نقاش هادئ، مع السيد الرئيس..!


بقلم: حسين حجازي
جريدة الأيام الفلسطينية 29/4/2006

ليس لدي ادنى شك في ان رئيسنا ابو مازن، هو رجل مستقيم، ولطالما عبرت هنا عن التقدير الخالص للرجل، باعتباره آخر الابوات المحترمين، أمد الله في عمره، وقد ذهبت الى ابعد من ذلك، وقلت انه رجل سياسي من طينة أخرى، مزاجه مزاج رجل فنان، اكثر منه لاعباً سياسياً، يحب الالاعيب، ولعل في هذه الطباع تكمن فضائله.
ولكن لأن السياسة حتى يتحقق حلم "الجمهورية الفاضلة" او يتحول الناس الى ملائكة تقتضي هذا القدر من شغف اللعب والمخاطرة، الدهاء والمخاتلة، المزاوجة بين مكر الثعلب، الثعابين، ولسعات العقارب، فان البراءة، لا محل لها هنا في الاعراب. كما لم يتحقق ابد الدهر. حلم افلاطون العذري، ان يكون الحكام من الفلاسفة. وانما من ذوي الطبائع الجليدية الصلبة والقاسية.
انني مدرك يا سيدي الرئيس، انك رجل عاقل، ومستقيم، ولكن لهذا السبب ببساطة، فان من كانت لهم فضائلك، ويتبوأون موقفك، فانهم يكونون معرضين لارتكاب الخطأ اكثر.
ولقد دعوتنا، نحن الذين مهمتنا مراقبة افعالكم، قبل اشهر الى مكتبكم، وطلبت منا بتواضعكم الكريم، ان لا نتردد في انتقادكم، وهاأنذا، بعد تقديم واجب الاحترام لمقامكم الرفيع، وشخصكم، استميحكم العذر لممارسة واجبي.
1- يا سيدي الرئيس، أولاً، ما كان يجب اعلان تصديقكم الأمر، الذي يعرف الجميع انه غير صحيح حول مؤامرة مجموعة من " حماس" في الاردن .

فهل يريدنا احد ان نقتنع بأن حماس باتت تتبنى المقاربة التقليدية القديمة، التي تجاوزتها حركة المقاومة الفلسطينية ككل، باعادة احياء "قاعدة هانوي"، لانطلاق حرب التحرير الشعبية، من خارج الاراضي الفلسطينية، اذا كانت هذه القاعدة، خاصية حرب التحرير الشعبية، اصبحت منذ أكثر من عقد، وهذا بفضلكم سيدي الرئيس بوصفكم مهندسي اتفاقية اوسلو، في غزة ورام الله؟
قال محمد حسنين هيكل في ملاحظة ألمعية، قبل أيام، انه يعتقد أن حكومة حماس ان فشلت، فبسبب براءتها، وانه يخشى عليها من براءتها. هل يقول لي أحد، ان حماس تمتلك هذا الحس التآمري، الخطير والمذهل، بأن تجد حلاً لحصارها بضربة واحدة، من خلال استغلال قوة الحركة الاسلامية، للعمل ضد النظام في الاردن ، وبالتالي، تطويق اسرائيل عبر ذراعي كماشة، واسقاطها أخيراً0
تقديري الشخصي، وتحليلي لواقع هذه الحركة، ان هذا ليس في وارد تفكيرهم، لأن مثل هذه الافكار الخطيرة، هي غريزة فطرية، لقادة يحبون اللعب والمخاطرة. يمكن ان يلعبوا بهذه الطريقة، او يمارسوا مثل هذه الاستراتيجيات الكبيرة.
لكن لا يعني هذا ان حماس تفتقد لأية استراتيجية، او ان استراتيجيتها خاطئة، بل على العكس، انها تمارس استراتيجية صحيحة، في استخدام قوتها، حين حصرت منذ البداية، جهدها، في مقاومة اسرائيل في ميدانها، فهنا، وبعد الضربة اللامعة، لاتفاقية اوسلو، ونجاح عرفات في اقامة اول سلطة وطنية فلسطينية على الارض، حدث الاختراق الاستراتيجي الاكبر، منذ العام 8491، في تحول وجهة النزاع، الذي أفضى بعد عشر سنوات، الى انهيار الاستراتيجية الاسرائيلية بإدامة لاحتلال، أو الابقاء على الخطوط القديمة للاشتباك.
وكانت الحلقة الاولى، في الانسحاب من غزة، والثانية الآن، في خطة "الانطواء"، التي تعني في التخطيط الاستراتيجي، الانكماش، والضمور، و"التصفية الجزئية" للاحتلال، كبديل عن الافلاس النهائي.
2- اما الخطأ الثاني، فهو تكراركم سيدي الرئيس، في ظل الوضع الخاص الذي نمر به، الاعلان عن قدرتكم على حل الحكومة، ولكنكم لا تريدون استخدام هذا الحق، نعم يا سيدي الرئيس من الناحية الدستورية تستطيعون. ولكن من الناحية الواقعية والعملية، فان هذا هو من قبيل الخطأ، والمستحيل، لماذا؟
لانك تعرف، ونحن نعرف، ان هذه الحكومة لم يعينها أحد، هذه هي الحكومة الأولى في الشرق الاوسط، التي لم يعينها أحد، وانما جاءت بصناديق الانتخاب، وهل تظن ان حكومة حماس، ولم تكد تصل الى هذا الفوز "اللذة الكبرى" بتعبير لينين، وتشعر بمعنى السلطة التي هي القوة، والقوة تعني السحر، ولا بد انكم اختبرتم ذلك يا سيدي بوصولكم الى قمة هذه السلطة، وتعرفون ما هي السلطة. فهل يمكن لأحد ان يتنازل بطيب خاطر، عما وصل اليه، اذا كان يستطيع ان يقنع نفسه مع ذلك، بأن هذا انما هو "تكليف إلهي "، ويتنازلون لمن؟
وإذاً، لما كنا لا نملك القدرة، ولا الترف، لاجراء الانتخابات كل يوم، فان البديل عن الحكومة الحالية، او حلها، هو الدخول في "الفوضى الخلاقة"، الفوضى الخلاقة، وفق نظرية المحافظين الجدد، التي تعني تدمير مفهوم الدولة، السلطة، والذهاب الى الحروب الاهلية، أي نجاح النظرية التخريبية والتدميرية، فهل أحد يريد ذلك؟
انا اقول لكم، وقلت ذلك سابقاً، لا يوجد بديل اليوم عن السلطة القائمة، سوى انجاح هذه السلطة، وعدم التسبب بافشالها، ويجب علينا ألا نخطئ هذا الخطأ الاستراتيجي، فلو تحالف كل العالم من الخارج ضدنا، وهو غير متحالف بالمناسبة، فان هذا لا يضرنا بشيء، ما يضرنا هو انقسامنا، وتحالف بعضنا ضد بعضنا.
العالم، حين يجد اننا على قلب رجل واحد، وأياً يكن هذا الرجل، لا يستطيع ايذاءنا بشيء، سوف يتراجعون، ويعودون الى صوابهم، ويقبلون ما نقبل به، اما اذا اظهرنا اننا غير موحدين، فان هذه هي الوصفة النموذجية، لاصطياد الآخرين لنا، اذا كنا نقبل ان نعكر لهم مياهنا.
وهنا يكون بمقدور اي كان دق الاسافين: اسفين بين الرئيس والحكومة، اسفين بين حماس وفتح، اسفين بين الحكومة والعالم، اسفين بين الضفة الغربية وغزة، كما هي خطة اولمرت، في العزل بين حكومة حماس في غزة، و"فتح لاند" في اجزاء من الضفة...الخ.

3- اما الخطأ الثالث، ويجب ان نقول ذلك صراحة، فهو سماحكما، سيدي الرئيس، وحكومتكم، لتلك الفئة، من امراء السوء، الفئة الضالة، التي تريد ان تضلنا جميعاً، ان تتسلل ما بين الشقوق لتسميم العلاقة بينكما.
فانتم سيدي الرئيس تقدرون رئيس حكومتكم، هذا القائد المخلص الذي يرى فيه الكثيرون من شعبك، انه يمتلك مزايا ومواصفات القيادة، كقائد وطني فلسطيني أكثر منه قائداً في حماس، ورئيس الوزارة بدوره، لا يفوت فرصة، دون ان يعبر عن تقديره لكم واحترامه. فعلى ماذا اذاً الخلاف؟
لا خلاف بينكما يا ابو مازن، الا ما يريده الاشرار لكما، وانت تعرف انهم لم يرضوا عنك، ولن يرضوا عنك، إلا إذا سرت وفق مشيئتهم، بأن تكون انت الجدار، المتراس، الذي يختبئون خلفه، لكي تبدو مناوراتهم ، كما لو انها ترتدي لباس الشرعية، وهذا يوصلنا الى الخطأ الرابع.
4- اما الخطأ الرابع، فهو في الادارة السياسية، للتوفيق بين دوريكما، والتكامل بينكما.
وانا هنا اقول، اذا كان من المسلم به لاسباب ومبررات، وظروف قاهرة، جميعنا يعلمها، عدم تسليم المعبر الحدودي للحكومة. نقبل به، والحكومة قبلت بذلك، فلماذا نرفض الخطة الامنية التي وضعها وزير الداخلية الأخ سعيد صيام لوضع حد للفوضى والفلتان الامني؟
بأية حجة، او ذريعة، يمكننا ان نرفض هذه الخطة؟ اذا كان المحك الحقيقي، لجدارتها، فائدتها، منفعتها، هو في قدرتها على ان تشكل جواباً على المعضلة الامنية المزمنة، والفوضى الامنية، التي ارهبت الناس والعباد؟
هل بحجة الشرعية الدستورية؟ والقانون؟ حسناً، ولكن ماذا نفعل اذا كانت القوانين تحتاج الى هذا الملح الذي يحتاجه السمك، لاصلاحها؟ كجواب عما افسده الدهر، في عدم قدرة القانون على فرض هيبته كقانون؟ هل نعبد القانون كصنم، لأجل القانون، ام نجرب خطة مبتكرة، لكي نفرض احترام هذا القانون وهيبته؟
ثم من قال لنا، اننا نمشي على هذه القدم الواحدة، في حكومة السلطة الوطنية، التي هي حكومة فريدة من نوعها، مزيج من الحكومة الثورية المؤقتة، والحكومة الدستورية، وفي هذا التزاوج بين الشرعية الدولانية، والشرعية الثورية، الحكومة والسلطة المنبثقة عن اتفاقية اوسلو، وحكومة شعب الجبارين، ويا جبل ما يهزك ريح.
هل نسيتم ذلك؟ وهل أحد يجرد المقاومة الفلسطينية وفصائلها، من الشرعية؟ واذا كانت الحكومة لا تستطيع ان تحفظ الامن بشرعيتها الدستورية، فلماذا لا يكون من حقها ان تحفظ هذه الهيبة، والامن، بشرعيتها الثورية كحكومة في زمن الحرب، وتواجه الحصار، وهي فوق كل ذلك، لم تخفِ حقيقتها، باعتبارها برنامج مقاومة.

ونحن نقول، لنعطِ هذه الحكومة الفرصة، هناك الآن بندقيتان: البندقية الشرعية، وبندقية المقاومة، وحسناً فعلت الحكومة، تحويل دور هذه الاخيرة، لحفظ الأمن، ووضع حد للفوضى، فهذا هو اليوم عنوان المقاومة. وهو أكثر جدوى من اطلاق الصواريخ.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع