لا... لمنظمة التحرير الفلسطينية في واقعها الحالي

بقلم: د.عصام عدوان
المختص في تاريخ حركة فتح والثورة الفلسطينية
20/3/2006م
منذ أن شَرَعَ أحمد الشقيري في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م، وضعت حركة فتح خطتها للسيطرة على هذه المنظمة. وقد نفّذت خطتها بدقة، حيث اعترضت على أسلوب قيادة الشقيري المركزية، وعلى عدم تبنيه الكفاح المسلح وفق أسلوب حرب التحرير الشعبية أسلوباً استراتيجياً لتحقيق هدف تحرير كل فلسطين، وانتقدت العدد الكبير الذي شكّل المجلس الوطني الفلسطيني آنذاك والذي بلَغ حوالي أربعمائة عضو، وهو ما اعتبرته فتح في حينه شَلٌّ للمجلس لصالح هيمنة الشقيري عليه. والأهم من ذلك كله أن فتح لم تقبل بالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني، بل اعتبرت أن منظمة التحرير مجرد فصيل فلسطيني. وقد شكّلت فتح والفصائل الحية في الثورة الفلسطينية وبعض قيادات منظمة التحرير ضغوطاً على الشقيري دفعته إلى تقديم استقالته. وتولى يحيى حمودة رئاسة المنظمة لفترة انتقالية، وقد نسّق مع فصائل الثورة الفلسطينية لإعادة صياغة منظمة التحرير على أسس جديدة، فكان أول ما اشترطته فتح: تقليص عدد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني من حوالي أربعمائة إلى مائة فقط لتمكينهم من الحوار والوصول إلى قرارات جادّة، كما اشترطت بصفتها أكثر الفصائل نشاطاً في الكفاح المسلح آنذاك، أن تحوز على أكبر نسبة أعضاء في المجلس لتتمكن من إعادة صياغته على أسس ثورية جديدة.
ومنذ الدورة الرابعة للمجلس الوطني سيطرت فتح (كتلة ومستقلين واتحادات) على حوالي 60% من أعضاء المجلس الوطني المائة، وفوراً قامت بتغيير الميثاق القومي لمنظمة التحرير إلى الميثاق الوطني الذي تضمّن تصوراتها الوطنية والثورية. وفي الدورة التالية للمجلس الوطني انتُخب ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير، ومن ذلك الحين شرعت فتح في ترسيخ نفسها في منظمة التحرير وأجهزتها ومؤسساتها كافة بحيث اختلط الأمر على كثير من الفلسطينيين فلم يعودوا يفرِّقون بين فتح وبين منظمة التحرير. وقد حافظت فتح لنفسها على كتلة مانعة من أي تغيير داخل المجلس الوطني، فلم تتراجع نسبتها داخل المجلس في معظم الدورات عن 50% منفردة، رغم محاولاتها تقليص عدد عناصر كتلتها حيث كانت تعوضهم بزيادة عدد المستقلين المحسوبين عليها، وزيادة عدد ممثلي الاتحادات التي غالباً ما سيطرت عليها فتح. ومن ثمّ أخذ المجلس الوطني في الزيادة العددية سنوياً حتى بلغ عدد أعضاء المجلس اليوم (2006م) حوالي 774 أو 886 عضواً على اختلاف الأقوال، إلى الدرجة التي لم يستطع رئيس المجلس الوطني نفسه أن يؤكد الرقم الدقيق. وهو رقم يضاهي ضعف عدد أعضاء مجلس الشعب المصري ذي السبعين مليون نسمة، أو يزيد عن ربع عدد أعضاء البرلمان الصيني ذي المليار وثلث مليار نسمة!!!!
إن واقع منظمة التحرير الفلسطينية اليوم يقول أنها لم تعد تمثل آمال وطموح الشعب الفلسطيني ما بقيت على حالها المزري، وذلك للأسباب التالية:
1- إن ما حشدته فتح من مبررات لتسيطر على منظمة التحرير في بداياتها، يمنح الفصائل الفلسطينية الجديدة الحجة والمبرر ذاته لإعادة صياغة منظمة التحرير وتفعيلها، فهي اليوم في وضع أسوأ بكثير مما كانت عليه إبان مرحلة الشقيري.
2- إن المنظمة التي تنكّرت لمنطلقاتها وللأسس التي تأسست عليها عام 1964، ومن أهمها تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، فإنها في الواقع قد تنكّرت لذاتها، ولم يعُد أعضاء مجلسها الوطني يؤمنون بأهدافها، مما يعني بالضرورة أنها أصبحت لاغية ومنتهية، تماماً كالتعبير الذي استخدمه ياسر عرفات عندما وصف الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1988م في جنيف بأنه (كادوك) أي: لاغي. وقد صادق أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في غزة بحضور الرئيس الأميركي كلينتون في 14/12/1998م،على إلغاء مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي تؤدي إلى القضاء على دولة الاحتلال وتعديل بعضها الآخر التزاما لاتفاق واي بلانتيشن. والمواد الملغاة هي 6 و7 و8 و9 و10 و15 و19 و20 و21 و22 و23 و30، أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي 1 و2 و3 و4 و5 و11 و12 و13 و14 و16 و17 و18 و25 و26 و27 و29. أي أن الميثاق قد أُفرِغ من جميع مضامينه ذات الشأن بغاية وجود منظمة التحرير. ولا قيمة لكائن لا روح فيه.
3- لقد اعترفت منظمة التحرير صراحة بحق إسرائيل في الوجود والسيادة على 78% من فلسطين التاريخية، وجاءت رسائل تبادل الاعتراف بين منظمة التحرير ودولة الإحتلال عام 1993 لتحسم هذا الاعتراف. وبالتالي تكون المنظمة قد ألغت نفسها وناقضت ميثاقها وقرارات المجالس الوطنية التي اعتبرت الاعتراف بدولة العدو تهاوناً يستحق العقوبة، كما ورد في قرارات الدورة 11 للمجلس الوطني في يناير 1973م، بل اعتبر خالد الحسن في كتابه (قراءة نقدية لثلاث مبادرات، ط2 1986، ص 45) أن في الاعتراف بدولة العدو إلغاء لحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة على كل فلسطين: "وهذا يلغي حق المنظمة في دورها كممثل شرعي وحيد لشعب فلسطين، لأن من يفرِّط بجزء من وطنه يصبح غير مؤهل للمطالبة بالجزء الباقي"، وقال :" أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تملك حق مجرد البحث في الاعتراف بدولة العدو الصهيوني من عدمه".
4- لقد أثبتت الانتخابات التشريعية الأخيرة أن غالبية الشعب الفلسطيني ترفض منظمة التحرير ولا تعتبرها ممثلة لها، عندما اختارت الجماهير فصيلاً خارج منظمة التحرير، ورافض لاعترافها بدولة العدو وسيادته، حيث حازت حماس على نسبة 60% تقريباً من أعضاء المجلس التشريعي، فضلاً عن حركة الجهاد الإسلامي التي لم تشارك في الانتخابات وتحذو حذو حماس في هذا الشأن.
5- إن عدد 774 – 886 هم عدد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني لهو عدد ضخم لا يتناسب وحيوية الشعب الفلسطيني وحاجته لتفعيل قراراته وأدواته في كل مكان، ففُرص توصُّل هؤلاء إلى قرارات ذات جدوى تكاد تكون معدومة، فضلاً عن عدم انعقاد المجلس لأكثر من عشر سنوات متجاوزاً المدة القانونية المسموح بها، ومتعاملاً بلا مبالاة مع حاجات الشعب والقضية الفلسطينية. وهو ما يعني أن كل هؤلاء النواب قد تخلو عن واجبهم الوطني المُسند إليهم. ويُضاف إلى ذلك أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء تم تعيينهم من قِبَل الرئيس الراحل ياسر عرفات، دون أن يلمس الشعب فائدتهم أو حتى أن يعرف أسماءهم وتوجهاتهم وإمكاناتهم. وأنا أسال كل قارئ : هل تعرف مَن يُمثِّلك في المجلس الوطني؟ فإذا صادف وأنك تعرفه، فهل أنت راضىٍ عنه وموافق على منحه الثقة ليستمر في تمثيله لك؟ وهل يمثِّل هؤلاء النواب قطاعات وتجمعات الشعب الفلسطيني بالتساوي؟ ولماذا لم تجر انتخابات لاختيار هؤلاء الممثلين ما دامت دولة الاحتلال قد قبلت بإجراء الانتخابات للمجلس التشريعي عام 1996م، فلماذا لا يوافق الأردن ولبنان وسوريا والشتات على إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني؟ أم أن قيادة منظمة التحرير لا تريد ذلك حيث تدرك أنها ستخسر مقاعدها لصالح قوى حية وعظيمة في الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج؟
6- إن حركة فتح التي سيطرت على منظمة التحرير ومجلسها الوطني لأكثر من 35 سنة وبنسبة قد تزيد أحياناً عن 60% من أعضائه، لم تعد اللاعب الوحيد والكبير في الساحة الفلسطينية ، فقد أفرزت هذه السنوات الطويلة قوى فلسطينية حيوية أخرى، أثبتت الانتخابات الفلسطينية الأخيرة أنها فاقت فتح في حجمها، وجعلت منها مجرد معارضة رغم ما كان تحت يدها من عوامل الفوز، فكيف لو جرت الانتخابات بعد أن أصبحت فتح خارج السلطة؟!!
إن منظمة التحرير اليوم ليست هي منظمة التحرير التي منحها شعبنا الفلسطيني ثقته يوماً ما، فقد غيّرت وبدّلت، ولم يعد همها الشعب الفلسطيني ولا مصالحه. وأصبحت المنظمة على مفترق طرق مصيري: إما أن تخضع لعملية جراحية قاسية لضخ دماء جديدة وحيوية فيها وعلى رأسها حركة حماس، وفي هذه الحالة هي بحاجة لأن تنزل عند رغبة الشعب الفلسطيني في انتخاب ممثليه، وإما ان تصبح فصيلاً معارضاً كأي من فصائل الشعب الفلسطيني في الخارج حيث تكون المرحلة قد تجاوزتها.
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع