السلطة الفلسطينية بين "اللص
والكلاب"
!!
م. أسامة عليان
سكرتير تحرير صحيفة الحقائق
osama@alhaqaeq.net
9/17/2005
فجأة إكتشف الكثيرون بأنهم لم يتباكوا كفاية على
موضوعة إستشهاد الرئيس عرفات ، وبالتالي أطلقوا لنفسهم العنان من جديد
ليدوروا حول
هذا الموضوع أكثر من شوط واحد.
لقد نشرنا مبكراً في صحيفة «الحقائق» عدة مقالات
أساسية تحدثت عن غياب الوضوح في قضية إغتيال الرئيس ياسر عرفات ، وطالب
كتّاب هذه
المقالات من أمد بعيد وفي حينه بكشف هذا الغموض وتحديد سبب وطريقة تنفيذ
هذه
الجريمة ومن يقف خلفها ، حيث هذا هو أبسط حقوق الشعب الفلسطيني لمعرفة من
غيب قائده
التاريخي لاسيما في الفترة التي تمترس بها خلف الثوابت الوطنية الفلسطينية
وأبى أن
يتنازل أو يفرط وتحديداً في مسألتي حق العودة والقدس، حتى إن إحدى هذه
المقالات قد
قارنت بين موقف الحالة الشعبية الفلسطينية إزاء مقتل الرئيس عرفات والحالة
الشعبية
اللبنانية إزاء مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري ، واستهجنت أن تقف حتى
فصائل
المقاومة الفلسطينية موقفاً مائعاً إزاء هذه المسألة الخطيرة وكأن عرفات
كان زعيماً
للهنود الحمر وليس ختيار قضية فلسطين.
حينما تسلمت السلطة الفلسطينية الملفات الطبية
الفرنسية شكلت لجنة لدراستها وبحثها مع وعد شديد اللهجة بكشف محتوياتها
وإزالة
الغموض في أسرع وقت ممكن ، هذا الوعد لم يكن موجهاً لأسرة الشهيد عرفات فقط
، مع أن
متسلم هذا الملف ومسلمه للسلطة هو إبن أخت الشهيد عرفات (ناصر القدوة) ،
والوعد
أيضاً لم يكن لحركة "فتح" بإعتبارها الحركة التي أسسها وتزعمها الشهيد
عرفات ، ولم
يكن كذلك لباقي فصائل المقاومة التي رعاها وكان قائدها العام طيلة سنوات
الثورة
(حينما
كانت ثورة) ، ولا كان أيضاً للشعب الفلسطيني كله سواءاً الذين تمثلهم
السلطة
في الضفة وغزة أو الذين هم في الشتات وما خلف الخط الأخضر ، ولم يكن
بالنهاية وعداً
لجماهير الأمتين الإسلامية والعربية وباقي شرفاء وأحرار العالم ، بل كان
وعداً أمام
الله تعالى وعهداً غليظاً بإنتظار الوفاء به.
يقولون في دهاليز البيروقراطية والمؤسسات المائلة
(إذا
أردت أن تميت قضية، فشكل لها لجنة) ، هذا ما قامت به السلطة الفلسطينية
بالضبط ، حيث إتضح بما لاشك فيه أنها ما كانت تقصد ما وعدت به ، بل كانت
تقصد العكس
تماماً ، فكيف يمكن أن تتشكل لجنة لدراسة هذه الملفات ولا يكون فيها
الأطباء
الخاصون وفي مقدمتهم الدكتور أشرف الكردي الذي كان الطبيب الخاص للرئيس
عرفات من
بين طاقمها؟ ، وكيف لا تقوم هذه اللجنة بأي إجتماع ولو واحد فقط يعقبه
إيجاز صحفي
يطلع الجمهور على المرحلة التي وصلت إليها؟ ، هذا لو وصلت!! ، ثم كيف لا
تقوم هذه
اللجنة بزيارة ولو واحدة إلى المستشفيات المختلفة بما فيها الفرنسية التي
إستقبلت
حالة الرئيس الراحل؟.
الواضح أن أكثر الناس شجاعة في هذه القضية كان
الرئيس بشار الأسد المحاصر حالياً والذي سمى الأمور بمسمياتها في خطابه
للأمة بقوله
"إغتالو
ياسر عرفات" تلا الرئيس الأسد مباشرة وربما كان يهمس قبل ذلك طويلاً أمين
سر حركة "فتح" فاروق القدومي (أبو اللطف) الذي بح صوته وهو يقول ليس فقط
بأن عرفات
قد إغتيل بل مطالبته السلطة الفلسطينية بعمل لجنة تحقيق للوقوف على الحقائق
وتحديد
إجابة السؤال كيف دسوا السم لعرفات ، ومن فعل ذلك ، ومن سهل له هذه
المهمة؟!!.
يبدو أن السلطة الفلسطينية لم تكن حتى راغبة بأن
تسمع هذا السؤال وهذا المطلب ، فراهنت على الزمن لكي ينسى هذا الملف كما
نسي غيره
عندها ، لكن الناس لا تنسى ، وإن أراد أزلام السلطة أن ينسّوها ، والغريب
أن (ناصر
القدوة) قد ضرب الأرقام القياسية في النسيان ، وهو أولى الناس أن لا ينسى
ذلك في
غمرة تحضيراته للمؤتمرات والزيارات هنا وهناك.
السلطة الفلسطينية لم تطلع إنسياً ولا جنياً على
نتيجة بحثها ولجنتها ولا على محتويات الملف الذي تسلمته ، حتى تركت مجالاً
خصباً
واسعاً لمن أراد أن يعيد إغتيال عرفات على كيفه كلما أراد ذلك ، وآخر هؤلاء
القتلة
هم الصحفيان الصهيونيان اللذان نشرا كتابهما وفيه إسطوانة (الإيدز) ،
بالمناسبة لن
تكون هذه آخر رواية سنسمعها في هذا الموضوع ، بل سيكون هنالك بعد الإيدز ،
إنفلونزا
الطيور ، وجرثومة إيبولا ، وقائمة طويلة بالجراثيم والفيروسات الجنسية
تحديداً ،
حيث أنها محببة لضمان الإغتيال والتشويه معاً ، من يتحمل مسؤولية ذلك؟.
إن من يتحمل هذه المسؤولية هو السلطة الفلسطينية
أولاً وأخيراً والمسؤولون فيها ، فإذا لم يكن لأي منهم دور في التسميم
الأول ، فهم
شركاء في الجرائم التالية واحدة واحدة دون شك في ذلك ، مع إضافة بسيطة
مفادها أنهم
قدموا مكافأة عظيمة لقتلة الإغتيال الأول.
هذه بالمناسبة ليست رواية اللص والكلاب.
|