إلى حكومة وطنية حقيقية ومن جميع الفصائل، وهناك في حركة فتح الكثير من الخبرات والكفاءة والشخصيات المحترمة والتي خلت أياديها من الفساد، وخلا تاريخها من الخيانة. وامتلأت سيرتها الذاتية بالبطولة والتضحية.
البيت الفلسطيني يحتاج إلى ترتيب كبير، يشمل جميع المؤسسات التي بنيت على أساس التسوية، أما أن نطالب بحكومة وحدة والأجهزة الأمنية غير تابعة لشعب ويحتكرها أشخاص، والمنظمة ما زالت في غيبوبة، والهياكل الإدارية للوزارات غير قادرة على النهوض ومتكلسة، فأيّ حكومة وحدة لن تؤدي الغرض وأي إصلاح وأي تغيير، لا يحيط الأمر من جوانبه المختلفة سيبقى تغير أبتر ومنقوص وعقيم ولن يرتقي بنا نحو التحرير والعودة. |