الحكومة الفلسطينية ما بين التصعيد الإسرائيلي والتحديات
الداخلية
إبراهيم محسن المدهون
باحث وكاتب في مركز أبحاث المستقبل
التصعيد الصهيوني الأخير في رفح هو حلقة من حلقات معاقبة الشعب
الفلسطيني والاستهتار به, بعد ان اختار برنامج المقاومة, وهو استكمالا
أيضا لحلقات الضغوط والممارسات التعسفية ضد الشعب الفلسطيني , فمن قرار
الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بوقف المساعدات, إلى حملات الاغتيال
المبرمج لقادة الشعب الفلسطيني , إلى الحصار الاقتصادي الهادف لخنق
الحكومة وإبادة الشعب الفلسطيني إلى سرقة الموارد الاقتصادية وإفراغ
الخزينة المالية وصولا لهذه المجازر البشعة والتي لم يخجل العدو من
تبنيها والمسارعة بذلك .
هذه الأحداث المتلاحقة بعد الانتخابات الفلسطينية التي منحت الثقة
لمشروع المقاومة بالإضافة أنها أعطت المسؤولية لقيادات جديدة كانت رهن
الملاحقة والاعتقال والاغتيال تدل أن الشعب الفلسطيني الآن وحكومته في
مواجهة حرب إبادة . يستخدم فيها الحصار والجوع والقتل , والملاحقة ,
ويشارك فيها الجميع بدء بالولايات المتحدة ومرورا بالاتحاد الأوروبي
وليس انتهاء بمحاولة عرقلة الحكومة وسحب صلاحياتها وتشويش خطواتها . .
فحينما تصر مؤسسة الرئاسة على تجاوز الحكومة المنتخبة واستحداث مناصب
موازية لهذه الحكومة, لتشغل الحكومة بالتعيينات ومناكفات مع هذا وذاك بدل
أن تسهل لها الأمور وتساعدها لأحكام قبضتها على المفاصل الرئيسية .
فإنها بذلك تعمل بقصد او بدون قصد على إكمال حلقة الخناق على الشعب
الفلسطيني وعلى حكومته المنتخبة وهي تشارك بشكل أو بآخر لإضعاف
الحكومة وتفريغها من معناها لتقف هزيلة في مواجهة الضغوط الصهيونية
والأمريكية
فحكومة حماس لا تحتاج أن تسيطر بالاسم على وزارة الداخلية وهي لا تملك
تعين آو تنظيم أو ترتيب هذه الداخلية والتي تعج بالملفات المعقدة المؤثرة
على حياة المواطن البسيط . فحالات الفلتان , وانتشار ظاهرة العملاء
وعمليات الاغتيال المفبركة والتي كان آخرها الشهيدين الدحدوح والقوقا
بالإضافة لعشرات المشاكل العائلية , مع حملة العربدة والسطو والاعتداء
على الأملاك العامة والخاصة , مما ترك غزة والضفة في حالة من الفوضى
المنظمة , أدت لانهيار الأمن والأمان وجعلت الأراضي الفلسطينية على
حافة كارثة إنسانية.
لهذا فوز حماس اعتبره الكثير طوق نجاة من غول الفلتان الأمني خصوصا أن
تناهى إلى مسامع المواطنين عن دور فاعل لقيادات في الأجهزة الأمنية في
الفلتان, من إنشاء فرق الموت والزعرنة واللصوصية إلى تجارة السلاح
للعائلات والمجموعات والزعران . إن عرقلة دور الداخلية عرقلة
للإصلاح, وهو إطفاء نور الأمل لعودة الأمن والأمان والطمأنينة للبيوت
المهددة من هذه الفرق ومن هذا الفلتان .
إن الشعب الفلسطيني حينما أعطى ثقته لبرنامج التغير والإصلاح كان يدرك
أن أولويات الحكومة القادمة وقف حالة الفساد والتسيب داخل السلطة
الفلسطينية والتي كانت تسببه الحالة الضبابية للمعابر , مما جعل
الغاز والمحروقات البترولية والمواد الأساسية الأعلى ثمنا في المنطقة .
وكان من أولويات الحكومة الجديدة ان تخفف على المواطن بضبطها لفلتان
المعابر وأي تدخل من مؤسسة الرئاسة يعني تعطيل لهذا الإصلاح , وكان
الأولى لسيد الرئيس أبو مازن تسهيل جميع المفاصل الحيوية للحكومة لان
تبدل وتغير وتجدد ما تراه مناسبا .
فالحكومة لم تنتخب لتواجه الضغوط من الداخل والخارج للاعتراف بإسرائيل
وليس من اهتمامات الشعب الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل ولن يكون من
أولوياته حتى وان حوصر وضيق وهدد, ان يعترف بإسرائيل, فالشعب
الفلسطيني لديه مشاكل كبيرة أهم بكثير شروط وإملاء اللجنة الرباعية
واهم من اللجنة الرباعية نفسها . عنده الامن والاقتصاد وتوفير لقمة
العيش والأسرى ووقف العدوان الإسرائيلي , مع إدراكه أن جميع هذه
المعضلات جاءت من تبعات عملية السلام واسلوا , وأصبح من المعلوم أن أي
اعتراف بدولة إسرائيل سيزيد عليهم حجم الضغوط وسيعيدهم لاتفاقيات جديدة
تكبلهم كاتفاقية باريس الاقتصادية واتفاقيات ترعى الاستيطان وتعطي
الضوء الأخضر للاعتقال ولمحاصرة المقاومة وللخنق الاقتصادي, ولم يكن
غريبا أعتراف محمد دحلان على قناة العربية ان طريق التسوية كان يحتوي
على نقاط ضعف كبيرة ولم يستطع رغم هذه التنازلات ان يوقف الاستطيطان ,
وان يخرج الاسرى وان يقيم الدولة . ونسي ان هذه الاتفاقيات كبلت الشعب
الفلسطيني وجعلت تبعيته الامنية والاقتصادية والسيادية للاحتلال الصهيوني
.
أي ضغوط داخلية على الحكومة خدمة للمشروع الصهيوني الأمريكي , وأي إفراغ
للحكومة من معناها يأتي وفق التصور الأمريكي والصهيوني لرفض أي تقرير
مصير لشعب الفلسطيني وتركه في دوامة سلطة فاسدة تطبق برنامجهم وفق
الاعتراف باسرائيل ومحاصرة الشعب الفلسطيني وتطبيق الخطط الإسرائيلية
الأحادية وغير الأحادية مع التزامات فلسطينية تثقل كاهل المواطن .
الحكومة اليوم جاءت بدعم شعبي كبير , وبانتخابات شهد لها الجميع , على
أساس عدم الاعتراف , وإصلاح وتغير واقع داخلي مزري بسبب اتفاقيات ومؤسسات
وشخصيات كانت تنفذ الشروط الصهيونية والأمريكية .
يدرك الفلسطينيون حجم الضغوط الخارجية , ومع ذلك هم قلقون من الضغوط
والعراقيل الداخلية والتي تمارسها بعض الجهات في وجه الحكومة الفلسطينية
. فاي فشل للحكومة لن تتضرر منه حماس بقدر ما سيعود على كل بيت فلسطيني
من ضرر , فحماس لديها الخيارات مفتوحة . فهي لم تسقط خيار المقاومة .
وتعتبر السلطة وسيلة لخدمة مشروعها الاساسي الا وهو المقاومة ولا تتثبت
بالسلطة كما قال السيد خالد مشعل بل ان السلطة في وجهة نظر حماس هي
للخدمة وللاصلاح ولتهيئة بيئة داعمة للمقاومة من تعليم وصحة وتربية
اقتصاد وفكر وثقافة .
ان التصعيد العسكري المتواصل من قصف واعتقالات واغتيالات ومجازر ,
يوضح مدى الهجمة على هذا الشعب في هذا الوقت وما هي الحاجة لرص الصفوف
وتقوية البناء الداخلي وإعطاء الفرصة لخيار الشعب ولحكومته المنتخبة
وذلك بالطرق التالية :-
-
تبني خيار المقاومة مع توفير غطاء شرعي للمقاومة من الحكومة والرئاسة.
والتأكيد أنها حق مشروع لشعب الفلسطيني كما فعلت حكومة هنية بعد
العملية الأخيرة لكتائب شهداء الأقصى .
-
التسريع بإجراءات الإصلاح ومحاربة الفساد مع إعطاء الفرصة للحكومة
الجديدة من تطبيق برنامجها
-
توفير حالة من التصعيد المضاد عبر المنظمات الفلسطينية وإفساح
المجال لردود عسكرية فلسطينية
-
فتح ملف العملاء عبر لجنة من الأجهزة الأمنية والفصائل
الفلسطينية وإعطائها الصلاحيات القانونية المناسبة لاستدعاء أي من
المشبوهين .
-
وقف حالة فلتان السلاح , وملاحقة المجرمين وفرض هيبة القانون, ومنح
الصلاحيات اللازمة لوزير الداخلية لضبط الأمن وإعادة القانون
-
حل أزمة المعابر وإعادة هيكلتها ومراجعة الاتفاقيات بعد الحصار
والابتزاز الصهيوني , مع تفعيل الحصار إعلاميا وجماهيريا .
-
التأكيد على ثوابت الشعب الفلسطيني وقضاياه المصيرية , وعدم الاعتراف
بإسرائيل وإحياء ملف اللاجئين وتفعيل قضايا الأسرى والقدس.
-
نشر التحقيقات الخاصة بقضايا اغتيال الدحدوح والقوقا للعلن لكشف
الاذرع الخفية للاحتلال .
-
التعامل بحزم وجدية وقوة مع من يحاول افشال الحكومة داخليا وتعطيل
مسارها الإصلاحي .
القضية الفلسطينية تحاول الخروج اليوم من قبضة الالتزامات والقيود
المتراكمة عليها منذ أن وثقت بالشرعية الدولية, ولن تخرج من هذه القيود
إلا بان تلتزم بمبادئها وثوابتها , وتعطي الأهمية لإرضاء الجمهور
الفلسطيني, وصب الجهود لتوفير الحياة الكريمة والآمنة للأسرة
الفلسطينية , بدل أن تتوجه الجهود لاسترضاء النهم الأمريكي
والإسرائيلي .
|