فلسطينيو غزة لا يعبدون الأوثان

د. فايز صلاح أبو شمالة

أشعلت إسرائيل عمود النار، وألقت به بين يدي الفلسطينيين في غزة، ظناً منها أن أهل غزة يعبدون الأوثان، ـ هم الأغيار ـ وستلحق بهم اللعنة التي لحقت بالفلسطينيين الذين سكنوا الديار قبل ألوف السنين، ولكن قبل سرد الأسطورة التوراتية التي يتكئ عليها اليهود في تصرفاتهم، لا بد من تحليل النوايا الإسرائيلية السياسية غير البريئة الكامنة في إبقاء الكنس اليهودية على أرض غزة؛ لكي يهدمها الفلسطينيون بأيديهم، كما أراد حاخامات اليهود، ليجعلوا منها مواقع بكاء دائم، وقصة تضحية وبطولة يهودية في مقابل جرائم الفلسطينيين، بل ذهب عضو الكنيست الإسرائيلي (مائير بورش) إلى القول من على منصة الكنيست: أن  الفلسطينيين حيوانات بشرية، ويقوم عضو الكنيست (أورى أرئيل) بشق ثوبه من على المنصة تعبيراً عن الحزن الذي يجب أن يرى فيه كل يهودي خراب جبال يهودا.

أولى الثمار السياسية كانت في انعكاس الإعلام اليهودي المتباكي على هدم كنس على الموقف الرسمي الفرنسي الذي أدان تصرف الفلسطينيين غير المسئول، وعلى موقف الرئيس الأمريكي  الذي أدان بدوره من على منبر الأمم المتحدة همجية الفلسطينيين، وتوحشهم، وعدم احترامهم لدور العبادة اليهودية، ولكن ليست هذه الإدانة، ولا التحريض بحد ذاته ما سعى إليه حاخامات اليهود المتدينون والسياسيون، وإنما وراء الأكمة تهيئة العقلية العربية والإسلامية والعالمية إلى تقبل عملاً عكسياً مماثلاً لذلك، يهدف إلى هدم دور عبادة إسلامية، كردة فعل دينية على هدم دور عبادة يهودية من وجهة نظر إسرائيل، وفي هذا الصدد أحسب أن ليس أمام حاخامات اليهود من حلم أدنى من المسجد الأقصى، الذي يشكل هدمه الخطوة الأولى لإعادة بناء هيكل سليمان، كما يحلمون، وبالتالي لن يفوّت اليهود هذا الفرصة، ولن يخسروها بعمل تدميري صغير هنا أو هناك، يفسد مخططهم!!.

إن منطق التفكير المتخوف السابق يستند إلى الطريقة الغريبة التي اتخذ بها قرار إبقاء الكنس؛ فبعد أن وافقت الحكومة الإسرائيلية على هدم الكنس بأيدي يهودية، ووافق حاخام مستوطنات غزة على أخذ حجر من كل كنيس يهودي في غزة، وتسليمه لحاخام إسرائيل الأكبر لبناء كنيس يهودي جديد يمثل كل الكنس المهدمة، بعد الموافقة حصلت المفاجئة؛ فقد اعترض وزير الدفاع شاؤول موفاز، الذي اكتشف في اليوم التالي أنه يهودي متدين أولاً قبل أن يكون إسرائيلياً سياسياً، وأوصى بتأجيل تنفيذ هدم الكنس إلى حين عرض الموضوع ثانية على جلسة الحكومة، وتمت مناقشة الأمر، وقررت الحكومة بأغلبية أعضائها قراراً جديداً يغاير قرارها المتخذ قبل أيام، ويقضى بوقف هدم الكنس بأيدي اليهود، وترك الفلسطينيين يهدمونها بأيديهم.

 لقد نفذ الفلسطينيون واجبهم الديني والوطني والحياتي، وقاموا فعلاً بهدم كنس يهودية أقيمت على أرض عربية مغتصبة، دون الالتفات إلى ما سعى إليه حاخامات اليهود، وخططوا له وقصدوه، لتأكيد ما جاءت به كتبهم المتوارثة، لاسيما تلك الرواية المسجلة في كتاب (التناخ) والتي تقول: أن الحروب بين بني إسرائيل والفلسطينيين تواصلت فترة من الزمن، كانت الغلبة فيها للفلسطينيين مرة، ولبني إسرائيل مرة أخرى، وذات مرة تغلب الفلسطينيون على بني إسرائيل في أحد المعارك، وسيطروا على تابوت الرب، ونقلوه إلى مكان تواجد كبير آلهة الفلسطينيين (داجون) كما جاء في سفر صمويل الأول الإصحاح الخامس "وأخذ الفلسطينيون تابوت الله وأدخلوه إلى بيت داجون، وبكر الأشدوديون في الغد، وإذا ب (داجون) ساقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب" يتكرر هذا المشهد في كل المدن الفلسطينية، وتحل اللعنة والإهانة والدمار والهلاك والموت بالفلسطينيين طوال فترة سبعة أشهر التي ظل فيها تابوت الرب لديهم، إلى أن قرر الفلسطينيون التخلص منه، والاعتذار لبني إسرائيل، وإرسال تابوت الرب مع الذهب والفضة إلى الإسرائيليين.

المتدينون اليهود يحفظون هذه القصص، وأمثالها، ويصدقون ما جاء فيها، ويرددونها، ويعلمونها لأولادهم، بل ويحرصون على نبش المسميات القديمة للمواقع، والأشخاص، ويفضلون أن تتكرر الأحداث في نفس المكان، وأن يعيد التاريخ نفسه، ليؤكدوا صحة معتقدهم، وانطباق ما جاء في كتبهم مع الواقع.

لقد سعى اليهود إلى تأكيد مسمى فلسطين للأرض الممتدة من البحر المتوسط إلى غور الأردن، وقد كانت تعرف من قبل بعدة أسماء، منها بر الشام، وسنجق القدس، وغرب النهر، وأرض المحشر والمنشر، ...إلخ من أسماء، ما عدا اسم فلسطين الذي ظهر في القرن التاسع عشر، مع بداية الهجمة اليهودية التي عرفت بالعودة إلى أرض الميعاد "فلسطين"، لقد ورد ذكر لفظة فلسطين والفلسطينيين في سفر صموئيل مئات المرات، وهو ما يشير إلى إن التسمية (فلسطين) قد جاءت لأرض الإسراء والمعراج من أسفار اليهود، ومن هنا فإن هدم الكنس على يد الفلسطينيين يعود بالذاكرة اليهودية إلى ما جاء في كتبهم عن معاركهم مع الفلسطينيين الوثنيين، ويبشر بالنصر الكبير عليهم فيما بعد، ويقرب موعد بناء الهيكل الثالث الذي ينتظره اليهود بشغف، لاستكمال شعائرهم المقدسة التي ستكتمل ببناء الهيكل.

لقد نسي يهود اليوم أن فلسطينيي غزة في القرن الواحد والعشرين ليسوا فلسطينيي غزة عبدة الأصنام قبل الميلاد، فلسطينيو غزة اليوم يعبدون الله وحده، ودينهم الإسلام!

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع