رسالة مفتوحة لجامعة الدول العربية ومنظمة دول العالم الاسلامي
 

د. أنيس مصطفي القاسم- 1/10/2005
*
رئيس مجلس ادارة صندوق العون القانوني للفلسطينيين

لا شك أن القارئ يدرك أنني قد ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الرسالة، فهو يعلم عدم جدوي مخاطبة هاتين المنظمتين فيما يتعلق بحماية الحقوق العربية والاسلامية والدفاع عنها. بل إن ما يميز نشاط أعضاء هاتين المنظمتين من دول عربية وإسلامية هو تثبيط همم العاملين، باتباع سياسات ومواقف تجهض محاولاتهم لحماية هذه الحقوق والدفاع عنها.
ففي الوقت الذي تقوم فيه 160 منظمة حقوق إنسان فلسطينية وعربية وأجنبية بحملة دولية لغرض مقاطعة اسرائيل، كما كان الحال مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا، تتباري الدول الأعضاء في المنظمتين في انشاء العلاقات مع اسرائيل وتعميقها.
وفي الوقت الذي تبادر فيه منظمات حقوق انسان بريطانية وأوروبية وعربية الي اتخاذ اجراءات قضائية ضد الاتحاد الاوروبي لحمله علي إلغاء أو تعليق اتفاقية الشراكة الاوروبية الاسرائيلية، تتسارع الدول الاعضاء في المنظمتين لتمتين العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل وابرام اتفاقيات شراكة ومناطق حرة واقامة مشروعات مشتركة ومقاومة التحرك الشعبي ضد التطبيع.
وفي الوقت الذي تطارد فيه منظمات حقوق الانسان الفلسطينية والاجنبية والمحامون الشرفاء، المتهمين الاسرائيليين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية أمام القضاء الاجنبي وتحاصرهم بحيث تصبح اسرائيل سجنا كبيرا لهم جميعا خوفا من الملاحقة القانونية والقصاص العادل، في هذا الوقت بالذات تتعامل الدول الاعضاء في المنظمتين مع هؤلاء المتهمين وتستقبلهم استقبالا رسميا وتمنحهم الحماية، بدلا من أن تتحرك لمقاضاتهم علي جرائمهم. وأظن أن دول جامعة الدول العربية ليست في حاجة للتذكير بقرار اتخذته قمة عربية، في لحظة شجاعة نادرة، بملاحقة المتهمين الاسرائيليين علي جرائمهم، فهذه الدول تعلم مصير ذلك القرار، ولعله شطب من قرارات تلك القمة كي لا تسجل عليها بادرة لا ترضي عنها اسرائيل. ولعل هذه الدول قلقة من شجاعة منظمة من منظمات المجتمع المدني العربي ومحامين بريطانيين وقاض بريطاني في ملاحقة جنرال اسرائيلي ومحاولة القبض عليه لمحاكمته.
لقد انزعجت اسرائيل كثيرا من قرار القاضي البريطاني بالقبض علي الجنرال الاسرائيلي المتقاعد دورون أموج للتحقيق معه في ارتكابه جرائم ضد الانسانية بصفته كان القائد العسكري الاسرائيلي الذي اصدر أوامره بهدم بيوت فلسطينية في قطاع غزة، وربما التحقيق معه في جرائم أخري ارتكبها وهو قائد للمنطقة الجنوبية. لقد فر الجنرال من لندن، حيث بقي حبيس الطائرة في المطار بعد أن صعد اليها أحد رجال السفارة الاسرائيلية في لندن وأبلغه بأن الشرطة البريطانية مكلفة بالقبض عليه. وبقي حبيس الطائرة الي أن عادت ادراجها الي اسرائيل. بعد هذه الحادثة ألغي الجنرال الاسرائيلي ألون زيارة كان يعتزم القيام بها للندن لجمع تبرعات خوفا من القبض عليه، كما صدرت التعليمات للجنرالات الاسرائيليين الآخرين بعدم السفر الي الخارج.
جاء قرار القاضي البريطاني بالقبض علي الجنرال أموج تنفيذا للقانون البريطاني الذي يعاقب كل من يرتكب جريمة من الجرائم التي حددتها اتفاقية جنيف الرابعة بخصوص معاملة المدنيين الخاضعين للاحتلال. وكما تعلم دول المنظمتين، فان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية قد قرر أن اسرائيل ملزمة بهذه الاتفاقية وبنــــــظام لاهاي السابق لها. وقد بدأت اسرائيل بالتحرك لحماية المتهمين الاسرائيليين من مواجهة القضاء في الدول الاطراف في هذه الاتفاقية، وهي فيما أظن جميع دول العالم، ومن بينها الدول العربية والاسلامية الاعضاء في المنظمتين.
وكذلك فإن دول جامعة الدول العربية ومنظمة الدول الاسلامية كانت من بين المئة وخمسين عضوا في الجمعية العامة للامم المتحدة التي صوتت في الجمعية العامة للامم المتحدة، بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار الذي أقامته، وتقيمه، اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لصالح الأخذ بالعلم بذلك الرأي، ومطالبة جميع الدول، وليس اسرائيل فقط، بالامتثال للقانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، كما عبر عنه ذلك الرأي. أي أن الجمعية العامة أقرت بأن ذلك الرأي يعبر عن القانون الملزم لكافة الاعضاء. فما الذي قامت به دول المنظمتين تنفيذا لالتزامها الذي وافقت عليه بالتصويت لصالح القرار المذكور وفاء بتلك الالتزامات وبالتزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة أولا، ولحمل اسرائيل علي الامتثال له ثانيا؟
لقد كان الوضع قبل صدور الرأي الاستشاري دون سند قانوني من جهة قضائية عليا. أما الآن فقد تغير، بعد الرأي الاستشاري وقرار الجمعية العامة. لقد أصبح لدي الدول العربية والاسلامية أقوي سند للتحرك لفرض الشرعية الدولية علي اسرائيل، دون أن
تتهم بأنها تتحرك من منطلق سياسي فقط. ولذا فالمطلوب من دول المنظمتين أن تتحرك بحزم في جميع الاتجاهات لتفويت الفرصة علي اسرائيل للنجاة من قبضة القضاء. إن اسرائيل ستحاول حمل الدول علي تعديل قوانينها بحيث تسحب من اختصاص محاكمها محاكمة من ينتهكون اتفاقية جنيف الرابعة، التي هي أساس القانون الدولي الانساني. هذا تطور في غاية الخطورة علي الانسانية، وليس علي حقوق الشعب الفلسطيني فقط.
مطلوب من دول المنظمتين أن تعمل علي عقد المؤتمر العام للدول الاطراف في اتفاقية جنيف الرابعة، هذا المؤتمر الذي سبق له في مناسبات عديدة أن ندد بانتهاكات اسرائيل لتلك الاتفاقية وطالبها بالكف عنها. والآن وبعد الرأي الاستشاري وقرار الجمعية العامة للامم المتحدة، وقرار القاضي البريطاني بالقبض علي أموج، أصبح الباب مفتوحا أولا لدعم مواقف الدول التي تعاقب قوانينها علي انتهاك تلك الاتفاقية، وثانيا للطلب من المؤتمر بفرض عقوبات علي اسرائيل وفاء بالالتزام الذي نصت عليه المادة الثانية من أن الدول الاطراف تلتزم بضمان احترام الاتفاقية وليس فقط تنفيذها من جانبها
وخطوة ثانية يجب القيام بها، وهي أن تعمل هذه الدول من خلال الجمعية العمومية للامم المتحدة لطلب رأي استشاري ثانٍ من محكمة العدل الدولية عن الآثار القانونية التي تترتب علي عدم احترام اسرائيل للمبادئ القانونية التي نص عليها الرأي الاستشاري وثبتتها الجمعية العامة للامم المتحدة علي أنها ملزمة كجزء من القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان. لطلب هذا الرأي الثاني سوابق لدي الجمعية العامة للامم المتحدة، وكان الرأيان اللذان ابدتهما المحكمة جزءا مهما من معركة تخليص ناميبيا من براثن جنوبي افريقيا العنصرية، ونيلها استقلالها.
وخطوة ثالثة وهي أن تنشط الدول العربية والاسلامية والسلطة الوطنية الفلسطينية بوجه خاص لدي جميع الدول للتأكيد علي خطورة إضعاف القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان مجاراة لدولة تنتهكهما كل يوم. هذا التحرك يجب أن يتم دون ابطاء أو تردد، اذ لا تستطيع دولة تحترم نفسها وتحاسب الغير علي مخالفة هذين القانونين أن تستجيب لضغوط تتناقض تماما مع هذا التوجه العالمي. إن اتفاقية جنيف الرابعة هي من أهم مكاسب الانسانية، ولا يصح اجهاضها مراعاة لدولة تنتهكها كل يوم..
ولكي يكون موقف الدول العربية والاسلامية له مصداقيته، فانه يجب عليها أن تبدأ بنفسها، فتتوقف عن التعامل مع اسرائيل ما دامت لم تلتزم بتنفيذ الرأي الاستشاري وقرار الجمعية العامة للامم المتحدة التي شاركت هذه الدول في التصويت عليه.
تُري هل ستتحرك الدول العربية والاسلامية أم إنها ستخشي استعمال سلاح القانون بعد أن أصبح بين يديها، وستظل تطالب باحترام الشرعية الدولية ولا تفعل شيئا لضمان هذا الاحترام؟ إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة للامم المتحدة بتبني المبادئ التي وردت فيه يمثل نقطة تحول في غاية الأهمية في مسيرة القانون الدولي ومسيرة القضية الفلسطينية بالذات، ويجب الاستفادة منه والتعويل عليه بصورة مستمرة وفي جميع المناســـــبات، وفي المفاوضات بالذات خاصة
وأنه لا يجيز إضفاء الشرعية علي ما هو ليس شرعيا.
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع