حتى تصبح المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً

د. عزام التميمي- 2006/3/23
رغم تواتر الروايات بأن قرار زعماء حركة فتح مقاطعة حكومة فلسطينية تتزعمها حركة حماس إنما جاء نتيجة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية إلا أن السيد عزام الأحمد يصر بأن حركته إنما قاطعت وفاء للمبادئ التي تتمسك بها بينما ترفضها حركة حماس. وقال الأحمد في تصريح نقلته عنه وكالة رويترز، ونشرته صحيفة الواشنطن بوست يوم الإثنين 20 اذار (مارس) الجاري، بأن فتح لا يمكنها الانضمام إلي حكومة تأبي الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً وحيداً وشرعياً للشعب الفلسطيني وترفض الالتزامات الدولية للمنظمة . ولو توقف هنا الأحمد لكان خيراً له، ولكن مرارة الهزيمة التي يشعر بها هو وزملاؤه الذين ـ فيما يبدو ـ لم يتلقنوا ضمن ما لقنوه في جلسات التدريب والتثقيف الطويلة والعديدة التي نظمتها لهم الدول المانحة منذ أوسلو السلوك الديمقراطي، دفعته لأن يلمز ويهمز قائلاً: ليس من حق قيادة حماس التي تطوف كل العواصم سعياً وراء وساطة تفتح لها قنوات الحوار مع الولايات المتحدة وإسرائيل أن تشطب تاريخ الشعب الفلسطيني وإنجازاته الوطنية .
تشتمل العبارة الأخيرة هذه علي فكرتين، أما الأولي فمفادها أن قادة حماس إنما يتجولون أملاً في أن يجدوا من يقنع لهم الولايات المتحدة وإسرائيل بأن تعطف عليهم بقليل من الحوار، وأقل ما يقال فيمن يزعم مثل ذلك أنه مفتر قد أتي ببهتان عظيم. فحركة حماس من قاعدتها إلي قمة الهرم القيادي فيها لا يشغل بال أحد فيها الموقف الأمريكي أو الموقف الإسرائيلي منها، ولا حرص لأحد في الحركة علي الإطلاق علي التحدث مع أي أمريكي أو إسرائيلي، وكل ما جري من حوارات ولقاءات مع أفراد أمريكيين من إعلاميين وأكاديميين أو سياسيين ودبلوماسيين سابقين إنما جري بطلب منهم، واستجابة لرغبة ألحوا في إبدائها للاستماع إلي وجهة نظر حماس في القضية الفلسطينية لحاجة في نفوسهم، وإن كان بعضهم قد صرح بأنهم جزء من تيار صغير لكنه متنام في الولايات المتحدة يري ضرورة التعامل مع حركة حماس التي أظهرت المؤشرات السياسية منذ أكثر من ثلاثة أعوام أنها مرشحة لقيادة الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة، وقد كان. وأقول، وقد كنت ممن أعد لجولات الحوار بالتعاون مع أليستر كروك أن حركة حماس كانت مترددة، وغير متحمسة، لأي من هذه اللقاءات، وأن إقناع قادتها قد استغرق جهداً ووقتاً، وأنهم في النهاية ما وافقوا علي المشاركة إلا معذرة إلي الله ومن باب القيام بواجب تبليغ الموقف الحق الذي يعبر عن تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني بمجمله.
لم يتغير موقف حركة حماس ـ فيما أعلم ـ من الحوار مع الأمريكيين والإسرائيليين بعد الفوز بالانتخابات، وهذا الموقف لا ينبع من فرضية أن الحوار في الأصل ممنوع، بل هو في الإسلام مرغب فيه مطلوب حتي مع الأعادي والخصوم، ولكن ليس بشروط يفرضها هؤلاء فيها تنازل عن المبادئ والقيم والأخلاق. لا أستبعد أن يحصل حوار مع الأمريكان، بل حتي مع الإسرائيليين، يوم يأتي هؤلاء معترفين بجرمهم طالبين التفاهم حول حل المشكلة بوسائل سلمية بديلاً عن الكفاح المسلح، وهذا ما حصل في حالات كثيرة انتهي فيها الاستعمار وغنمت الأمم المجاهدة بالحرية والانتصار. ومن أفضل الأمثلة علي ذلك ما حصل في جنوب أفريقيا حينما وأد الشعب هناك إلي غير رجعة نظام التمييز العنصري.
أما أن يحصل الحوار كما تورطت فيه حركة فتح، بأن نتحاور ونتلاطف ونتسامر ونتبادل الأنخاب علي أمل أن يعطف علينا هؤلاء ببعض الفتات مقابل أن نتنازل لهم عن الوطن بأسره رغم أنهم هم الظالمون ونحن المظلومون، فهذا أبداً لن تقدم عليه حركة تحترم نفسها وشعبها، وفوق كل ذلك تؤمن بأن الله ربها أقوي وأكبر وأعظم، وهي بذلك لا تهاب ما جمع الأمريكان والإسرائيليون من جند وعتاد، ولا تخضع لضغط أو ابتزاز.
إن الجولة التي تقوم بها قيادة حركة حماس الآن إنما هي في المقام الأول استجابة لدعوات تلقتها من العواصم العربية والإسلامية وحتي غير الإسلامية ابتهاجاً من تلك العواصم بما أنجزته الحركة التي رغم ما تعرضت له من حملات إبادة من قبل الصهاينة وأعوانهم ومن خصومات ومشاكسات من الأقارب والأباعد تبوأت مكانة أكسبتها احترام الأمم. ما من دولة من الدول التي شملتها الجولة حتي الآن إلا كانت حكومتها هي المبادرة بالدعوة، وما كان من قيادة حماس إلا أن لبت بالزيارة. وكل هذه العواصم تسمع حماس رأياً واحداً، لا علاقة له من قريب أو بعيد بشروط العار التي تصر عليها أمريكا وإسرائيل وبعض المسؤولين في حركة فتح. بل إن الحكومات التي تحاورت معها حركة حماس أثناء تطوافها كلها تعرض المساعدة والدعم وتبارك للحركة ما أولاها إياه الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة من ثقة وتأييد. ولا يعني هذا أن الحركة لا تطلب من هؤلاء الدعم والتأييد، بل هي في ذلك تقوم بواجب طلب الواجب منهم، فقضية فلسطين قضية كل عربي وكل مسلم، ولا يجوز بحال أن يترك الفلسطينيون وحدهم في المعترك مع مشروع يستهدف كل عربي وكل مسلم بل وكل إنسان محب للعدل والسلام في العالم.
أما الفكرة الثانية في تصريح الأحمد فتتعلق بمنظمة التحرير ومكاسبها، وبتاريخ وإنجازات للشعب تريد قيادة حركة حماس المتجولة بزعمه أن تشطبها. من المفترض في كل فلسطيني أن يعرف تاريخ قضيته، فما منا إلا وأرضع همها مع اللبن. ولذلك لا تحتاج معرفة تاريخ شعبنا من قبل أبنائه لفصول دراسية ولا لكفاءات جامعية، بل لو نظر كل واحد منا إلي سيرة عائلته أو قريته أو مدينته لكفاه. إنه تاريخ شعب وقع ضحية للاستعمار البريطاني ثم الاستيطان الصهيوني فناله من ذلك وذاك القتل والتشريد والتجويع ونزلت بساحته كل أصناف الإرهاب والتعذيب. أهذا الذي تريد قيادة حماس شطبه وهي التي تصر علي حق كل واحد من أبناء شعبنا في أن يرجع إلي بيته أو بيت أبيه أو أمه، وعلي حق الأمة العربية والإسلامية قاطبة في أن تكون فلسطين - التي تمثل القلب منها ـ محررة خالية من البؤر الاستعمارية التي ما زرعت فيها إلا للنيل من الأمة قاطبة؟ أم أن الذي تدعو حماس إلي التراجع عنه والتخلص من عاره هو مسيرة الانهزام والاستسلام التي لطخت سمعة شعبنا والتي انحرفت عبرها فئة قليلة - ضلت بسبب اليأس والإحباط تارة وبسبب مطامع آنية وشخصية تارة أخري - بمشروع التحرير عن الصراط المستقيم فوجدت نفسها شريكة في مشروع تزوير تاريخ شعبنا، الذي أضحي بنص من أوسلو وخارطة الطريق إرهابياً ينبغي أن يجرد أولاً من سلاحه حتي يسود السلام والوئام بينما أصبح اللصوص الصهاينة - شذاذ الآفاق ـ شركاء في مشروع حضاري يبنونه علي أرض كم ارتوت حين سلبوها بما سفكوه من دماء آبائنا وأجدادنا وتروي اليوم بما يسفكونه من دماء أبنائنا وإخواننا من الشرفاء الذين لم يفت في عضدهم ولم يبدلوا تبديلاً؟
وأما مكاسب منظمة التحرير واعتبارها ممثلاً شرعياً ووحيداً، فهل بقي لها من مكاسب بعد أن انحرف بها قادتها غير المنتخبين وغير المخولين من قبل الشعب الفلسطيني لا في الداخل ولا في الشتات؟ كيف يكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني من يقبل بشرعية ما وقع علي الشعب من عدوان؟ إن المنظمة لا يمكن أن تكون ممثلاً شرعياً ووحيداً إلا إذا كانت تعبر بصدق ووفاء عن طموحات وآمال الشعب المظلوم منذ ما يقرب من ستين عاماً أو يزيد. أنا واحد من ملايين الفلسطينيين الذين لا يرون في المنظمة كما هي اليوم ممثلاً شرعياً ولا وحيداً لشعبنا، ولذلك فإن واحدة من أولي أولويات حماس هي إصلاح المنظمة حتي تصبح فعلاً ممثلة لنا جميعاً لا مجرد إطار سياسي تتحرك من خلاله نخبة مستفيدة لجني المزيد من الفوائد علي حساب الشعب المضطهد والمحتجز في سجنه الكبير.
لم يعد سراً أن الأكثرية من أبناء الشعب الفلسطيني اليوم تعتبر إصلاح منظمة التحرير شرطاً أساسياً لإعادة إحياء دورها الذي وأدته عصبة أوسلو بعد أن امتطتها للوصول إلي غايتها. وإصلاح المنظمة يتطلب نفضها نفضاً تاماً وتخليصها مما شابها من شوائب وما حل بها من مصائب. لا ينبغي إطلاقاً وصف منظمة التحرير بأنها الممثل الشرعي والوحيد طالما لم تكن ممثلة فعلاً للفلسطينيين من خلال انتخابات حرة ونزيهة تجري في الداخل والخارج، وحينها فقط يمكن أن نعترف بالسلطة التمثيلية لها. أما أن يكون القائمون علي المنظمة هم ممن لم يخترهم الشعب الفلسطيني بمحض إرادته ومن لم يعد في أولوياتهم الوفاء لحقوقه الأساسية وعلي رأسها حق العودة إلي كل قرية أو مدينة دمرها الغزاة يوم أقام لهم المستعمرون في بلدنا كياناً سرطانياً أسموه إسرائيل وإسرائيل عبد الله يعقوب منه براء، فلا والله لا تمثلنا ونحن منها ومما صدر عنها من معاهدات استــسلام براء.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع