نصر الهزيمة

د. فايز صلاح أبو شمالة

ذات يوم سيصنع اليهود لشارون أكبر تمثال في إسرائيل، وسيكتب المؤرخون اليهود على يمين التمثال: هذا هو أرئيل شارون نبي إسرائيل الذي نزل عليه ملاك من السماء، أوحى إليه بخطة الفصل عن غزة، كمخرج من مستنقع الدم الذي غرق فيه اليهود، ذلك سيكون بعد حين عندما يدرك المتطرفون المتشددون المتدينون اليهود أن شارون قد نجح في تقديم أثمن هدية إليهم؛ هدية لا تقل بانعكاسها الإيجابي على مستقبل اليهود عن هدية ديفيد بن غوريون وهو يعلن قيام دولة إسرائيل سنة 1948، على جزء من أرض (إسرائيل) وفي كلا الحالتين فالضحية هم الفلسطينيون، والدم الذي يسيل هو دم الأرض العربية في فلسطين.

إن ملخص خطة شارون للفصل عن غزة يقوم على التخلي الجزئي عن 1.4%  فقط من أرض فلسطين، في مقابل تحييد 1،4مليون فلسطيني في قطاع غزة، وفصلهم عن مشاركة إخوانهم في الضفة الغربية، والقدس مقاومتهم للاحتلال، ومنعهم من التصدي لمصادرة ما ظل من أرض لم يسيطر عليها المستوطنون بعد، ومنعهم من الحلم بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي طردوا منها، فهل هناك أرخص من هذا الثمن الذي يدفعه سياسي مقابل ذاك المكسب الاستراتيجي الذي يحققه شعب!!.

لقد نجحت إسرائيل سابقاً في تجزئة الصراع مع العرب، وتم تقسيم العرب إلى دول لا حدود لها مع إسرائيل، ودول الطوق التي صارت فيما بعد دول الجوار، وما بينهما من دول الصمود والتصدي، وغير ذلك من المسميات التي لم تكن عفوية، وإنما إيحاء بالمستقبل السياسي للمنطقة، وقد تعمدت إسرائيل في تاريخها الحديث الرد بقوة وعنف على كل هجوم تتعرض له من دول الطوق، إلى أن انتشرت مقولة: المقاومة من داخل الأراضي المحتلة، وصارت السلامة العامة تقضي أن تخرج من أرض المعركة كل الدول العربية المحيطة بإسرائيل، بعد أن خرج من الحرب كل من هو بعيد عن حدودها من دول العرب.

  تعززت مقولة: المقاومة من داخل الأراضي المحتلة منذ طرد آرئيل شارون المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982، ومنذ ذلك التاريخ تم تحييد آخر الفلسطينيين في الشتات من المشاركة في الصراع، واقتصر الواجب العربي على دعم المقاومة الفلسطينية من داخل الأراضي المحتلة، إلى أن تم التوقيع على اتفاقية أوسلو، وتجسيد الفصل بشكل عملي بين فلسطينيي الشتات، وفلسطينيي الأراضي المحتلة، وهو ما اعتبر في حينه نصراً كبيراً للمخطط الإسرائيلي الهادف إلى الاستفراد بالحل مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

لقد نجحت إسرائيل في تقنين الصراع التاريخي الإيديولوجي والمصيري بين مصالح  العرب وإسرائيل إلى نزاع على أراض بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالتالي صار خارجاً عن القانون كل فلسطيني في الشتات يظن أن من حقه مقاومة دولة إسرائيل، وأن أرضه وأرض جدوده هناك في فلسطين، بل صار مخلاً بالأمن العام للدولة العربية التي يقيم فيها، ومتنكراً لواجب الضيافة أو الإقامة، الذي يقضي أن يحترم سلامة وأمن الدولة التي ارتضته على ترابها، لأن مكان المقاومة الصحيح هو هناك، في إشارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لقد ظل العرب الفلسطينيون لفترة من الزمن، ـ وعلى رأسهم القيادة السياسية التاريخية الراهنة ـ يلومون الدول العربية على عدم سماحها للفلسطينيين المقيمين على ترابها من المشاركة في مقاومة إسرائيل، بل لقد حملت القيادة الفلسطينية مسئولية التوقيع على اتفاقية أوسلو المهينة إلى الدول العربية التي منعت على رجال المقاومة تحرير تراب فلسطين عبر حدودهم الآمنة مع إسرائيل، بل لقد ظل الفلسطينيون يتهمون بعض قادة الدول العربية ـ حتى فترة قريبةـ بالتعامل مع إسرائيل، وخيانة الأمة، والتخلي عن الأمانة؛ لأنهم يمنعون الفلسطينيين من المساهمة في تدمير إسرائيل، ولطالما اتهم الفلسطينيون بعض حكام العرب بأنهم مرتزقة يحافظون على مكاسبهم، وكراسيهم، وحكمهم، ومصالحهم الشخصية، ويضحون بمصالح الأمة التي تستوجب محاربة إسرائيل.

ما أكثر الكلام الفلسطيني الجارح الذي اتهم، وقدح، وشنّع، على بعض ملوك ورؤساء الدول العربية المجاورة، بل ذهب الأمر إلى حد التصفية الجسدية لشخصيات عربية دعت إلى احترام حدود دولهم العربية مع إسرائيل، وعدم الاعتداء على إسرائيل من حدودها.

فهل نجح شارون أخيراً في الفصل بين مصالح الشعب الفلسطيني الواحد في الضفة الغربية وغزة، وتقسيم ما ظل من تراب فلسطين إلى أرض خرج منها الاحتلال، وأخرى ما زال فيها، وعليه يجب أن تقتصر المقاومة على الأرض المحتلة؟

هل نجح شارون في خطة الفصل التي يمارسها الآن في منع مشاركة فلسطيني قطاع غزة إخوانهم فلسطيني الضفة الغربية هموم الاحتلال، والدفاع المشترك عن الأرض؟ هل انتهى المصير المشترك بين قطاع غزة والضفة الغربية؟

هل سيصير المقاوم لإسرائيل من داخل أرض غزة خارج عن القانون، ويمس بالأمن الوطني العام، ومصالح الشعب الباحث عن السلامة؟

هل سيقال من الآن فصاعداً: أن المقامة هناك، في إشارة إلى الضفة الغربية المحتلة؟

لو صح ذلك، بماذا يمكن أن نصف أي مسئول فلسطيني يحرص على سلامة حدود غزة مع إسرائيل، ويمنع على الفلسطينيين مقاومة إسرائيل من داخل أراضي غزة، ويواصل التصريح بأن: المقاومة هناك، في الضفة الغربية المحتلة؟!!!

وبعد؛ إلا يمكن القول: أن شارون نبي إسرائيل، استطاع أن يخرج الدولة العبرية بشكل مشرف من أرض تشتعل باللهب، واستطاع أن ينسل حرير النصر من أشواك الهزيمة؟ أليس هذا هو شارون نفسه الذي استطاع في حرب أكتوبر سنة 1973، أن يحدث ثغرة الدفرسوار على الجبهة المصرية، ويخطف النصر من مستنقع الهزيمة.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع