منطق اللامنطق : موضة فلسطينية
جديدة
نضال حمد
سكرتير اللجنة التحضيرية لتجمع الكتّاب والأدباء
الفلسطينيين
4/19/2006
ترددت طويلا قبل الكتابة في هذا الموضوع الدقيق
والشائك، لكن بروز بعض الكتاب والكتبة الذين اخذوا مؤخرا ترديد عبارات
وكلمات تنتقص
من نضالية ووطنية بعض الفلسطينيين الذين يعيشون خارج شبه جزر أوسلو
الفلسطينية
المحتلة والمحاصرة، جعلني أتخذ قراري بالكتابة حول الموضوع.
إذ لا تقاس وطنية الفلسطيني بمكان سكنه ولا بوجوده
في رام الله ورفح والخليل والجليل أو بوجوده في مخيم عين الحلوة ، تونس ،
مخيم
اليرموك ، تجمعات اسكندنافيا أو في البرازيل. فلكل فلسطيني مكانه في
الشتات وقلبه
الذي ينبض بفلسطينيته ، فيضخ الحياة والروح في بيارته وأشجار حقله
وزيتونه وتينه
وبرتقاله وعنبه، كما يحفظ عن بعد صدى صوته وسلامة روحه وهدف بندقيته.
الوطنية ليست بالتواجد في محميات أوسلو التي لم
تستطع " شرطة سلام الشجعان " حمايتها من وحشية الاحتلال.. والتي لم تستطع
كل
الاتفاقيات والقوانين الدولية بالرغم من الكم الهائل والمرعب من
التنازلات المجانية
التي قدمتها قيادة السلطة الفلسطينية وفتح وأخواتها في المنظمة كذلك
حمايتها. تقاس
وطنية كل فلسطيني بما يقدمه لفلسطين سواء كان يقاتل بالحجر أو بالصاروخ
والحزام
الناسف في غزة والضفة او بالقلم واللسان والانتماء في المهاجر والشتات
واللجوء.
لذا على الذين يحملون البعض من الذين يخالفونهم
الرأي جميلة بأنهم يتواجدون في رام الله وغزة ونابلس وغيرهم من مدن
فلسطين ان
يرتقوا قليلا وان يتذكروا ان هذا الشعب قدم كثيرا في لبنان وسوريا
والأردن والعراق
والكويت ومصر وليبيا وحتى الجزائر وتونس الخضراء مثله في ذلك مثل شعب
فلسطين في
الضفة والقطاع حيث عليه الاعتماد الأكبر الآن.
نسأل هؤلاء هل وجود مثلا قيادة فتح وعلى رأسها ياسر
عرفات سابقا في تونس ألغى عنها صفة الوطنية والنضال ؟ وهل وجود رموز
وكوادر أساسية
وهامة من قيادة فتح والمنظمة في تونس هذه الأيام يلغي عنها صفة المواجهة
والنضال
والعمل الوطني ؟ وهل هذا يكفي لاتهامها بالتكرش والابتعاد عن الساحة
الأولى وتجيير
ذلك لصالح قيادة فتح في فلسطين او الشخصيات الوطنية الأخرى في الضفة
والقطاع
؟
وهل
هناك فرق في الشهادة بين شهيد من مخيم تل
الزعتر في لبنان وآخر من حي تل الزعتر في غزة ؟
لا يمكن القبول بمنطق التفرقة والتخريب الذي يعتبر
الجراح او الشهادة في فلسطين بالأسمى او الأكبر من الشهادة على حدود
فلسطين أو في
شتات شعبها حيث دافع ويدافع اللاجئون عن القضية الفلسطينية.
ماذا
نقول عن شهداء النضال الوطني الفلسطيني الذي
كان؟
ماذا نسمي شهداء مخيمات تل الزعتر وضبية وجسر الباشا
والنبطية وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة وبرج الشمالي والبص
والمعشوق
والرشيدية واليرموك وجرمانا والوحدات واربد والزرقاء؟
تلك المخيمات التي أبيد بعضها وهو يدافع عن الثورة
الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلاح الفلسطيني والقرار المستقل
والعودة
والاستقلال والدولة والحرية..
هل نقول عنهم حقراء عملا بتعبيرات رئيس السلطة
الفلسطينية الذي وصف عملية تل أبيب الأخيرة بالحقيرة ؟ ومن هو أبو مازن
حتى يسمح
لنفسه بنعت الشهداء بالحقارة ؟ مطلوب منه الآن تقديم الاعتذار لعائلة
شهيد عملية تل
أبيب الأخيرة وللشعب الفلسطيني كافة. لأنه بهذا المستوى من التعابير التي
لا يمكن
لرئيس استخدامها نزل إلى مستوى الذين يقسمون شعبنا بين داخل وخارج وبين
صامد على
خطوط أوسلو ومهاجر بعيدا عن وطنه لا لسبب سوى الاحتلال ومخلفات أوسلو.
وكفلسطيني لا
يشرفني ان يكون رئيس دولة فلسطين يوم يصير لنا دولة حرة ومستقلة ، شخص
يستعمل مثل
تلك الأوصاف والنعوت..
ان نضال الشعب الفلسطيني في الداخل والذي كان
مترافقا ومنسجما مع نضال جماهير الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات ، التي
حملت
بالكفاح المسلح منظمة التحرير الفلسطينية الى بلدان الدنيا قاطبة، والتي
استطاعت
صيانة المنظمة ودافعت عنها ورفعتها وأوصلتها للعالمية ولاعتراف بها من
قبل معظم
بلدان العالم ، خلال و أثناء فترة وجود قيادة المنظمة ومكاتبها وقيادتها
في لبنان
وسوريا والأردن والعراق والكويت وتونس والجزائر وليبيا ومصر .. الخ ..
هذه الجماهير
لا يمكن وصفها بالبعيدة عن ارض المعركة لأنها منذ النكبة تتواجد في قلب
الحدث
والمعركة.. فمنطق المزاودة على الآخرين لأنهم يتواجدون في الخارج ، منطق
سخيف
وتخريبي ولا عقلاني، بعيد عن الواقعية ولغة العقل الوطنية.
الذي جعلنا نتطرق لهذا الموضوع قيام البعض من أنصار
جناح التأوسل في الساحة الفلسطينية بشن هجمات الكترونية وكتابية على
المعارضين لهم
ولنهج أوسلو ولمدرسة قادة المصادفة والتخريب في منظمة التحرير الفلسطينية
وحركة فتح
بالذات. ثم أن معظم المعارضين هم من الفلسطينيين الذين يقيمون رغما عنهم
وليس
برضاهم في شتات عربي وعالمي أجنبي بعيدا عن وطنهم فلسطين. ومنهم من قدم
لفلسطين
أكثر بكثير من كثير من المتأوسلين الذين يدعون أنهم بوجودهم في رام الله
أو مناطق
أخرى من فلسطين ، يقومون بالصمود والمواجهة والمجابهة. متناسين أنهم جزء
من العلة
وجزء من السبب الرئيسي في إيصال شعب وقضية فلسطين إلى ما هي عليه هذه
الأيام. فقد
ساندوا نهج أوسلو في زمن الراحل عرفات وصمتوا عن الكبائر ولم يؤشروا
بأصابعهم على
الخطأ والخطر.. بينما كان المتهمين بالسكن خارج فلسطين وبعيدا عن خطوط
المواجهة
فيها يؤشرون ويقولون ويكتبون ان مدرسة أوسلو التخريبية هي التي هدمت
الجسور
والأساسات والأعمدة وبدلت التوجهات والأهداف وجلبت المزيد من المستوطنين
والمستوطنات وتوجت سلامها بالجدار العازل. أنها بكل بساطة مدرسة للفاسدين
والمهزومين والمنتفعين والهاربين إلى الأمام. مدرسة تخريبية بكل معنى
الكلمة، فهي
التي أنجبت هؤلاء الشتامين ، الرداحين والمزاودين على سبعة ملايين لاجئ
فلسطيني
خارج وطنهم المحتل فلسطين.
نقول لهؤلاء المزاودين على مئات آلاف الفلسطينيين في
أوروبا حيث من ضمن تلك الآلاف ، آلاف الجرحى والأسرى والمحاربين
والمناضلين الذي
عجنتهم معارك الدفاع عن فلسطين وشعبها وقضيتها وقيادتها وقرار منظمة
التحرير
الفلسطينية الوطني المستقل فعلا لا تكيتك وقولا مثلما أراده قادة المنظمة
في تلك
الفترة. ومن هؤلاء الفلسطينيين المقيمين في ألمانيا والسويد والدنمارك
والنرويج
وكل المهاجر العالمية،عائلات قدمت أكثر من شهيد وأفرادا قدموا عائلاتهم
كاملة لأجل
فلسطين. فوجودهم في أوروبا واستراليا وكندا ليس خيارهم الاستراتيجي ولا
هم هناك
بمحض إرادتهم بل بسبب الانتماء لفلسطين كل فلسطين. ثم هل استطاعت مدرسة
التأوسل
بسلامها الشجاع إعادة أي لاجئ فلسطيني إلى غزة او الضفة ومنحه رقما وطنيا
وهوية
وبطاقة وإقامة بدون موافقة الاحتلال؟
أيها الفلسطينيون اينما كنتم وعلى كل خطوط تماسكم مع
مغتصبي وطنكم ، ألم يدفع الشهيد ناجي العلي حياته لأنه أرغم على الهجرة
إلى لندن
بسبب الانتماء لكامل تراب فلسطين؟ الم يتم اغتياله بمشاركة بعض تلاميذ
مدرسة الفساد
والهزيمة لأنه كان يتحدث باسم الملايين الفلسطينية التي رفضت ما قبل
أوسلو ولا نقول
أوسلو وما نتج عنها من مصائب وعجائب. مصائب تمثلت بتجويع شعب مناضل
وتحويله لشبه
متسول ينتظر رحمة الدول المانحة، وعجائب تمثلت بتحويل المناضل إلى
"كوندوم " مخوزق.
والقائد إلى تاجر والضابط إلى لص يمص دماء الشعب بشكل علني .. والجنرال
إلى جبان
يسلم مقره بدون مقاومة ، ثم يخرج رافعا شارة الاستسلام بدلا من شارة
النصر ، ويتحدث
لوسائل الإعلام بلغة سوقية يزايد فيها على الشرفاء بالانتماء والوطنية...
هذا هو
حصاد سلام الشجعان وحصاد اتفاقية أوسلو خلال عشر سنوات فقط لا غير.
على الذين يتحدثون عن التواجد في الداخل وعن التواجد
الآخر في الخارج ان يخرجوا من ثوب أوسلو أولا وان يكفوا عن تحقير النضال
والمقاومة
وعن اتهام الآخرين بوطنيتهم، فشعب فلسطين أينما كان تواجده وبكل فئاته
دفع ثمن
الولاء لفلسطين وثمن إصراره على التحرير والعودة والاستقلال. ومن لا يعرف
ذلك نحيله
إلى سجلات دائرة شئون الشهداء والجرحى والأسرى في "مغتصبة" منظمة
التحرير
الفلسطينية،التي بدورها تنتظر جلاء الاستعمار وبزوغ فجر الصيانة وإعادة
البناء
والتجديد.
*
مقالتي تعبر عن وجهة
نظري وحدي
|