هل نحن أهل لقيادة الشعب الفلسطيني

بقلم الأستاذ / نور الدين حسن محمد أبو عاصي – 6 / 11 / 2005م

هل مطلوب منا أن نثبت للعالم وبجدارة أننا أهل لقيادة الشعب الذي طال ظلام ليله ؟   

وهل نحن نصلح لقيادة الشعب الفلسطيني ؟ أم أنه الفشل بعينه لخط سياسي عاجز، قد أذاق الشعب الفلسطيني صنوف المرارة والعذاب ؟

أما آن لنا أن نستيقظ من نومنا العميق ، وأن ندرك حجم الكوارث التي يتعرض لها

شعبنا ، إدراكا يثبت عمق وعينا والتزامنا تجاه شعبنا ؟

هل تحركت قلوب وعقول ومشاعر قادتنا وكوادرنا الفلسطينيين ، للمذابح والمعاناة والمرارة والآلام التي حلت بساحتنا ؟

ألم تهتز ضمائرنا لها ، فتغير من سلوكنا الداخلي والخارجي ؟

وإذا ابتُليت بشدة فاصبر لها          صبر الكرام فما يدوم مقامها

فالله يُبلي كي يُثيبَ فلا تضق         ذَرعاً بنازلةٍ جرت أحكامها

ولرُبّ يومٍ نازلتكَ خُطوبُها           ثم انجلى قبلَ الظلام ظلامها

ولئن جذعتَ فليسَ ذاكَ بنافعٍ        إنّ الأمورَ قضَى بها علامُها

عندما ألقت أمريكا بقنابلها النووية على اليابان ، نهض الشعب الياباني بعدها عملاقا من جديد ، ناجحا بامتياز في صنع معجزات الزمن .

وعندما حرقت أمريكا فيتنام ، تمكن الفيتناميون من بعد ذلك من النهوض بقوة الحداثة والتجديد ، لتنعكس أصالة شعب عريق ، أثبت عميق انتمائه لوطنه ، والتزامه بهموم شعبه ، فصنع حضارة يشهد عليها العالم .

إن جميع أحرار وشرفاء شعوب العالم التي نزعت استقلالها ونالت كرامتها ، يتفقون على قواسم مشتركة ، ويلتقون في محاور نقاط ارتكاز جوهرية ومصيرية ، تجعلهم يهمشون كثيرا من تناقضاتهم ، وتفرض عليهم التغيير في نمط تفكيرهم وسلوكهم تجاه أبناء شعبهم ، ومن أجل مستقبله . فهل عقمت أرحام نساء فلسطين عن إنجاب الأحرار والشرفاء الذين يضعون الوطن فوق كل الاعتبارات ونحن أمام انهيار اجتماعي حاد وغياب للقانون وعجز في اتخاذ القرار وتخبط في الرؤية وحالة من الفشل السياسي وغياب الأمن الفردي والاجتماعي وتدهور اقتصادي خطير ؟

إغلاق وحرمان وحصار وتجويع وفقر وبطالة وقتل وتعذيب وكبت وهموم ، مفردات سئمنا والله من كثرة ترديدها وقد عششت على القلوب .

شواهد الضياع والانصهار والطمس في عالم المجهول قادمة علينا ، بائنة المعالم ، ونحن ننتظر ونرقب ونتردد ، محللين ومنظّرين ، غارقين في التحليل ، مجتهدين في الخلافات على وجه لا مثيل له ، حتى ضاع منا كل شيء .

إننا لا زلنا وسنظل بعون الله ، نملك القدرة على صعيد الفعل الذاتي والجهد الفردي ، والتطوع الإرادي العفوي والمنظم ، بما يكفل لنا في نهاية النفق من تحقيق الهدف واجتياز المحنة بنجاح ، إذا كنا نملك الروح المبدعة التي تصبو بشغف وتوق نحو التغيير الجميل ، وليس التغيير القبيح الذي يهبط بنا من دنو خطير إلى انحطاط أخطر منه ، إننا يجب أن نتطلع إلى مستقبل مشرق منير ، يجب أن نضع نصب أعيننا أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ، وأن إضاءة شمعة لمرة واحدة خير من أن نلعن الظلام ألف مرة ، فهل نملك حقا من القدرات ما يؤهلنا لنكون مثل باقي البشر ؟ وهل نفتقر إلى آليات للتغيير ؟

لا أعرف شعبا في التاريخ نال استقلاله ، وصنع حريته بدون التعاضد والتماسك في مواجهة المخاطر والتحديات بين كل أطيافه وألونه ومشاربه ، ولا أعتقد أن شعبا واحدا من شعوب الأرض انتزع كرامته من بين مخالب وأنياب جلاديه  وقد دبت به سرطانات الخلافات التي غلبت المصالح الفئوية على مصالح الوطن العليا ، نعم تختلف الشعوب وتتعدد الرؤى ، وهذا أمر حيوي وضروري ، بل هو مظهر من مظاهر الوعي والديمقراطية والحضارة لا بد منه ولا غنى عنه في ظل التداخل العالمي والترابط والتشابك الدولي وتمازج الحضارات ، ولكن من غير المقبول أن تعصف بنا الخلافات إلى أن ينهار كل شيء ونفقد كل شيء .

إننا نعيش وضعا استثنائيا على مستوى العالم بأسره ، فمصير شعبنا بات على مهب الرياح العاتية والتي لا ترحم ولا تبقي ولا تذر ، وقضيتنا معقدة بالغة التعقيد ومتشابكة في تراكيبها ولم يشهد التاريخ القديم ولا الحديث مثلها أو نظيرا لها ، ومن الضروري أن نقف اليوم قبل الغد ، متحملين كامل المسئولية لأخطر وأهم مرحلة يمر بها النضال الفلسطيني منذ بدايته ، وذلك بالالتقاء لا بالتباعد وبالمحبة لا بالتباغض وبالإحساس الحقيقي بالمخاطر التي نعيشها والقادم منها ، فلقد أكلتك يوم أكلت الثور الأسود .

تعالوا بنا نلملم الجراح ، لننهض من جديد ، ونكمل المشوار الطويل ، الذي قطعناه بدماء الشهداء والجرحى ، وبآهات المعذبين والأسرى ، وبعذابات اليتامى والثكلى ،

إننا شعب يستحق الحياة فاتقوا الله فينا أيها القادة والزعماء الفلسطينيون بكل توجهاتكم الفكرية ، ماذا يضيرنا لو تعاملنا فيما بيننا بعقول منفتحة ، وبقلوب يملؤها الحب والاحترام المتبادل بدون أن يلغي أحدنا الآخر ؟ فما أشد حاجتنا إلى ذلك على ضوء عجز النظام العربي الرسمي ، وشلل الحالة الشعبية العربية ،  وقد باعنا العالم في سوق النخاسة منذ وعد بلفور ، دعونا معا نقرأ الأمور على حقيقتها ، فلقد صدق الرئيس المصري جمال عبد الناصر عندما قال : لا يحرر فلسطين إلا الفلسطينيون أنفسهم ، ونحن لا نطلب من أحد أن يحرر فلسطين بنفس القدر الذي نرفض فيه الخنوع والاستسلام لإملاءات الغطرسة وعربدة القوة .

إنني أدعو وأناشد وأصطصرخ جميع الأقلام والأدمغة والضمائر المنتمية لهذا الشعب ، أن نُجيّر  ونُسَخّر  كل ما نملك من طاقات وإمكانيات من أجمل العمل الوحدوي ، لنثبت للعالم أننا أهل لقيادة هذا الشعب ، والأخذ بزمامه نحو المستقبل المنشود بإذن الله ، وأننا أهل للنصر والتحرير ، راجيا أن لا تكون دعوتي هذه نداءً في صحراء أو صرخة في واد ، فنحن جميعا في خندق واحد ، وعدونا لا يفرق بين فتح وحماس وجهاد وجبهة وحزب ، فالكل عنده مستهدف حتى الشجر والحجر  ، ولا أعتقد أن تحقيق ذلك من درب الاستحالة ، إذا اختلى كل واحد منا بينه  وبين بنفسه بعقل منفتح ، وفي ساعة صفاء ونقاء ، واضعا هموم شعبه في قلبه ، وأمام أعينه ، فشعبنا في دول الخليج تجري عملية ترحيل له منظمة وبصمت منذ سنوات ، وشعبنا في العراق ولبنان مهدد بالرحيل ، وقي ليبيا تم ترحيل الألوف وبشكل همجي ، حيث ألقوا بالنساء والرجال وبالأطفال والشيوخ على الحدود المصرية الليبية قبل سنوات قليلة ، وألوف السجناء من الفلسطينيين في السجون الاسرائلية والكويتية والعراقية والسورية واللبنانية ، وهنا على ارض فلسطين تنهار القيم والأخلاق وينتشر التمزق والتشتت وتسود الكراهية العمياء .

 أحداث وذكريات سوداء يجب أن لا تغيب عن أعيننا ، ولا من ذاكرتنا ، مذابح ترتكب بحق شعبنا هنا وهناك ، اليوم في العراق ، وبالأمس في لبنان ، تل الزعتر وصبرا وشاتيلا ، وهنا في جنين ورفح ودير ياسين وقبية وريشون نتسيون والحرم الإبراهيمي وحي الزيتون وجباليا ونابلس ، والتهجير المتكرر وهدم البيوت ومصادرة الأراضي ، إلى آخر كلمات هذا القاموس الأسود .

لو تخيل أحدنا أيها الساسة حجم القنابل التي سقطت على الآمنين ، في بيوتهم في يافا وعسقلان ، وفي بئر السبع وطبريا ، وفي معسكر جنين وحي الدرج ، وفي البداوي والميه ميه ، ولو تخيلتم أيها القادة ، كيف أباد اليهود قرى بأكملها ومسحوها عن الوجود ، وكيف كانوا يقتلون حتى المهاجرين في طريق هجرتهم ، ولو تخيلتم بصدق دموع الأمهات والشيوخ ، وهي تسيل من المقل ، ونداء طفل لأبيه الذي سقط يروي بدمه الأرض العطشى ، فحرم من النظر إليه وتقبيله .

أوهان وسهل ورخص علينا كل ذلك ، ليكيد بعضنا لبعض ؟ أم انها العقول التي قد أغلقت أقفالها ؟ والقلوب التي تحجرت أوتارها ؟ بحيث لا نسمع ولا نبصر ولا نفكر ولا نعقل ، فعلقتا كل شيء على شماعة الاحتلال ، وكأننا ملائكة نسير على الأرض

وفوق هذا وذاك تجد القيادات والكوادر، على خلاف وشقاق ، منه العلني الظاهر في الآفاق ومنه المخفي الباطن في الظلمات ، وكأن الفلسطيني أمسى عند أخيه الفلسطيني لا قيمة له ولا فائدة ، فازدادت معاناتنا على أيدينا كما ازدادت على أيدي أعدائنا ، وكأننا معهم في خندق واحد ضد هذا الشعب المبتلى .

إن تلاحمنا مصدر قوتنا ، وتفرقنا فيه حتفنا وهلاكنا وضياعنا .

إن مستوى الفكر السياسي السائد ، يؤثر تأثيرا ملحوظا على تعاطينا مع كل شيء من حولنا ، ويجب أن لا يغيب عنا التزامنا الأخلاقي والعقائدي والسياسي ، فمستلزمات النصر والتحرير ، ومحاربة الفساد ، والعمل من أجل التعليم والبناء ، يجب أن تسير كلها جنبا إلى جنب ، يدا تمسك أصبع الطباشير، ويدا تضغط على الزناد بعيدا عن نشر الغسيل الوسخ على حبال الآخرين والالتهاء فيه .

إن كل فلسطيني مهما كان موقعه ، مدعو للمساهمة في تحقيق الطفرة النوعية ، فالعجز عن توفير البديل الوطني ، للانتقال من حالة المهانة والبؤس يفرض على كل شريف أن يصرخ بصوته عاليا : ارحلوا عنا أيها العاجزون إلى الجحيم .

ربما يتهمني البعض أنني سطحي النظرة أو أنني أثير الشجون والعواطف أو أنني لا أجيد قراءة الواقع .

إننا جميعا على ظهر سفينة واحدة ، فإما الغرق معا وإما النجاة معا ، فهل نحن نصلح بعد ذلك كله لقيادة الشعب الفلسطيني ؟ أم أنه الفشل بعينه لخط سياسي عاجز قد أذاق الشعب الفلسطيني صنوف العذاب ؟

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع