أيها الفلسطينيون: إنتبهوا لمصالحكم ودعوا أحلام اليقظة
 

بقلم أحمد ابراهيم الحاج

15 أيار 2006

في ذكرى ضياع نصف فلسطين في أيار 1948 وفي ذكرى ضياع النصف الباقي في حزيران 1967 لا بد لنا من وقفة مع النفس ، وقفة تحليلية من على أرض الواقع ، بعيدة عن الشعارات وأحلام اليقظة ، لكي نتلمس طريقنا الى الصواب في علاج الوباء الذي حل بنا ، بعد أن جربنا العلاج بالطب العربي القديم ، وبالعلاج الروحي بقراءة القرآن بدون الأخذ بمفاهيم وتعاليم القرآن ، وبعد اللجوء للمشعوذين ، واللجوء الى الكي بالنار ، واللجوء الى الطب الحديث بالعلاج بالأدوية الكيماوية وعدم تحملنا لأعراضها الجانبية ،  فقد آن لنا أن نتسم بالصراحة والنقد الذاتي لتصحيح مسارنا العلاجي بعد الوقوف على مسيرة أكثر من نصف قرن في مشوارنا المحفوف بالتجارب الصائبة والخائبة. ونستنبط علاج دائنا بأنفسنا لأننا أدرى من غيرنا بمصيبتنا وبأرضنا وبشعبنا.

قبل الدخول في الموضوع أود أن اورد عليكم واقعة أعطتني إشارات هامة في طريقنا للعلاج:

زرت صديقاً عربياً من دولة شقيقة في مكتبه العقاري ، وكان في مكتبه مجموعة من أصدقائه من بلده الشقيق يشاهدون الأخبار من قناة العربية ، وساقت القناة خبراً مصوراً لمدرسة فلسطينية تخبز لأولادها بالطريقة القديمة على نار الحطب.  ولم يعرفوا أنني فلسطيني ، وكنت أتوقع منهم تعليقاً يتناسب مع الهدف الذي قُصد به الخبر لكي أُطمئن نفسي بأننا ما زلنا نستنهض المشاعر العربية المتعاطفة مع قضيتنا. ولقد فوجئت بما صدر عن أحدهم من تعليق وأيده الباقون ، والتعليق هو " من أجل المناصب ومقاعد البرلمان وكراسي السلطة يجوعون شعبهم ، تمامًا كما يحدث بالصومال". لقد حز في نفسي كثيراً هذا التعليق ، وخرجت وأنا يتصارعني الألم والحزن ، وتمنيت لو أن أهلي في فلسطين ما سمحوا بالتقاط هذه الصورة المشرفة لهم ولصمودهم وإمساكهم على جمر الحصار الظالم من الأقارب والأغراب. وكأنهم يتصورون أنفسهم بأنهم يعيشون في عصر الخليفة عمر بن الخطاب. هذا لا يعني أننا فقدنا التعاطف العربي وإنما شد انتباه الإخوة عن هدف الصورة والخبر هو الفرقة والنزاع بين الفصائل الفلسطينية وشوشت على شرف الصمود والتصدي . انتهت الواقعة ولنبدأ بالموضوع: 

لقد كانت القضية الفلسطينية ومنذ بروزها الى الحيز الدولي مادة تسويقية دسمة للأنظمة العربية ، وكانت بمثابة طوق النجاة لكل نظام عربي يوشك على الإنهيار بفعل الفشل في إدارة أزماته الداخلية والخارجية ، فيصعد أبطال هذا النظام الى المنابر يهتفون بفلسطين عربية علناً ، ويقدمون التنازلات والخدمات لصالح الأطراف الدولية اللاعبة في الساحة الفلسطينية وعلى حساب القضية سراً. فكانت هذه القضية بمثابة بند المصروفات في ميزانية الأنظمة العربية ، يقيدون على حسابها فواتير تشبثهم بالسلطة وبقائهم فيها مقابل تنازلاتهم وخدماتهم. ويقوم مراجعو الحسابات من أتباعهم وأذيالهم من أزلامهم بتزوير تلك الميزانيات والتصديق عليها من شركات المحاسبة الدولية ، واظهارها للشعوب العربية على أنها ميزانية لدعم القضايا العربية وعلى رأسها القضية المركزية للعرب قضية فلسطين. في حين أنها ميزانية التنازل والتخاذل، وتَعتبر القضية الفلسطينية مادة مستهلكة تتضاءل قيمتها مع عامل الزمن، وينطبق عليها بند الإستهلاك، وتتهاوى قيمتها تدريجياً إلى الصفر ، والذي تحقق في معظم الميزانيات العربية ويقترب من التحقيق في باقيها.

لماذا؟

عندما تشكلت خلايا المقاومة الفلسطينية في المهجر وفي بداياتها ، سارعت الأنظمة العربية الى قمعها ، بحجة أن القضية لا تُحل إلا بالجيوش المنظمة وبالحروب التقليدية ، وأن ما تقوم به هذه الخلايا يخرب على الخطط العربية للتحرير ، ويثبط الجهد العربي نحو تحقيق النصر ، ويشكل عقبة في طريق العمل العربي نحو تحرير فلسطين.

وبعد أول تجربة للحروب العربية التقليدية بالجيوش النظامية في حزيران 1967،وفشل النظام العربي ، وهزيمته المجلجلة وضياع القدس وباقي الوطن الفلسطيني ، وبعض الأراضي العربية ، اضطرت الأنظمة العربية ، (والأنظمة هنا جمع تكسيرللنظام ويا ليته كان جمعاً سالماً). اضطرت الى الاعتراف بالمقاومة الشعبية ، وذلك لامتصاص نقمة الشارع العربي على هزيمة جيوش عربية أمام جيشٍ واحد عدو . ومن هنا تنفست المقاومة ريح الحرية في العمل ، وحولت الهزيمة العربية الى أمل في تحقيق النصر لما سببته من ألم ووجعٍ في خاصرة الاحتلال  وخاصة بعد معركة الكرامة التي تحقق فيها نصر عربي، وتحولت الى ثورة بما تعنيه الكلمة من معنى . وبرزت على الساحة كأنبل ظاهرة عربية بعد نكسة حزيران 1967 كما وصفها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله وطبقها في حرب الاستنزاف التي حركت الإدارة الأمريكية لنجدة اسرائيل بطرح مبادرة روجرز (وزير الخارجية الأمريكي السابق) والتي هي أفضل بكثير مما نسعى اليه الآن. وأبى النظام العربي إلا أن يدس أنفه في الثورة الفلسطينية ، وأن يزرع تناقضاته واختلافاته فيها ، وينقل إليها وباء التشرذم العربي ليجير ايجابياتها لمصالحه الخاصة لاكتساب ثقة الشعوب والاحتفاظ بالسلطة.  فسارعت الأنظمة العربية الى الدخول بتناقضاتها الى الساحة الفلسطينية مقابل تقديم الدعم والأرض للثورة الفلسطينية في حدوده الضيقة والمشروطة والتي عملت من خلالها ومن فوقها الثورة ، وذلك لأن الثورة الفلسطينية امتازت عن غيرها من ثورات الشعوب بنضالها من المنفى ومن خلال طريق وعرٍ يعج بالأشواك والتعرجات والأنفاق والدهاليز. فكان كل نظام عربي يقدم الدعم مقابل مشاركته في قرارات الثورة والثوار ، وأن يكون له دور أساسي في توجيه بوصلة النضال الفلسطيني. وأن يملك الورقة الفلسطينية التي أصبحت رقماً صعباً في معادلة المنطقة ، وذلك في سبيل مصلحة خاصة . فعمدت الأنظمة العربية الى إنشاء منظمات تابعة لها في ساحة النضال الفلسطيني مستغلة بعض النفوس الفلسطينية التي تحب الزعامة والقيادة ، وبذلك فتحت لها سفارات عسكرية لدى الثورة الفلسطينية ، وأن باقي الدول العربية التي لم ترغب في إنشاء مثل هذه المنظمات حرجاً من الأحلاف عمدت الى زج وزرع عناصر من مخابراتها في داخل فصائل الثورة للتصنت على الثورة وعلى الأنظمة العربية الراعية لبعض فصائلها والمناوئة لسياستها ، وبادرت الى تقديم خدمات الى الأعداء بتزويدهم بمعلومات عن الثورة والأنظمة المناوئة. وبذلك ساهمت الأنظمة العربية في تشتيت ولاء الفلسطينيين وانحرافه عن  القدس الى ولاءات لعواصم عربية تحتضن أنظمة عربية مشكوكاً في نزاهتها. وكان على قيادة الثورة أن تقبل بهذا الوضع ، لأنها لا تملك الأرض الفلسطينية للنضال من فوقها. ولأنها لا تستغني عن الأرض العربية والجماهير العربية المتعاطفة معها والتي تعاني مثلها من ظلم أنظمتها في قمعها لحرياتهم وإحساسهم تجاه الفلسطينيين. فأصبحت الأنظمة العربية تبتز القيادة الفلسطينية بهذه السفارات العسكرية ، وتتدخل في شؤونها الداخلية ، وتسببت في حروب (فلسطينية فلسطينية ، وفلسطينية عربية) وراح ضحيتها الأرواح من كل الأطراف في صراعات اثلجت صدور الأعداء وأدمت قلوب الأشقاء. كما ابتزت الأنظمة العربية الثورة الفلسطينية مقابل الأرض العربية التي آوتهم لبعض الوقت. ولم تقف عند هذا الحد بل كانت تبتز الثورة مقابل المساعدات المادية التي كانت تملأ الصحف ووسائل الإعلام للرياء والنفاق أمام شعوبها ، وتبالغ في أرقامها وفي مدح مقدميها للإشادة بدورهم الثابت تجاه قضية فلسطين.

والتاريخ يشهد بأن الدور العربي بتدخلات الأنظمة العربية في القضية الفلسطينية منذ بدايتها وبعد ولادة هذه الأنظمة من رحم اتفاقية سايكس بيكو على أساس خبيث مبني على القبلية والحزبية الضيقتين ، كانت جميع هذه التدخلات العربية بحسن نواياها او بسوء نواياها ، وفي محصلتها صبت في بند الخسائر في ميزانية تلك القضية وكانت كلها على شكل كبوات ونكبات ونكسات وهجرات. بداية بثورة 1936، مروراً بنكبة 1948، ونكسة 1967، وأيلول الأسود 1970، واغتيال القادة في قلب بيروت ، وأحداث تل الزعتر، وحصار بيروت ، ومذابح صبرا وشاتيلا 1982 واغتيال ابو جهاد في قلب العاصمة التونسية بسلاسة ويسر وتهجير الفلسطينيين من الكويت بعد 1990 وتهجير الفلسطينيين من العراق الآن وما ندري ماذا بعد.

بعد اتفاقيتي كامب ديفد ووادي عربة ، دخلت دولتان هامتان من دول الطوق العربي في معاهدتي سلام مع اسرائيل ، وبموجب المعاهدتين تقررت مساعدات أمريكية مشروطة  للدولتين ، وذلك بممارسة حسن الجوار مع دولة اسرائيل ، وأن تحصرالدولتان سياستهما في الوضع الداخلي لبلديهما والتخلي عن دورهما في القضية الفلسطينية ، وأن تتركا شأنها للحكومة الأمريكية ، وأن ترفعا شعار القطر أولاً ، وأن تحافظا على أمن اسرائيل وتحترما سياسة حكوماتها مهما كانت ، وكان الإلتزام من الدولتين محكماً ودقيقاً ، وانحصر دورهما بالوساطة بين الاسرئيليين والفلسطينيين وضمن الأطار والمفهوم الأمريكي للصراع. وأصبحت هاتان الدولتان مرهونتين للسياسة الأمريكية مقابل المساعدات الإقتصادية لهما. ولو أخذنا مصر بتاريخها الحضاري ودورها القيادي في العالم العربي ، وثورتها التعليمية والثقافية بعد ثورة 23 يوليو يفترض أن تكون الآن في مصاف الدول النامية مثل كوريا الجنوبيةعلى أقل تقدير ، لو أنها حافظت على الزخم النهضوي الذي قادته الثورة ، بدلاًمن ان ارتهانها لمساعدات مشروطة جعلتها مقيدة وممنوعة من الحركة في كل الإتجاهات التنموية والعلمية. وبهذا الإرتهان للمساعدات المشروطة وضعت نفسها في شرنقة الأنعزالية وفقدت دورها الطليعي والقيادي في العالم العربي والتصقت بالأنظمة العربية الهشة ، واصبحت تَستشيربدلاً من أن كانت تُستشار وتَقتدي بعد أن كانت تُقْتَدى. كانت ايران ترسل إليها البعثات التعليمية ، فأين ايران الآن من مصر. العرب في حالهم الآن ، كمجموعة من الإخوة يسكنون عمارة من 22 شقة ، واندلع حريق في إحدى الشقق (شقة الفلسطيني) ، فبادر الإخوة من سكان الشقق الأخرى الى إقفال شققهم على أنفسهم لاتقاء النار الملتهبة في شقة شقيقهم. وامتدت النار الى شقة العراقي ، واصبحت على ابواب شقة السوري والسوداني. فبدلاً من أن يتعاونوا جميعاً على إخمادها ، تقوقعوا في شققهم بانتظار وصول النيران اليهم وبعد أن يفوت الأوان ، (فدرهم وقاية خير من قنطار علاج) ، فامتدت النار الى باقي الشقق ، والحبل على الجرار إن لم يتداركوا الموقف وستبدي لنا الأيام ما كان خافياً.

لنعد الى الشأن الفلسطيني ، ومما تقدم نتمنى على الإخوة قادة الفصائل أن يرتفعوا الى مستوى التحديات التي تواجههم وتواجه شعبنا ، وأن يتحرك كل فصيل الى منتصف الطريق الذي يصله مع الآخر ، وأن يتم اللقاء في الوسط ، فتحن أمة وسط ،وأن يبتعدوا عن التشنجات الأيدلوجية ، والتجاذبات الخارجية ، وأن يرأفوا بهذا الشعب ، فقد سمعت عجوزاً فلسطينياً على شاشة تلفزيون فلسطين يقول " لو كنت أعلم بما سيحدث لنا بعد النكبة ، لفضلت أن يقتلني اليهود على أن أخرج خارج قريتنا  وأرى ما نحن عليه الآن". إنزلوا الى أرض الواقع ، ودعوا التعلق بحبال الأوهام والشعارات والخطب الحماسية التي احترقت أوراقها منذ زمن بعيد. ولا تفسحوا مجالاً للتخلف بأن ينشب أظفاره بالشعب وطبقة الشباب خاصة ، لا تتجمدوا عند المتخلفين في هذا العالم ، حافظوا على منجزات آبائكم الذين وضعوا هذا الشعب في مقدمة الشعوب العربية في محاربة الأمية حسب آخر إحصائية عربية رسمية حيث جاءت فلسطين في المرتبة الآولى رغم كل هذا الإستهداف العالمي لطمس هذا الشعب من الوجود. إجلسوا سوياً واتفقوا على أساليب نضالية تتوافق مع هذه المرحلة مع الإحتفاظ  بطموح هذا الشعب للثقافة والعلوم ومجاراة العصر . لقد سئمنا من عرض الأشلاء الفلسطينية على شاشات التلفزة ، فالأحرى بنا أن نبتكر طريقة للنضال تحفظ كرامتنا ، فهاهي الاشلاء والجثث العراقية تملأ شاشات التلفزة ولم يعد المشاهد العربي يعبا بها ويتجاوزها الى أخبار الرياضة والمال والفيديو كليب للحسناوات العربيات. فلسطين لن ترحل من مكانها ، وغزتها الأمم وتعاقبت عليها الإمبراطوريات وغادرتها ، وحررتها أجيال متعاقبة من أبنائها ، وإن انحصر تفكير كل فريق منكم بأنه سيحررها هو فهو واهم . فحافظوا على بقاء هذا الشعب حراً كريماً متعلماً وواعياً فهو قادر على ولادة جيل التحرير إن شاء الله.
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع