التطبيع ... وفي غير
أوانه
حازم أبوشنب
الخميس 15/9/2005
في الوقت الذي كان الإسرائيليون يتباكون عبر وسائل إعلامهم على خروجهم من
قطاع غزة ، مخلفين وراءهم الدمار والحطام والركام ، وآلاف القتلى ( شهداء
انتفاضة الأقصى ) وعشرات آلاف الجرحى والمعاقين ، ومئات وآلاف وملايين
الأطنان من آثار الحقد والكراهية مرسومة ومطبوعة، في كل زاوية من زوايا
وطننا تذكرنا بما فعلوا بنا .
كانت محاكم لندن تنظر في دعاوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين من وزير حربها
ورئيسي هيئة الأركان، السابق والجديد الحالي ، تعتبرهم مجرمي حرب ، ومجرمون
ضد الإنسانية .
ويهرب الجنرال ( ألموغ ) الذي شارك بكثافة في تصدير تعليمات القتل المكثف
الذي أدمنه ممارسة عناصر وضباط جيش الإحتلال الإسرائيلي . يهرب من النزول
على أرض بريطانيا خوفاً من قرار محكمة بريطانية تعتبره وشركاءه في الجرائم
أمثال شاؤول موفاز ، وموشيه يعلون ، مجرمي حرب ومجرمون ضد الإنسانية ،
نتيجة جرائمهم ضد أهلنا وشعبنا الفلسطيني العظيم، وعمليات التقتيل الوحشي
التي رسموها بل حفروها في ذاكرتنا وعقولنا ووجداننا ... فلن ننسى .
وفي ذات التوقيت، كانت وسائل الإعلام الفلسطينية تبث لقاءات مع كبار
المسئولين العسكريين الإسرائيليين، وعلى رأسهم الجنرال شاؤول موفاز، وزير
الحرب الإسرائيلي، الذي أصدر معظم أوامر القتل والإغتيال ضد أبناء شعبنا،
ومازال، ففي الضفة الفلسطينية مازالت قوات الإحتلال تنشط اقتحاماً
واعتقالاً وقتلاً في نابلس وطولكرم والخليل ، وكل مخيم وقرية ومدينة، وكأن
فرحة غزة إنما هي على حساب أخي وابن عمي في الضفة ؟؟؟ أوهكذا يريدون لنا .
المقابلة ليست مبررة !!!؟
فلا يجوز أن يحاكم العالم قتلة ومجرمين في حق شعبنا فيما نلمعهم نحن في
وسائل إعلامنا !!! ونعيد ترويجهم إلى العالم وإلى أبناء شعبنا وكان ما حدث
لم يحدث !!!
بل قتلونا وذبحونا وهرسونا تحت جنازير دباباتهم، وهرسوا جسد راشيل كوري
الأمريكية ،أمام أنظار العالم في أفلام موثقة، وقتلوا الإيطاليين من
الصحفيين وجرحوا البريطانيين أيضاً، ولم يتركوا جنساً أو جنسية إلا ومسوها
بحقدهم وسلاحهم المجنون .
الم يستذكر صانع المقابلة الكريهة مع الكريه موفاز صور الأطفال إيمان حجو،
ومحمد الدرة ؟ وكل أطفالنا .
ألم يستذكر ناشر المقابلة السابقة في وكالة الأنباء الفلسطينية صور أبناءنا
الذين لم تبرح نظرات الخوف والرعب عيونهم ، بل لامست نظراتهم صميم قلبي
ووجداني ، فيما طفلة تجادل والدها رافضة أن تذهب إلى بقالة قريبة لشراء بعض
من حلوى، خوفاً من رصاص طائش أو صاروخ إسرائيلي منفلت، ينضبط نحوها وأطفال
الحارة، لتفلت أرواحهم إلى الصعيد الأعلى .
هم قتلونا ... هم ذبحونا ... هم لم يتركوا لأنفسهم مكاناً بيننا، وهذا ما
حذرنا منه مع بدايات الإنتفاضة ، حين قلنا في وسائل الإعلام العربية وغير
العربية ، أن الخاسر الأكبر من انتفاضة الأقصى هو الشعب اليهودي الذي يأخذ
من دولة احتلت أرض فلسطين التاريخية مستقراً لها .
وكيف ذلك ؟
حجم الكراهية التي خلفوها وراءهم، تعيد الحال والمشاعر والعقل إلى سنوات
بعيد نكبة فلسطين عام 1948 ، والتي شردت معظم أهلها في غياهب أراض لدول
مختلفة . فتجعل من الحكومة الإسرائيلية الحالية والتي سبقتها سبباً في أن
لايتمكن أهل الشرق الأوسط وأهل الإنسانية وأهل الحق والشرع والقانون من أن
يستوعبوا ما قامت به حكومات القتلة تلك ضد شعب فلسطين .
وفيما كل ذلك يجري ، لا يجوز أن تبدأ خطوات للتطبيع بين دولة يحكمها القتلة
والمجرمون المطلوبون للعدالة، وبين دول عربية وإسلامية دأبت على الترويج
لنفسها أمام شعوبها على أنها حامية حمى فلسطين ، وأنها حكومات موجودة
مساندة لشعب فلسطين ، وهو غير الحقيقة .
فاللقاءات التي تجري ، والإتفاقات التي تعقد من وراء الشعوب العربية
والإسلامية ، تكشف سوء الأمناء في حق الأمانة .
|