كفاح مشلّح


رشاد أبو شاور

كاتب وناقد فلسطيني - رئيس اللجنة التحضيرية لتجمع الكتّاب والأدباء الفلسطينيين

  9/28/2005

في فيلم يمجّد المرأة اليهودية (الإسرائيليّة) ، ويروّج لشجاعتها الخارقة التي تتجلّى في قتل العرب ، يرينا الفيلم امرأة يهوديّة تقفز من السرير الذي لم تكن نائمة فيه وحدها ، ولكنها كانت مع شريكها في لحظة حميمة أفسدها عربي (ما) ،  تلك المرأة السوبرمانة تندفع راكضةً وهي بالبكيني الذي بحجم الكّف ، والذي بالكاد يغطّي شعر عانتها ، وهي تتزنّر على اللحم بحزام مكتظ بالرصاص ، وفي يدها رشّاشتها سريعة الطلقات ...

لم نر العرب في اللقطة ، ولكننا رأينا فتنة جسد المرأة العاري الذي لا يحول دون إبراز قدرتها على الانتقال من ذروة المتعة  الجنسية إلى الاندفاع وخوض معركة مع عرب إرهابيين ، الفتك بهم عمليّاً وإعلاميّاً موضوع محبب للجمهور المتحضّر - الأمريكي بدرجة أولاً -  والمحقون بكراهيّة العرب المتوحشين!.

 ستقولون : بروبوغندا ! ..لا بأس ، ولكنه توظيف للجنس في الصراع مع العرب مفسدي المتع واللذات والانبساط ...

إلى مسابقة نسائيّة - لحم نسائي -  في مستوطنة (جيلو) ، تمّ استقطاب فتاتين فلسطينيتين شقيقتين ، وفتاة أرمنيّة فلسطينيّة ، للمشاركة في التنافس مع عدد من الفتيات اليهوديات من ساكنات مستوطنة (جيلو) على تاج ملكة جمال الخّط الأخضر !

حدث هذا يوم الثلاثاء بتاريخ 20/9/2005 ، وفي مدرسة مستوطنة (جيلو) المقامة على أرض (بيت جالا) جارة القدس وإحدى ثلاث بلدات يعرفن بالمثلّث الذهبي : بيت لحم (مهد السيّد المسيح) و(بيت جالا) و(بيت ساحور(

مستعمرة (جيلو) واحدة من مستعمرات أنشئت لنهب المزيد من أرض الفلسطينيين ، ومحاصرة القدس وتدمير عروبتها وإسلاميتها ومسيحيّتها وفقاً لخطّة تهويدها ، ومستوطنوها أذاقوا مواطني بيت جالا مرّ العذاب ، فهم مسلّحون عدوانيون استحوذوا على الأرض بقوّة السلاح ، ولن يكونوا جيراناً طيبين في يوم ما.

بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسيّة : هذه هي المرّة الثانية التي تقام فيها مباراة الجمال ، والتي تشارك فيها فتاتان فلسطينيّتان ، وفتاة أرمنية فلسطينيّة...

منظّم حفل التطبيع الجمالي ، أو التطبيع اللحمي اليهودي الفلسطيني (آزاي) صرّح لوكالة الأنباء الفرنسيّة بأنه فكّر في إقامة نشاطات رياضيّة رجّاليّة ، ولكنه خشي أن تفسّر سياسيّاً ، وهو ما دفعه للجوء للمرأة حيث أن مسابقة الجمال التي عقدت العام الماضي ونجحت لقيت هذا العام معارضة أقّل !.

اللجوء للمرأة ، عنى بالنسبة لآزاي جسد المرأة ، فالجسد واحد ، خّاصة عندما تتّم تعريته !...

واحدة من الـ 17 يهوديّة المشاركات في مباراة  الجمال النسائي مجندّة خلعت ملابسها الخاكي ، وأراحت رشاشتها العوزي جانباً ، وعرضت مفاتنها ، والمفاتن سلاح وأي سلاح ، بخّاصة عندما يكون ضيف الشرف هو رئيس جهاز الموساد السابق (داني ياتوم)!.
ترى :هل يتوب الموسادي الشغوف بمطاردة الفلسطينيين ، وقتلهم ، عن مهنته ؟! وهل يتقاعد رئيس جهاز الجواسيس عن توظيف الجسد النسائي في الصيد والقنص ، في منح الوعود باللذة حتى الموت ؟ !

داني ياتوم قرأ (التوراة) جيداً ، وهو يعرف أن أول جواسيس ورد ذكرهم مع التقدير والتبجيل لما اقترفاه قد جاء في التوراة ، إنهما الجاسوسان اللذان أرسلهما (يوشع بن نون) - إذا ما صدّقنا الحكاية ، وحتى لو لم نصدقها فأصحابها يصدّقونها ويجعلونها ملهمةً لهم - لجمع المعلومات عن مدينة أريحا الكنعانيّة ، وإسقاط امرأة لتتجسس على أهلها : وهي في التوراة (راحاب) ! ...

ماذا قال الجنرال الموسادي لوكالة الصحافة الفرنسيّة في ختام مهرجان العري المختلط : من الصعب اختيار ملكة جمال لأن كل المتسابقات جميلات ، ويتوفّر فيهن الجمال والحضور والشخصيّة ، ويحملن رسائل السلام ، وهذا هو المهم ..رسائل السلام ! أين يحملنها أو يخفينها - لتنفجر - في المرسلة إليهم ؟!

الجنرال صار أستاذ علم جمال بعد أن أتخم بمرأى جثث وأشلاء الفلسطينيين الذين بعث إليهم برسائل السلام  في وسائل مختلفة؟

تحدّث الجنرال ومنظم الحفل (آزاي) عن رسالة السلام التي تبعث بها الأجساد العارية دون أن يذكرا شيئاً عن الأرض التي أقيمت عليها مسابقة الجمال .

المتسابقة الفلسطينيّة كريستين ردّاً على سؤال وكالة الأنباء الفرنسيّة ، حول شعورها وهي تشارك في مباراة جمال في مدرسة مستوطنة (جيلو) المقامة على أرض بلدتها ، أجابت : في البداية شعرنا بالضيق لأنهم صادروا الأرض ، ثمّ اعتدنا على ذلك وأصبحنا مثل الجيران ...

اعتدنا! ..ثمّ أصبحنا مثل الجيران ! ..لا يهم أنهم صادروا الأرض، المهم أن نعتاد! ..التنافس الحضاري بات لحميّاً  ؟ من لحمه أشهى وألّذ وأبهج للعين ؟ !

هكذا يكون الحوار الحضاري مع الآخر ، بل ويمكن أن يذهب إلى ما هو أعمق ! ...

خبيرة الجمال اليهودية كلير شكت من صعوبة استدراج فتيات فلسطينيّات من (بيت جالا): كان من الصعب جداً إقناع فتيات من بيت جالا للاشتراك في المسابقة ، لكننا تمكنّا في النهاية من دعوة ثلاث فتيات .

آزاي صاحب فكرة المسابقة صرّح بأن هدفه منها إراحة وإسعاد سكّان مستوطنة (جيلو) الذين عانوا من الانتفاضة ! ...آزاي يهجو الانتفاضة ، ويدّعي أن المسابقة بعيدة عن السياسة ، ومنصبه : رئيس جمعيّة المواطن في القدس من أجل السلام !! .

من ينامون والسلاح في أحضانهم ، وأحضانهن ، هم جيران ، ولا بدّ من إمتاعهم والعيش معهم بتسامح وسلام! ...

ولتفعل كل مدينة ، وكل قرية فلسطينيّة ما فعلته بنتا بيت جالا الغريرتان اللتان استدرجتا بجهود فلسطينيين (أوسلويين) لا يستحون ، ولا يرعوون ، ولا يؤرقهم ضمير أو دين.

الفلسطيني السلطوي الذي حضر وشارك بالجلوس على مقربة من الجنرال الموسادي هو شخص اسمه (فضل) - لا أريد أن أكتب اسم عائلته الخليليّة المحترمة -  وصف في خبر وكالة الأنباء الفرنسيّة بأنه عضو مكتب سياسي ، ينتمي لجماعة منشقّة اندفعت مهرولةً وراء سراب أوسلو.

فضل هذا انبهر بالجمال اليهودي ، وملأ كرسيّه على مقربة من جنرال الموساد ، وتباهى كأسلوي صغير بجهده في جلب وتسويق اللحم الفلسطيني ليستمتع مستوطنو جيلو ..

لقد انتقل فضل وما يمثّله من الحّض على الكفاح المسلّح لتحرير فلسطين إلى الكفاح المشلّح ، وما يمنحه من حياة دعة وانبساط وراحة بال ، وبلا كفاح مسلّح ووجع رأس !.

لحمنا في مدن ومخيمات غزّة يتناثر ممزقاً ، وأرضنا تنهب ، و..الأسلويون يمعنون في التعري ، وتشليح بنات شعبنا لينالوا رضى عدو جعل من جسد المرأة وسيلة إسقاط ، وكمائن موت .. أم نسيتم اغتيال (إستر) لأبي حسن سلامه ، وإشراف فتاة على تنفيذ اغتيال أبي جهاد ؟! أساساً أنتم نسيتم قائدكم وصاحب الفضل والنعمة عليكم (عرفات)، وما عدتم تسألون كيف قتل ؟!

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع