نهج االسلطه الفلسطينيه والعواقب الوخيمه على القضيه الفلسطينيه!

                                                                         بقلم: د.شكري الهزَّيل

منذ اتفاقية اوسلو وحتى يومنا هذا جرت كثير من المتغيرات على الواقع السياسي الفلسطيني، وخاصة في مجال المصطلحات والتسميات السياسية اللتي اخذت بالتبلور وفَرَضت نفسها [او فُرِضت] على الساحة السياسية والإعلامية منذ ذلك التاريخ، وهي في كثير من الأحيان مصطلَحات ومفاهيم تعبر عن واقع او برنامج سياسي  يُطْرَح للتداول الاعلامي لِخدمة نهج فلسطيني مُعين بشكل خاص او كإعلام مُضاد لِما يَطرحه الاعلام الاسرائيلي والعالمي [المُوالي لاسرائيل] من حجج تَهدف الى تَميييع اوحتى تَزييف الواقع والتاريخ الفلسطيني، ولكن ما جرى بعد اوسلو هو ان الاعلام الاسرائيلي والى حد كبير الاعلام الفلسطيني والعربي الرسمي قد تَناسى عَمدا وقصدا التاريخ الفلسطيني قبل اوسلو و َدأ يُعطِي صورة مُزيفه عن الواقع والتاريخ الفلسطيني مع ألإيحاء بان لُب وجذور القضية الفلسطينية ينحصر في تاريخ ومسميات ما بعد أوسلو. وللمثال لا للحصر بدأ وما زال الاعلام يتناول مصطلح "السلطه ومناطق السلطه الفلسطينيه" دون أن يُحدِد صلاحيات ومساحة مناطق السلطة حتى يومنا هذا ضِمن استراتيجية اعلامية جوهرها إختزال تاريخ القضية الفلسطينية في قالِب جديد ومحدد بين التفاوض على مساحة مناطق وصلاحيات السلطة واعتبار أوسلو كبداية لِتاريخ القضية الفلسطينة والصراع الفلسطيني الاسرائيلي، بمعنى ما هو قبل 1993 وتحديدا عام 1948 وعام 1967 هو تاريخ وواقع اسرائيلي مفروض على الارض ولا علاقه لَه بالقضيه الفلسطينيه، والصراع بتاريخه الجديد ينطلق من مدى تَثبيت اسرائيل لوجودها وتواجدها وضمها لاراضي من مناطق الضفة والقطاع [مناطق متنازع عليها وليست مُحتلة] من جهة، ومن مَدى قُدرة اسرائيل الإعلامية في تَشويه صورة جُذور القضية الفلسطينية من خلال جَعِل الصراع يبدو بين فَريقين على أساس تاريخ عام 1993 ولا علاقه لَه بقيام دولة اسرائيل القائمة كواقع والتي تفاوض على جزء من اراضيها! [في مناطق الضفه والقطاع] بِاعتبار هذا تنازُل "مؤلم" من اجل "السلام" مع الفلسطينيين، من جهه ثانيه.

والسؤال المطروح هو: الى اي مدى ساهم نهج السلطة الفلسطينية العاجزه والفاسدة في دعم اسرائيل في عملية تَشويه الواقع الفلسطيني وتزييف التاريخ الفلسطيني؟؟

بادئ ذي بدء لا بد من القول أن الفلسطينيين الذين وَقَّعوا على اتفاقية اوسلو وشَكلوا فيما بعد السلطة الفلسطينية قد سَلّموا [المعنى سياسيا] على المَعابر الاسرائيلية الاوراق الثُبوتية الاصلية والتاريخية لِميلاد القضيه الفلسطينيه، وإنتحلوا شخصية سياسية جديدة وتاريخ "ميلاد" جديد ومنتحَل للقضية الفلسطينية بِكل مقوماتها ومكوناتها سواء الجغرافية او  الديموغرافية او السياسية او التاريخية، بمعنى أن تاريخ التوقيع على اوسلو كان من وجهة نظر اسرائيلية وامريكية هو التاريخ المعتمد لِبداية التفاوض على حل القضية الفلسطينية إنطلاقا من المُعطيات الاسرائيلية على الارض في عام 1993، وما بعد هذا التاريخ، وليس بأي حال من الاحوال من منطلق المعطيات التاريخية لِعام 1948 او عام 1967 او حتى ما يسمى بقرارات الشرعية الدولية، وسواء شاء البعض أم لم يشاء شاركت السلطة الفلسطينية [عمليا وموضوعيا] اسرائيل وامريكا وجهة النظر هذه وانسجمت الى حد بعيد مع ما طرحته وفرضتهُ امريكا واسرائيل من تصورات وافكار سياسية تتعلق بالوضع الديموغرافي والجغرافي في مناطق الضفة والقطاع.

استغلت اسرائيل سياسيا واعلاميا الوضع القانوني والسياسي المهلهل لاوسلو بالترويج "للسلام" كما هو كامن في مخططاتها من خلال تَدجين قيادات السلطة وإقامة علاقات عامة أمنية وتجارية مع الطبقة الفلسطينية الحاكمة يتخللها شكليا مفاوضات على الوضع النهائي واقامة "الدولة" الفلسطينية. وفي المقابل أستمرت اسرائيل في فرض الوقائع على الارض بِتكثيف الاستيطان ومصادرة الاراضي الفلسطينية في الضفه والقطاع، وشق الطرق الالتفافيه، وبِناء حزام استيطاني محكم حول القدس. والحقيقة أن ماجرى كان وما زال دعاية اسرائيلية اعلامية مكثفة عن "السلام" بينما الواقع على الارض كان ترسيخ للإحتلال وتوسيع مبرمج لِحدود دولة اسرائيل من جهة، وتَسلط وسيطرة اسرائيل على السلطة الفلسطينية نفسها التي تَحتاج الى موافقة اسرائيلية في اي نشاط او قرار سياسي او حتى تَحَرُك أعضاءها داخل وخارج مناطق السلطة من جهة ثانية، وبالتالي ما جرى هو أن اسرائيل جَرَّت القيادة الفلسطينية الى ملعب مخططاتها، بتعريف وتأريخ القضية الفلسطينية كما تَشاء، وبسحب القضية الفلسطينية من عُمقها العربي [كانت اوسلو بِمثابة الفرصة الذهبية لِتَخلُص النظام العربي من القضية الفلسطينية وتَحميل المسؤولية والنتائج للفلسطينيين]، وسحب قرارات هيئة الامم المُتعلقة بالقضية الفلسطينية وإحلال مكانها المفاوضات والوساطة الامريكيه وما يتمخض عنها من نتائج بين الطرف الفلسطيني المُجَرَّد سياسيا وبين الطرف الاسرائيلي المدعوم امريكيا. وما جرى في النهاية، وتحديدا بعد عام 1996 هو نهج إعلامي امريكي واسرائيلي مُبرمج ومُتواصِل وهو  "تَحميل السلطه" والفلسطينيين مسؤولية فشل جميع اللقاءات ومُفاوضات "السلام" تحت "الرعايه" الامريكيه من جهة واستمرار اسرائيل وبدعم  امريكي في فرض الوقائع والاستيطان المُكثف في الضفة والقطاع من جهة ثانية. وبالتالي ما جرى أن السلطة الفلسطينية قد خضعت للإبتزاز الاسرائيلي والامريكي واصبح شُغلها الشاغل الحفاظ على بقاء السلطة والحفاظ على مصالح اعضاءها بينما اصبحت القضيه الفلسطينية موضوع ثانوي ضمن برنامج سياسي عقيم ومُتخاذل ويدور في حلقة صراع المصالح والوزارات [التوزير] بين اجنحة السلطة المُرتبطة مصالحها الىحد كبير بِاسرائيل وامريكا وبين اجنحه أقل ارتباطا باسرائيل, ولكن ماهُو انكى أن رئاسة السلطه الفلسطينية ومن اجل ضمان الولاء لها قد مارست وما زالت تُمارس نهج قبلي مُتخلِف يرتكز على حصر المراكز والمناصب السياسية بين ابناء القبيلة والحاشية المُلتفة حول رئيس القبيلة "السلطة" الفلسطينية التي قامت سياسيا بفرض "العُقم" السياسي على الشعب الفلسطيني... كما هو واضح لم يُولد ولن يُولد من بين الشعب الفلسطيني مُفكرين وقيادات جديده سوى ما يدور في فلك السلطة ورئيسها، وكما هو واضح يُكافَئ الوزراء الفلسطينيين الفاسدين والعاجزين وحتى المتواطئين بمراكز اعلى مما كانوا عليه بعد ان يَقُوم رئيس السلطه بإخفائهم عن الانظار لِفتره زمنية ومن ثم يقوم بترقيتهم ارضاءا اونكاية لعضو من اعضاء القبيله الحاكمة!!!

هُنا لا بد من التذكير بورود فقره في اتفاقية اوسلو تَقضي وتنص "بأنه ليس بوسع أي جانب [الفلسطيني والاسرائيلي] إتخاذ مُبادرات تُغير من الوضع القائم في الضفة والقطاع وانتظار نتيجة المفاوضات حول الوضع النهائي"، ولكن ماجرى هُو أن الاستيطان والاستيلاء على الارض في الضفة والقطاع قد بلغ ذروته في الفترة ما بين عام 1993 وعام 1996 وهي الفتره اللتي كان فيها يتسحاق رابين "شريك" الفلسطينيين رئيس وزراء اسرائيل والمُفارقه هُنا لاتَكمُن في موت رابين كـ"شريك في سلام الشُجعان" لا بل المُشاركة الفلسطينية في  التضليل الاعلامي الاسرائيلي والحديث المُفرط عن "الشريك والسلام" بينما الحقيقة هي ان "الشريك\الفقيد" ومن سَبَقهُ وخَلَفهُ في رئاسة الحكومات الاسرائيلية يَتفقون جميعا في الرؤية والاستراتيجية على شكل وفحوى "الحل النهائي" وهذا الحل وارِد بوضوح في النظرية الصهيونية التي طُبقَت وتُطبق حَرفيا من خلال الاستيطان وفرض الوقائع على الارض الفلسطينية مُنذ بداية المشروع الصهيوني وحتى يومنا هذا.. الذي تَغيَر حقا وحقيقة هو المشروع الوطني الفلسطيني وإنعدام الرؤية والاستراتيجية وحتى المرجعية السياسية، وقد شَكََّلَت الإرتجالية والغوغائية في الخطاب الرسمي الفلسطيني بالاضافة لـ"معسكر السلام الفلسطيني"  عامل مُساعد ومُهم في التضليل الاعلامي الاسرائيلي وعملية نُكران وتزييف الواقع الفلسطيني والسؤال المطروح حول إرتجالية وغوغائية العامل المُساعد الفلسطيني في التضليل الاسرائيلي: هل يُعقَّل استمرارية خطاب "ياجبل ما يهزَّك ريح.. وشريكي المرحوم ومُبارك المُبارك" في الوقت الذي لم تَعُد فيه اسرائيل وامريكا تَعترف حتى بوجود شريك فلسطيني للسلام المزعوم؟؟ أين هي حدود ياجبل ما يهزك ريح وحدود الدولة الفلسطينية في ظِل ما هو حاصِل على الارض من ذبح ودمار واستيطان؟؟ لماذا لم تتمكن السلطة من ضبط حتى إيقاع خطاب أعضاءها ووزراءها الخارجين عن سِربَهم او هكذا يَتظاهرون في تَقسيم وتوزيع الادوار؟....بعيدا عن العواطف والتصاقا بالحق والواقع الفلسطيني لا بُد من القول ان الضرر الذي الحقه الفاسدون بالقضية الفلسطينية ضرر كارثي على جميع المستويات واهمها الحق التاريخي الفلسطيني الذي قام الفاسدون والعاجزون بضربه سياسيا واعلاميا الى حَد حصر هذا الحق المُقدس بين فَكي اجنحة مصالح اعضاء سلطة ورئيس سلطة تَحول الى تاجر وزارات وتوزير ووكيل عام لأبشع فساد وعجز سياسي تُعايشه القضية الفلسطينية منذ نَشأتها وحتى يومنا هذا... وللتذكير وللمثال لا للحصر على ما جرى للقضيه الفلسطينيه في ظِل حكم السلطة هو مُحاولة اقتلاع لُب القضية الفلسطينية على يد اعضاء السلطة وبمباركة رئيسها من خلال ما يُسمى مبادرة جنيف [2003] الذي سَيكون لها مُستقبلا عواقب وخيمة على قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية برمتها... وقد اخطأ من ظن ان مُبادرة عبدربه/ بيلين لم تحصل على الضوء الاخضر من قبل رئاسة السلطة الفلسطينيه!!!

هُنا وفي إطار تَقَصِي عواقب نهج سلطة فلسطينية عاجزه نَرى إتسام حُقبة نتنياهو بسقوط القناع الاسرائيلي نِهائيا وتكثيف الدعايه الاسرائيليه ضد اوسلو والسلطه الفلسطينيه وفي المقابل نَدب الفلسطينيون فُقدانهُم لشريكَهم "الراحل" في عملية السلام , ولكن ماحدث في اتفاق واي ريفر بين نتنياهو وعرفات [1998] كان ليست فقط الاعتراف بشرعية الاستيطان الاسرائيلي في الخليل لا بل كان سابقه وبمثابة أرضيه سياسيه لِما يطالب به شارون وبوش اليوم بضرورة اعتراف الفلسطينيين بالواقع والاستيطان الاسرائيلي في الضفه, وبالتالي يبدو التضليل هُنا تَضليل مُزدوج ويندرج في أُطر تَغيير قواعد اللعبه والحل النهائي و ما وَقَّعت عليه اسرائيل والسلطه عام 1993 " بعدم تَغيير الوضع على الارض حتى نتيجة المفاوضات النهائيه",بمعنى أن اسرائيل لم تُغيِر الواقع على الارض فَحسب لابل أنها نَجحت في تَحويل السلطه الفلسطينيه كَشريك في هذا التغيير والتضليل من جهه ونجحت في تحويل قضية الحل النهائي والدوله الفلسطينيه العتيده الى قضيه مَطاطِيه لا يَحكمها سقف زمني ولاسقف جُغرافي وسياسي كما هُو حاصِل اليوم!! وحديث شارون و بوش عن الدوله الفلسطينيه وحتى الحديث الفلسطيني في هذا الشأن ليس دقيقا مع الاخذ بالحسبان ان الدوله الفلسطينيه قد أُعلنت في الجزائر عام 1987 [المؤتمر الوطني الفلسطيني]، وقضية الاعلان بِحد ذاتها ليست المُشكلة: المُشكلة تَكمُن اليوم في شكل وحدود الدولة الفلسطينية ومدى إستعداد الطرف الفلسطيني بِالإنسجام مع المطالب الاسرائيلية والامريكية وعلى رأسها إقتلاع لُب القضيه الفلسطينيه وهو حق العوده للاجئين.. وبالمناسبة استبدال "حق العوده" بـ"الحل العادل" لقضية اللاجئين يَدُل على التضليل الداخلي الفلسطيني الذي تُمارسه السلطة وخير دليل موافقتها الضمنية كما ذُكر اعلاه على مُبادرة جنيف!!

لم يخرج استبدال نتنياهو بباراك عن حيز واطار الدعايه الاسرائيليه التضليليه اللتي ساندها العرب والفلسطينيين بِترويجهم لاكذوبة الفروقات السياسية بين حزب العمل الاسرائيلي برئاسة باراك وحزب الليكود برئاسة نتنياهو، وهذا ما يُفسر الدعم العربي الاقليمي والدعم الفلسطيني لِباراك في حملته الانتخابية 1999التي بَدا فيها العرب وفلسطينيي اوسلو وكأنَهم أعضاء في حزب العمل الاسرائيلي الذي يُعتبر تاريخيا الأب الروحي للمشروع الاستيطاني الاسرائيلي بشكل عام والمشروع الاستيطاني في الضفة والقطاع بشكل خاص وبالتالي كانت النتيجة السياسية المُباشره للعدمية الفلسطينية والعربيه هي أن حزب العمل الاسرائيلي وباراك قد إكتسب مصداقيه عالميه بكونه "حزب السلام" من جهة، وبكونه يختلف في البرنامج السياسي عن حزب الليكود من جهة ثانية، وبالتالي ماجرى اقليميا وعالميا وفلسطينيا هو اعتبار فوز باراك برئاسة الحكومه الاسرائيليه نَصرا "لِمُعسكر" السلام الاسرائيلي الذي يسعى الى تحقيق "السلام العادل" مع الفلسطينيين، بمعنى من هُنا وانطلاقا من هذه النقطه سَيبدُو كل مايطرحه الاسرائيليون على الفلسطينيين كَرَماً وتَنازُلا و"عرضا سَخيا" من اجل السلام وفي المُقابل سَيبدو أي اعتراض فلسطيني على ما تطرحَهُ اسرائيل وامريكا كَعائق لِجهود السلام الاسرائيليه والامريكيه اللتي تَحظى بطبيعة الحال بالدعم الدولي والاقليمي وجَناح لايُستهان بِه من داخل السلطه الفلسطينيه نَفسها!!

 لَم تَُشَكِل زيارة شارون للأقصى [2000] سوى سبب من اسباب كثيره وتراكمات كثيره كان لا بُد لها أجلا ام عاجلا أن تؤدي الى إنفجار الوضع وانطلاق انتفاضة فلسطينية وذلك لسبب بسيط وهو إدراك الشعب الفلسطيني لِحجم الخديعة الكُبرى الكامنه في اتفاقية اوسلو واستمرار وتيرة الاحتلال والاستيلاء والظلم بوتيرة اسرَّع من ماكان عليه الحال قبل اوسلو, ولكن ماجرى بعد انطلاقة الانتفاضه الاقصى 2000  هو أن هذه الانتفاضه تَعرَضت لِتضليل إعلامي مُكثَف, فمن ناحيه حَمَّلت اسرائيل السلطه الفلسطينيه ورئيسها بِالذات المسؤوليه عن إنطلاقة انتفاضة الاقصى وفي المُقابل رَدّت السلطه الفلسطينيه بِجعِل زيارة شارون للأقصى كسبب رئيسي لانطلاق انتفاضة الاقصى, ومن ناحيه ثانيه ينفي الواقع الماساوي الذي كان وما زال يَعيشه الشعب الفلسطيني الإدعاءات التضليليه اللتي روَّّجَت لها اسرائيل والسلطه الفلسطينيه كُل على حِده, بِمعنى ان اسرائيل كانت ستستَمِر في مَشروعها الاستيطاني في ظِل سلطه فلسطينيه عاجزه وصامته وفي المُقابل  تََحمِيل السلطه الفلسطينيه زيارة شارون للأقصى مسؤولية انفجار الغضب الفلسطيني يُوحي بِان الامور كانت قبل هذه الزياره على ما يُرام في "عملية السلام" وهذا غير دقيق وصحيح و يُشكل نوع من انواع التضليل الفلسطيني الداخلي اللتي تَجَلى فيمابعد بوضوح في الموقف السلبي من الانتفاضه التي عَبّر ومازال يُعَبر عَنه جناح لا يُستهان بِه من داخل السلطه الفلسطينيه...كشفت انتفاضة الاقصى مدى عجز وخذلان السلطه الفلسطينيه ومدى ارتباط الكثير من اعضاء السلطه الفلسطينيه بمشاريع تجاريه مُشتركه مع اسرائيل واعتى الصهاينه تَطرُفا واجراما بحق الشعب الفلسطيني, بمعنى واضح وصريج: لقد راى الكثيرون من هُم في السلطه وحول صحنها في اوسلو مدخلا لمشاريع تجاريه وتحقيق مارب ذاتيه ولم يكن هَمهُم الاول القضيه الفلسطينيه والشعب الفلسطيني والدليل النَشاة السريعه بعد اوسلو لطبقه من الاغنياء الفلسطينيين وفي المُقابل تَدهور سريع في الحاله الاقتصاديه لاكثرية الشعب الفلسطيني داخل الضفه والقطاع!!

من الواضح أن الاسرائيليين والامريكان استغلوا مُحادثات كامب ديفيد وفشل هذه المُحادثات في يوليو2001  وتحميل مسؤولية هذا الفشل للفلسطينيين في التغطيه على العدوان الاسرائيلي على المناطق الفلسطينيه وسقوط المئات من الشهداء والجرحى الفلسطينيين في بداية انتفاضة الاقصى, ولكن في المقابل بدا الانفصام واضحا بين نهج وخطاب السلطه الفلسطينيه ودعوتها المُستمره للعوده للمفاوضات و"عملية السلام" وبين مطالب الشعب الفلسطيني المُنتفض والمُقاوم للإحتلال الاسرائيلي, بمعنى أن خطاب السلطه الفلسطينيه المُزدوج وتَرنُحها بين مصالح اعضائها ووزرائها وحِفاظها على مسافه تفصل بينها وبين مطالب الشارع الفلسطيني و عدم الالتصاق بمطالب انتفاضة الاقصى قد سَهَّل على اسرائيل عملية التضليل الاعلامي على ما جرى ويجري للشعب الفلسطيني قبل وبعد انتفاضة الاقصى  وخاصة سياسة القمع واليد الحديديه اللتي تبناها بارااك تحت شعار الدفاع عن النفس ومُحاربة" الارهاب" الفلسطيني في بداية انتفاضة الاقصى واستمر بتطبيقها شارون حتى يومنا هذا في ظل سلطه فلسطينيه عاجزه ومشلوله لا بل أن هذه السلطه ساهمت في اطفاء شُعلة وزخم انتفاضة الاقصى كما ساهمت من قبل في وقف انتفاضة عام 1987  , وكما ساهمت ايضا مُساهمه فَعالَّه في مؤتمر شرم الشيخ لِعام 1996الذي ادرجَ النضال الفلسطيني تحت بند" الارهاب",وبالتالي كان موقف السلطه الفلسطينيه مُنذ بداية انتفاضة الاقصى مُفَصَل على مَقاس مصالح اعضاءها الفاسدين والانتهازيين من جهه ومقاس استرضاء امريكا قبل وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر[ الاداره الامريكيه الحاليه وما سبقها من ادارات كانت دوما معاديه لقضية الشعب الفلسطيني ومُسانده لاسرائيل] من جهه ثانيه , والمُفارقه هنا وقوف اكثرية اجهزة السلطه رسميا موقف الحِياد من مايجري من معارك نضاليه بين الشعب الفلسطيني وجيش الاحتلال الاسرائيلي ومايجرى ويجري من مجازر وهدم ودمار بحق الشعب الفلسطيني ,ناهيك عن اللقاءات الفلسطينيه الاسرائيليه في الوقت اللذي كان فيه الشعب الفلسطيني يتعرض الى ابشع المُمارسات  والمجازر الاسرائيليه!!

لم تتوقف السلطه الفلسطينيه عن لعب دور الحياد والادانه لبعض اشكال النضال الفلسطيني منذ بداية انتفاضة الاقصى وحتى يومنا هذا, ولكنها في الوقت نفسه  لم توفر ادنى اشكال الحمايه للشعب الفلسطيني سوى الحِمايه لاعضاءها المَحمِيين والمَحروسين اصلا من قبل اسرائيل بسبب موقفهم "السلامِي" والسلبي من انتفاضة الاقصى, وخير دليل قاطع على عجز وتواطئ السلطه الفلسطينيه هو الاجتياح  الاسرائيلي  ابريل 2002 لمناطق الضفه والذي اعتقلت اسرائيل او قتلت فيه خِيرَة قيادات انتفاضة الاقصى ولم تَمِس بسوء رموز الاستسلام والفساد الفلسطيني الذين مازالوا يُمارسوا مهامهُم وحياة الرخاء رغم استسلامهُم المُشين خلال  الاجتياح حتى يومنا هذا..  في الوقت الذي يقبع فيه الشعب الفلسطيني بشكل عام في سجن كبير والمعتقلين والاسرى الفلسطينييين بشكل خاص يضربون اليوم عن الطعام داخل السجون الاسرائيليه بِسبب سياسة القمع الاسرائيلي وسياسة الاهمال المشين التي اتبعتها السلطه الفلسطينيه نحو ملف الاسرى والمُعتقلين الفلسطينيين الذين لولا نِضالَهم لِما تواجد اصلا في فلسطين هؤلاء المفسدين من سلطه واعضاء سلطه المُنهَمِكين بِالتَوزير الكاذب وجمع الاموال والثراء والسؤال المطروح: هل يُعقَّل ان يَتمَتَّع اعضاء سلطه فلسطينيه فاسده وعاجزه بِالحُريه والرخاء بينما يقبع الشعب الفلسطيني ككل والمناضلون الفلسطينيون بشكل خاص في سجون الاحتلال الاسرائيلي؟؟؟ ..في هذه المُفارقه يَكمُن جزء لاباس به من مأساة الشعب الفلسطيني والاسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الاسرائيليه!!

كشفت احداث 2002  وخاصة الاجتياح الاسرائيلي لمناطق الضفه وإعادة احتلالها عن عورات السلطه الفلسطينيه بشكل كامل وتبين للقاصي والداني مدى عجز وفساد مسؤولي ومؤسسات السلطه اللذين  اداروا الازمه بشسكل يضمن بقاءهم بعد مرور العاصفه والنتيجه على المستوى الفلسطيني الرسمي كانت شبيهه بوضع الجيوش العربيه عام 1967، والذين قاتلوا واستبسلوا في جنين ونابلس وربوع الوطن الفلسطيني كانوا ابناء الشعب الفلسطيني البطل وليس بِاي حال هؤلاء الذي اخفَتهُم السلطه عن الانظار وقام رئيسها بِتَرقِيَتهم فيما بعد وكان شئ لم يَحدث والمفارقه ان وكلاء الاستسلام والهزيمه والفساد عادوا للظهور بعد ان حصدوا نتائج الاجتياح الاسرائيلي على المستوى الداخلي,وبالتالي كان من المفروض أن تحدِث نتائج اجتياح عام 2002  زلزالا داخل تركيبة السلطه,ولكن ماحَدث هو العكس إذ قام شيخ القبيله السلطه بِترقية الفاسدين والعاجزين ومُكافأتهُم على فسادهم، ومازالوا حتى يومنا هذا يشغلون المناصب الوزاريه وغيرها داخل قبيلة عرفات!!

هنا لابد من التذكير بِحَدثَيِن  مُرتبطين بنتائج اجتياح عام 2002  الاول: هو صفقة كنيسة المهد وابعاد عدد من المناضلين الفلسطينيين الى غزه واوروبا، والمُفارقه تَكمُن بِان الذي وَقَّعَ على صفقة كنيسة المهد معروف ويعيش في رَخاء وحريه إلا ان المبعدون في اوروبا وحسب ما تناقَلَتهُ وكالات الانباء يبحثون اليوم عن الذي وقَع على إبعادَهُم و"ضَمن" عودَتَهُم بعد عامين الى دِيارهم ولا يجدونه ولا احد من السلطه يضمن عودتهُم او حتى المُساعده في تَحسين ظروفهُم المعيشيه في اوروبا !!والثاني صفقة المُقاطعه اللتي سُلم فيها احمد سعدات ورفاقه للأمريكان في سجن اريحا ومازال هؤلاء يقبعون  في السجن الفلسطيني الامريكي  "ضُيوف"  كما تَزعَم البهلوانات الفاسده والمُتواطئه!! يبدو ان  من شيمة الفلسطيني اكرام الضيوف بِحَبسهم وسجنهم!! وتَخَلِي الكفيل عن المكفولين والمبعدين!!...وياجبل ماهَزَك رِيح .. ويا دار مادخلك شَر!! المُهِم الخِتيار وجماعته وكُل مابقى وهم وريح وسراب وتصريحات مُعاده مُنذ العصر الخَشبِي "نُحمل اسرائيل وامريكا والامم المتحده مَسؤولية ما يجري"!

لم تكتف بهلوانات السلطه الفلسطينيه ورموز الفساد بالزَج بالقضيه الفلسطينيه في مَتاهات اوسلو والفساد وترسيخ الاحتلال الاسرائيلي لابَل أشغَلت نفسها على مَدى عام 2003  بالوزارات والتوزير وارضاء ابناء القبيله وتوزيع المناصِب في الوقت الذي كانت فيه اسرائيل تَبني جِدارها العنصري وتُضَيِق الطوق والخِناق على رِقاب الشعب الفلسطيني, والمُفارقه تَكمُن  في مهزلة اصلاح الفساد بِفساد والتواطئ بأشنَع تَواطئا ممِا أدى موضوعيا الى مَنح اسرائيل الوقت الكافي لِبناء الجدار والسجن الكبير الذي يقبع فيه اليوم الشعب الفلسطيني!! بطبيعة الحال تَقسيم الوزارات من وجهة نظر الفاسدين اهَم بكثير ممايجري للشعب الفلسطيني والارض الفلسطينيه !!.. واللِي مِش عاجبوا يِشرب من البحر المالِح ...كَفاكم كذبا وفسادا والى أي هاويه تاريخيه سَتَقودون الشعب الفلسطيني اللذي  وَضَعتموه بين نَارِيي استعمار داخلي وخارجي!!؟

ليس صحيحا ان ما يسمى بِخارطة الطريق هِي آخر مَسارات التفريط بالحق الفلسطيني، والحقيقه ان اوسلو كانت البداية وخارطة الطريق التي قبلت بِها السلطة الفلسطينية الفاسدة كانت بِمثابة الجسر بين اوسلو ووثيقة جنيف.. وحبل التفريط بالحق الفلسطيني ما زال على الجَرَّار، وإذا استمر النهج الفاسد بإدعاء شرعية قيادة الشعب الفلسطيني سَتَكون النتائج اكثر وَخيمة من ما هِي عليه الان. وللتذكير حول ما َدور من صراعات داخلية فلسطينية داخل السلطة هو بِالتأكيد صراع مناصب ومراكِز وليس صراع مواقف ومبادئ مع التأكيد على ان هنالك الكثير من الشرفاء الغَيورين على مستقبل الشعب الفلسطيني وهم الفئه التي تُحاول عصابة الفاسدين إبعادهُم من الواجهة السياسية بطريقة لَم شَمِل جبهة الفاسدين أمام اي محاوله لاِصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي من جهة، وبطريقة الجاهات القبلية والصُلحات العائلية التي يَتَبِعها رئيس السلطة في تعامله مع اعضاء [الحَرْدانيِن] قبيلته التي امعَنَت في التفريط والفساد من جهة ثانية، وبالتالي يبقى السؤال حول عواقب نهج الفاسدين على القضية الفلسطينية مشروعا وقائما وهو: على ماذا سيتفاوض هؤلاء بعد كل هذا الجاري والحاصل في الاراضي الفلسطينيه؟؟ الجواب أمَر من المُر وهو ان السلطة الفلسطينية كانت وما زالت مجرد إشارة مرور نَصَبتها اسرائيل على طريق الاستيطان والاستعمار الاسرائيلي والآن قامت اسرائيل بِإزالَت هذه الاشارة ليبقى الاحتلال والمشروع الصهيوني سائرا نحو اهدافه وما يسمى بالسلطة الفلسطينية اصبحت مجرد حالة تائهة وتتخبط بين الافلاس السياسي والفساد الاداري واعضاءها يسعون اليوم في كل اتجاه وصوب تجاري، ولكن بِاي حال من الاحوال ليس صوب الحل العادل للقضيه الفلسطينيه!

* باحث فلسطيني في علم الاجتماع ويقيم في المانيا.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع