الاستفتاء ليس قدراً

إبراهيم أبو الهيجاء

إذا ما أصر  الرئيس محمود عباس على انجاز الاستفتاء حول ما يسمى وثيقة الوفاق ضاربا بعرض الحائط كل الإشكاليات القانونية والإفرازات الشعبية  والتاريخية والسياسية لهذه الخطوة  ، فلن يكون أمام " حماس "  من مفر سوى مواجهة هذه الخطوة ، لان الاستفتاء بكل القراءات السياسية هو انقلاب على شرعية حماس الانتخابية  وبامتياز والأخطر انه تحايل على الحقوق بالية ومكان وزمان غير مناسبين  ،  فأجواء الحصار المالي الحالي لا تمكن من استصدار حكم صحيح واقتصار الاستفتاء على أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة فيه تعسف ، وتمرير وثيقة متناقضة كوثيقة الأسرى للاستفتاء فيه تلاعب سياسي  بالآراء ، ولذا لايمكن أن تكون النتائج دقيقة بأي حال ؟

 وعلى الرغم ممّا يبدو وكأن " حماس "  تخشى الاستفتاء  وكأنها لا حول لها  ولا قوة تجاه...  وعلى الرغم من ظن الرئيس أبو مازن أن خيارات حماس تجاه الاستفتاء  ضعيفة في أجواء الحصار المالي والاقتصادي ، فمن الجيد القول أن هذه القراءة خاطئة للأسباب التالية : 

أولا:  حماس تملك وزنا ورصيدا شعبيا وقوة ساكنة في الشارع الفلسطيني  لم تحركه بعد ، وهي قادرة على التحشيد الفكري والتجييش السياسي في الداخل الفلسطيني والعمق العربي والإسلامي، لان الحقوق الفلسطينية حقوق لأمة مسلمة وليست لقضية قطرية ضيقة .

ثانيا : حماس لن تكون آسفة إذا ما جرى تمرير الاستفتاء  تزويراً أو غصباً عن الشرعية الدستورية لان  السلطة لم تكن يوما هدفا بل هي اقل من وسيلة ، ولن يجبر الاستفتاء أياً كانت نتائجه " حماس " على تبني خيارات سياسية تنتقص من الثوابت ، لذا سيكون أمام عباس كما هو مخطط  حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة،  وبهذه الخطوة سيكون  " عباس "  وحركة فتح قد أنهت مقومات وجود الشرعية الفلسطينية القادمة ، لان الأوضاع لا يمكنها  الاستقرار بعد  مصادرة الشرعية الحقيقية ؟                                                

وحماس في هذا التصور لن تكون خاسرة لان إفشالها وإسقاط شرعيتها والإتيان بشرعية حسب الرغبة الأميركية وبالشروط الإسرائيلية  لايمكن له أن يستمر وسيلفظه الشعب .

ثالثا : سيكتشف عباس أن المهمة الصعبة ليست إجراء الاستفتاء وإسقاط حكومة حماس ، بل ان السؤال الاهم ماذا بعد ؟  لقد انتخب الشعب الفلسطيني  في الضفة الغربية وقطاع  غزة محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية ؟ ولكن خلال عام وأكثر من حكمه لم يجلب لهم شيئا .. فهل التصويت على مايسمى وثيقة الوفاق سيكون كفيلا بحل المشاكل الاقتصادية والسياسية وسيوقف مخططات إسرائيل على الأرض ؟  لأنه بدون ذلك سينكشف وجه الاستفتاء وسيظهر للناس وللعالم أن ما جرى  لم يكن إلا خداعا وتزييفا و مساومة على  الجوع والعقل والإرادة... وعندها  لن تكون خيبيه الناس بحكم حركة فتح وعباس هيناً ... وعلى الجميع الحذر من غضبة الشعب والاستخفاف بخياراته والتلاعب بآماله .

رابعا : سقوط السلطة وإغلاق باب الإصلاح السياسي في وجه " حماس "  يحتم على الجميع أن يعوا  استحقاقات حدوثه ، فان أعطت " حماس "  حتى  اللحظة هدنة صامتة ، فلا اعتقد وقبالة المجازر الإسرائيلية اليومية  أن  تبقى الهدنة سيفاً مسلطا عليها في ضوء أن إسرائيل لم تحترم الهدنة من قبل ولن تحترمها من بعد ... ولعل في ذلك الخيار انسجام أكثر في جسد  " حماس "  الذي  حاول تحويل السلطة من بؤرة فساد إلى صرح بناء فوجد المؤامرة اكبر مما يظن ... فبقي قلقا متوزعاً بين خيار المقاومة حيث الواجب يناديه يوميا وبين خيار السلطة حيث الأمانة والمسئولية ، ولكن عندما تتحول الأمانة إلى فتنة وخيار الشعب يصبح ألعوبة بيد أطراف داخلية صامتة وأطراف خارجية مجاهرة بالتآمر فلن يبقى أمام حماس سوى العودة إلى مقاومة  أكثر صلابة واشد قوة ... ولعل في ذلك الخيار  سد للفتنة وارتفاع عن شهوات السلطة  وتفويت سريع للذين يريدون جر حماس إلى حرب داخلية .

قد يقول قائل أن الأفضل ل"  حماس " التنازل عن السلطة لأنها بذلك توفر الكثير من  العناء على الشعب وعليها ، لكن هذا الخيار سيسجل تاريخياً على " حماس "  أنها رضخت للتلاعب بالشرعية الفلسطينية وسيروج  الكثيرين أنها حركة مفلسة لا تملك الخبرة ولا القدرة السياسية كما ادعى مستشار الرئيس أبو مازن  (القنصل الأميركي السابق ) قبل أسبوع ...  ولكن هذا الخيار سيكون انتحارا سياسيا ل " حماس "  ، لان  " حماس "  صاحبة الشرعية فلا يجب أن تتخلى عن سلطانها بضغوط  الانقلاب وحصار المال   ، ولذا فان حلها أو تفشيلها خير ألف مرة من أن تسقط ذاتها بذاتها ... وما دامت خاضت معركة البناء هذا الزمن القصير بهاذ الحجم الكبير من الحصار والتآمر ، فأولى لها أن تكمل الشوط حتى نهايته... ومسالة الرواتب لا يجب أن تقلق " حماس " لأنها حاولت وما استكانت  من جهد ومجاهدة واستطاعت بالفعل أن توفر المال  ولكن الإفشال والحصار الخارجي لا يخفى على  عاقل ومن يتظاهر على حكومة " حماس "  لايمكن إلا أن  يكون مدفوعاً إما لأهداف ذاتية أو حزبية ضيقة وليس لأوطان أو ارض أو قضية يريد أن يبذل في سبيلهما الغالي والنفيس .  

حماس ليست في مأزق بل  القضية برمتها في مأزق  ، وما فعله انتخاب حماس  وبالتالي  وجودها بالسلطة هو  هو ببساطة  كشف لهذه الأزمة  حيث تعايش القضية الفلسطينية منذ أوسلو تآكلا في ثوابتها وعدواناً على أصالتها وامتهاناً  لإنسانها وأرضها  ومعاول الهدم لم تكن فقط إسرائيلية بل كانت عربية وفلسطينية ، وانتخاب"حماس " استفزاز وتعرية لكل هذه المقومات مما استدعى حربا وجوديا  ظاهرها المصالح الفلسطينية وباطنها  النفوذ والذات والامتياز الشخصي .

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع