على
عتبات تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة..
قبل أن تتحول الفصائل المجهرية الى مجرد تاريخ.. |
شاكر الجوهري-
21/3/2006
لا يجوز الإستهانة والتقليل من شأن امتناع جميع الكتل النيابية في
المجلس التشريعي عن الإئتلاف مع حركة "حماس" في الحكومة المكلف
بتشكيلها اسماعيل هنية, كما أنه لا يجوز المبالغة في تقدير حجم هذه
المقاطعة وأبعادها.
قبل كل شيء, وبعد كل شيء, تظل حركة "حماس" وحلفائها من المستقلين, تمثل
78 مقعدا من أصل 132 مقعدا يتشكل منها المجلس التشريعي الفلسطيني.
وتحتاج حكومتها من أجل الحصول على ثقة المجلس إلى اغلبية النصف زائد
واحد من أصل الحضور الذي يشكل نصابا قانونيا لانعقاد المجلس. وفي حال
حضور جميع الأعضاء, وهذا محال لوجود 14 أسيرا من بينهم, فإن الثقة
الإفتراضية تحتاج إلى فقط 67 صوتا.
مجموع الفصائل الأخرى لديها فقط 54 مقعدا (45 فتح, 3 الشعبية, 2
البديل, 2 الطريق الثالث, 2 فلسطين).
باستثناء "فتح", وليعذرنا الأصدقاء في عموم الفصائل الأخرى, فإنها غدت
تنظيمات مجهرية. ومرد ذلك ثلاثة عوامل رئيسة:
الأول: عدم امتلاك معظم هذه الفصائل لبرامج نضالية واضحة. ومن يملك
منهم البرنامج مثل الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وفدا, لا يملك
آليات العمل الكفيلة بتطبيق البرنامج.
الثاني: استمراء هذه الفصائل التبعية لحركة "فتح", سواء قادها ياسر
عرفات, أو نقيضه محمود عباس.
الثالث: استئثار "فتح" بأموال حكومة السلطة خلال السنوات الماضية,
واستئثار "حماس" بمعظم الدعم العربي والإسلامي الشعبي والرسمي, الذي
يوجه للقضية الفلسطينية خارج موازنة السلطة.. ما أدى إلى استمرار وجود
الفصائل المجهرية بفضل الفتات الذي يأتيها من السلطة عبر حكومة "فتح"
ورئيس السلطة.. بل إن موازنات هذه الفصائل تدفع مباشرة من مخصصات رئيس
السلطة.
هكذا كان الحال في زمن عرفات, وهكذا هو في زمن عباس.
امتناع جميع الكتل النيابية عن المشاركة في حكومة "حماس" من شأنه اظهار
حالة من العزلة الوطنية مفروضة على حركة المقاومة الإسلامية,
وحكومتها.. لكنها عزلة كاذبة تنفيها الأرقام, وأحجام الكتل النيابية
كما بيناها. وتنفيها كذلك نتائج استطلاعات الرأي, التي تؤكد آخرها الذي
أجراه المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات المسحية أن 70 بالمئة من
الفلسطينيين يتوقعون نجاح حكومة "حماس", وأن نسبة مؤيدي "حماس", بمجرد
تأكد الرأي العام الفلسطيني من انتهاء ولاية حكومة "فتح" قد ارتفع من
39 إلى 47 بالمئة.
لماذا قاطعت هذه الكتل حكومة "حماس", ولم تتجاوب مع نداءات المشاركة
التي اطلقتها الحركة الإسلامية منذ اللحظات الأولى لإعلان نتائج
الإنتخابات..؟
أعلنت "فتح" على ألسنة رموز بارزة فيها منذ اعلان نتائج الإنتخابات
أنها لن تشارك في حكومة تقودها "حماس", واعتبر محمد دحلان وزير الشؤون
المدنية, المسؤول عن ملف التنسيق المدني مع اسرائيل, أنه من العار على
"فتح" ان تشارك في حكومة تقودها "حماس".
احسان النية يفسر موقف دحلان المتشنج في المكابرة, والإصرار على أن
تستعيد "فتح" الحكومة من "حماس". وفي هذا السياق تكثر التوقعات بشأن
سعي محمود عباس رئيس السلطة لإجراء انتخابات مبكرة لا يجيزها القانون
الأساسي الفلسطيني, ويمكن تبرير اللجوء إليها ومخالفة القانون الأساسي
فقط عبر افتعال أزمة سياسية كبرى..!
لاحقا, أعلن عزام الأحمد رئيس كتلة "فتح" رفض المشاركة في حكومة "حماس"
بسبب رفض حركة المقاومة الإسلامية الإعتراف بإسرائيل, وبوثيقة
الإستقلال الفلسطيني.
أغرب ما في هذين الشرطين هو اصرار "فتح" على وقوع, أو ايقاع "حماس" في
ذات الشرك الذي سبق لها الوقوع فيه: الإعتراف بإسرائيل, وهو كل ما
تريده اسرائيل من الجانب الفلسطيني, دون أن تقدم هذه الإسرائيل شيئا.
ويأتي اصرار "فتح" على هذا الموقف, في وقت يزداد فيه عدد الأحزاب
الإسرائيلية التي تجاهر بشعار "السلام مقابل السلام"..! وترجمته
العملية على أرض الواقع هو السلام لإسرائيل مقابل فقط عدم الموت
للفلسطينيين..!
إنه شعار مذلّ تماما كما هي صورة رجال الأمن الفلسطيني (فتحاويين) التي
أصرت اسرائيل على تعريتهم من ملابسهم أمام شاشات التلفزة لدى اقتحام
سجن أريحا, دون أن يشفع لهم اصرار قادتهم على اعتراف "حماس"
بإسرائيل..!!
وثيقة الإستقلال الفلسطيني الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورة
الجزائر/1988, بدهي أن ترفض "حماس" الإعتراف بها لسببين اولهما أن تلك
الوثيقة مثلت أولى خطوات الإعتراف الفلسطيني بإسرائيل, ما دامت "حماس"
تبدي استعدادها للإعتراف بإسرائيل في حالة اعترافها بحقوق الشعب
الفلسطيني, لا بمنظمة التحرير كما حدث في اتفاق اوسلو..! ثم إن تلك
الوثيقة صدرت عن المجلس الوطني الفلسطيني, باعتبار منظمة التحرير
الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وهذه مسألة أخرى أثارتها فصائل أخرى تريد من "حماس" غير العضو حتى الآن
في منظمة التحرير الفلسطينية, الإعتراف بالمنظمة ممثلا شرعيا وحيدا
للشعب الفلسطيني.. أي أن تتخلى "حماس" عن تمثيلها للشعب الفلسطيني الذي
منحها غالبية مقاعد المجلس التشريعي..!!!
هذا المنطق كانت الجبهة الشعبية المبادرة قبل غيرها إلى طرحه.
الغريب أن البيان السياسي الصادر عن اللجنة المركزية العامة للجبهة
الشعبية, وقبل أن يعلن الإعتذار عن المشاركة في الحكومة التي ستشكلها
"حماس", يعلن أن
اختطاف اسرائيل لأمينها العام أحمد سعدات من سجن اريحا "بات يتطلب
اعادة النظر الجذرية بكل الإلتزامات والإتفاقات التي وقعتها السلطة
الفلسطينية مع الإحتلال الصهيوني واوهام الرهان على قوى دولية متواطئة
مع اسرائيل, خاصة لاتفاقات لم يعد لاستمرارها أي معنى أو مبرر أو رادع
في حماية شعبنا من الإحتلال الصهيوني البغيض".
كما وتعلن اللجنة المركزية أن نتائج الإنتخابات التشريعية "أكدت خيار
الشعب الفلسطيني في التمسك بثوابته الوطنية وخياره في نهج المقاومة
والإنتفاضة".
لماذا مقاطعة الحكومة إذا..؟
يقول البيان إن الجبهة اتخذت قرارها هذا "على أساس استمرار السعي
المتواصل والحثيث من أجل تجميع كافة القوى الوطنية والإسلامية, وبناء
الوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة على أساس برنامج قواسم مشترك"..
الخ.. واستمرار الحوار الجاد والمسؤول مع الإخوة في حركة "حماس" حول
منظمة التحرير واعادة بنائها على أسس ديمقراطية (ما يعني غياب هذه
الأسس الآن) باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني".. الخ..
ثم تؤكد الجبهة تمسكها بخيار المقاومة نهجا وممارسة.
لكن هذا الإلتقاء النظري مع "حماس" لا يتعارض مع الإلتقاء العملي مع
"فتح", ما دامت الجبهة تدين واقع منظمة التحرير, وترفض الإقدام على أي
خطوة لإصلاح هذا الواقع لا تصدر عن محمود عباس, وكأنها تريد أن تؤكد أن
فاقد الشيء يعطيه..!!
الشعبية والديمقراطية وفدا وحزب الشعب يدركون أن عباس و"فتح", وقبلهما
عرفات, هم الذين عطلوا ويعطلون تفعيل منظمة التحرير لصالح حسابات فردية
أو تنظيمية ضيقة. ومع ذلك تصر هذه الفصائل على اقرار "حماس" من خارج
منظمة التحرير, على أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني..!
المسألة لا تتصل باعتراف المجتمع الدولي بمنظمة التحرير, ذلك أن السلطة
الفلسطينية رضخت منذ زمن لإملاءات اميركا واوروبا, وقبلت أن تتعامل
معها مباشرة, ومن وراء ظهر منظمة التحرير, التي لم تعد (في هذه الحالة
على الأقل) ممثلا شرعيا وحيدا, لكنهم يتمسكون بوحدانية التمثيل فقط حين
يراد نزع الصفة التمثيلية عن الذين يختلفون في الرأي والموقف مع "فتح"
ومصالحها، ومصالح الفصائل المسنفيدة منها..!
أما بيان الإعلام المركزي في الجبهة الديمقراطية, فقد حاول أن يتذاكى
على نحو غير ملموس في بيان اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية. فهو
لا يعلن مقاطعة الحكومة الجديدة, ولكنه يعتبر بدلا من ذلك أن تقديم
الأسماء المقترحة لوزراء الحكومة إلى عباس, تمهيدا لعرضها على المجلس
التشريعي "يكرس نهجا يقع في امتداد تقليد حكومات اللون السياسي الواحد
على قاعدة البرنامج السياسي الخاص للجهة التي تشكل هذه الحكومة".
أي أن الجبهة الديمقراطية تريد من "حماس" أن تشكل حكومتها على قاعدة
البرنامج السياسي لمنظمة التحرير, التي هي ليست عضوا فيها, كما أنها
بالتالي لم تشارك في صياغة برنامجها, ولم يسبق لها أن أيدته أو تبنته.
ويخلص بيان الديمقراطية إلى "أن الإخوة في "حماس" اختاروا أسلوب
الإنفراد بتشكيل الحكومة قواما وبرنامجا".
وترى الديمقراطية أن المطلوب "كان بالإمكان الإفادة من فترة التكليف
الممتدة حتى 28 آذار/مارس, لمواصلة الحوار مع مختلف القوى السياسية
للتوصل إلى حكومة ائتلاف وطني تستند إلى برنامج سياسي يمثل القاسم
الوطني المشترك".
بلغة أكثر وضوحا, تريد الجبهة الديمقراطية من "حماس" أن تعطي فرصة
لحكومة "فتح" كي تمثل فلسطين في قمة الخرطوم المقبلة (28 الجاري),
وتواصل طرح البرنامج السياسي الذي اقترحته الجبهة الديمقراطية عام
1973, وتبناه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974, وشكل قاعدة الإنطلاق
في صياغة وثيقة الإستقلال سنة 1988, وأدارت اسرائيل له قفاها في كل
حين..!!
مثل هذه المطالب لم يكن ممكنا أن توافق "حماس" عليها, لأنها انتخبت
أساسا على قاعدة برنامج بديل. ولا غرو, فإن الجبهة الديمقراطية نفسها
خاضت انتخابات المجلس التشريعي باسم قائمة البديل. كما أن "حماس" تريد
أن تشارك في قمة الخرطوم باعتبارها الحكومة التي تحظى بثقة الشعب
الفلسطيني وممثليه.
وإلى جانب كل ذلك, فإن وجود "حماس" جراء مناورات قيادة "فتح", خارج
منظمة التحرير الفلسطينية, ينفي عن المنظمة صفة الممثل الشرعي والوحيد.
وفي هذا ليس أفضل من الإستشهاد بنايف حواتمة أمين عام الجبهة الشعبية.
فالرجل الذي نحترم ونجلّ, بعد أن ينتقد في لقاء مع عدد من الصحفيين,
واقع منظمة التحرير الفلسطينية, ويبين عدم شرعية مجلسيها الوطني
والمركزي, يتفق مع فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"
في الطعن بشرعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ويعتبرها مشلولة.
يقول حواتمة, وبالحرف الواحد, وفقا للنص الذي وزعه اعلام الجبهة
الديمقراطية: "في الحالة الراهنة التي تعيشها اللجنة التنفيذية, فإن
أكثر من ثلث عضويتها, من مجموعها البالغ ثمانية عشر يعتبر شاغرا
بالإستشهاد (الوفاة), أو الإعتقال, أو تجميد العضوية, أو التغيب. وهذا
يقتضي, كما ينص النظام, على ضرورة المبادرة الفورية لتشكيل المجلس
الوطني, مقدمة لانتخاب وإعادة تشكيل لجنة تنفيذية
جديدة, واعادة احياء وتفعيل دوائرها, توزيع مسؤولياتها, وضبط
وتنظيم اجتماعاتها, أي استعادة دورها المرجعي على صعيد الجانب السياسي
والإختصاصي".
ويضيف حواتمة "وهكذا, فإن حال اللجنة التنفيذية للمنظمة, وهي أعلى هيئة
قيادية سياسية للشعب الفلسطيني, هو انعكاس لحال المجلس الوطني, فهي لم
يجر تجديد انتخابها منذ عشر سنوات, فمن بين اعضائها الثمانية عشر, هناك
أربعة استشهدوا (لم يعودوا على قيد الحياة), وأحد الأعضاء معتقل في
سجون الإحتلال, وبعض الأعضاء ترك أو جمّد عضويته, والبعض غير متفرغ
لعمله في اللجنة التنفيذية, حيث يمارس مهمات وظيفية خارجها, ولا يقومون
بأية اعمال غير حضور اجماعات اللجنة التنفيذية دون سلطات تقريرية قولا
عملا. بدلا من معالجة هذا الوضع, جرى تعويمها أكثر, بفتح ابواب
اجتماعاتها لكل من رغب, أو تواجد في مبنى الإجتماع من ممثلي فصائل, أو
وزراء في السلطة, أو اعضاء في المجلس التشريعي, بل وحتى بعض موظفي
المقر, لدرجة أن اجتماعاتها باتت أقل انضباطا ونظاما من اجتماع نقابة
مهنية ما. إن مستقبل النظام السياسي الفلسطيني, وحال المؤسسات
الفلسطينية الكبرى, بالتوازي مع القضية التي تمثلها, هو ما ينبغي
انجازه راهنا من موقع الحرص على الأهداف التي أنشئت من أجلها: العودة
وتقرير المصير, وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
بعد كل ذلك من حق أي كان أن يتساءل: أية لجنة تنفيذية هي التي يريد
عباس منها أن تقر تشكيل الحكومة المنتخبة للشعب الفلسطيني..؟!
ومع هذا, فإن برنامج حكومة "حماس" يفترض أنه يتماهى مع رؤية الجبهتين
الشعبية والديمقراطية لضرورة الإلتزام باتفاق القاهرة الخاص بإعادة
بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.. إذ تقول الفقرة الثامنة من هذا
البرنامج "تؤكد الحكومة على ما تم الإتفاق عليه بين الفصائل الفلسطينية
في حوار القاهرة في آذار/مارس 2005, حول موضوع منظمة التحرير, وتؤكد
على ضرورة الإسراع في تنفيذ الإجراءات اللازمة لذلك".
على الجبهتين الشعبية والديمقراطية قبل غيرهما, أن تسارعا الى عملية
تصالح ما بين رؤاهما النظرية, ومواقفهما العملية. فلئن أدى الإفتراق في
السابق الى تحولهما الى فصيلين مجهريين, فإن الإستمرار في هذه السياسة
التي تنقصها الحكمة والمبادرة من شأنه أن يجعل منهما فقط شيئا من
التاريخ.