ففي الموروث
الشعبي الفلسطيني، قيل إن ديوك فلسطين في إحدى القرى قد دبّت الفرقة
بينهم وساءت أوضاعهم وتردّت أحوالهم، فعقدوا اجتماعاً عاجلاً (مثل جامعة
الدول العربية ولا الحالتين سوا) وراحوا يستعرضون فيه حالة التفسخ
والتفتت والانقسام التي اجتاحتهم، وجعلت الثعلب يغير عليهم وعلى دجاجهم
صباح مساء، دون حسيبٍ أو رادعٍ أو مستاءْ. يعني زي ما تقولوا مثل حال
بلادنا هاليام. "نمسح بالخِرقَة حدّ السيف ونتحجّج ببرد الشتاء وحرّ
الصيف"، فلا "حنّا للضيف ولا حنّا للسيف". ونظراً لأن الرجل هو رب البيت،
حتى لو كان بالطبل ضارب، فإن الديك في هذا المقام هو أيضاً، ربّ القُنْ
في زمن الأقنان والوطن المقنّن والحال المُعنّن والصيت المُطَنْطَن،
بعدما التمَّ تنتون على تَنْتنْ.
طبعاً، كل
ديك في القرية كان معتبر حالو مقطوع صِنْفُه، ومالوش مثيل. هو القائد
المُلْهم والزعيم الأوحد بين أقرانه. يعني مش معبِّر حدا منهم. وعينكم
تشوف البَهْدَلِه والمسْخَره اللي وصلولها بفضل العبقرية الديوكية هذه،
اللّي امتطاها كل واحد منهم ودَنْدل رِجْليهْ، بدون ما يوخذوا في
الاعتبار حالهم الآيل للسقوط مع استمرار الثعلب بالإغارة وانتهاك حُرمِةْ
وحريم أقنان الدجاج، واستباحتها دون حسيب ولا رادع.
رصَّ الديوك
صفوفهم بعد شعورهم بخطورة ما يجري، وأن طوفان أبو الحصين الجارف قادم لا
محالة، لن يبقي ولن يَذَر، ولن يفرق بين أسود ولا أبيض من الدجاج
والدِّيَكَهْ، حتى لو استعارت أسماء إيمان حجو وفارس عودة ومحمد الدرّة،
الكلّ تحت السكين. وْهَبُّوا من غير شرّ لا يصيبكوا هَبِّةْ ديك واحد
إلِكْرُكّة قبل إم الصوصان. بعدما أخذوا كل احتياطاتهم الأمنية عالحيطان
وفي الزّكايِكْ. ما تقولوا إلاّ حالة حرب. وانطلقوا في مظاهرة عارمة ضد
الثعلب، رافعين كل واحد منهم طبعاً رايْتُه الخاصة فيه، مشان الكثرة
والبركة، زي عنّا تماماً. بعدما اتفقوا بيناتهم إنّو إذا هجم الثعلبْ على
أي واحد منهم وحاول الاعتداء عليه، فعلى الجميع فوراً يهجموا عليه هجمة
رجل واحد، حتى يأدبوه ويلعنوا إمُّو على أبوه. يعني زي ما تقولوا معاهدة
دفاع مشترك، إن غابت عنكم.
ولمّا سمع
أبو الحصين بالخبر، طبعاً جواسيسُه كثار وبيوصلولوا بسرعة، طار ظبان
عَقْلُه. لِبس هالدشداشة وتلثّم بها الحطّة، حتى ما حدا يقدر يعرفو،
ودارْ يْشَمْشِم شوفي أخبار، ويِتفتّل حوالين خْمام الجاج وبذْيال
الحواكير والصبر، يتلَصْلَص عليهم شوبيساوّوا وشوناويين يعملوا. وبين ما
كان داير يتْخَمْخَم حوالين الدور وِلخْمام، التقى بها الديك لِرْكش وها
الرّقبِه المسلوخة حَمْرا حَمْرا زي الدّم، وسألُه: شو اللي صاير في
القرية يا بْنَيِّي، خير مال جاج البلد فايع كُلُّه على راسو؟!!
أجاب الديك:
والله يا عمي طلعوا كلهم مشان يتظاهروا ضد الثعلب وينتقموا منّو، بعد ما
خرّب ديارنا وهدّم بيوتنا ولعن إمّنا بعزا أبونا، زي ما إنتي شايف. ما
خلاّ خم جاج ولا مُقُرْ ماي إلاّ نجَّسو وداس عليه.
(فقال
الثعلب في نفسه): أحساان أكلت هوا المسألة. إلحك حالك يا ولد قبل فوات
الأوان، هذول وِحْدِتهم رايحة تجيب لي الدّوَر، وإذا ظلّوا هيك وما
عملتلهُم فِرْكِش عمري ما رايح أحلم لا في صوص ولا بجاجة. لازم أشوف لي
صِرفِه مع حريكين هالوالدين. عاكل حال الوصفات عندي جاهزة بَدَبِّرهم مش
رايح أغْلَب.
الثعلب: طيب
يا ترى مين زعيمكم اللي بدو يحكي باسمكم منشان تتفكوا مع الثعلب على هدنة
ولاّ تهدئة... الخ؟
الديك: أنا.
ثم انطلق
الثعلب لزقاقٍ آخر في حارات القرية، فوجد ديك ضعيف ممعوط الذنب ومنتوف
الريش.. بسواش كرش ونُصْ إيام الغَلا، وسأله نفس السؤال: مين هو زعيمكم
إللّي كلمتُه مسموعة وممكن يتفاوض باسمكم لوقف الحرب مع الثعلب وعدم
اعتداء أي طرف على الطرف الثاني؟
الديك: أنا
طبعاً.
وهكذا ظلّ
الثعلب يلف بالقرية من خُمْ لَخُمْ، ومن حاكورة لحاكورة، وكل ما يلاكي
صوص ولاّ ديك بسواش ملات ذانو بْزاكَه، يسألُه مين الزعيم فيكو، ويقول له
أنا. لَحَد ما تعب من اللّف، وْعِرف نقطة الضعف، ومن وين ىْخَرْدِق الصف.
وهمس بينُه وبين حالو: بدي أقُص لِحيتي إذا عُمرو بيصير فيكو خير أو
بيطلع من أمِركو شيء،ما دام كلكم الحافظ الله، شيوخ وزُعما معناتو أنا
بألف خير ولازم أنام ليلي الطويل. هو أنا أخبر من الله اللي مْصَلِّطني
عليكو، لولاكو بتستاهلوا ما بيصير فيكو كل هالبلاوي، اللي من إيديو الله
يزيدو.
ومن يومها
تابع الثعلب غاراته الساحقة عالِخْمام وِلْحواكير، وما في حدا بيوقف
بْوِجْهُه غير اللي خالص عُمْرو، والباقي بِيْفِرّوا مرعوبين وانكسروا عن
باديات الليالي وما قامت إلهُم قايمة من يومها. وصدق فيهم المثل إللي
بيقول "إنْ كِثِرْ الشيوخ في قوم ضاعوا".