مراهقة
برلمانية لا تجدي نفعا
مصطفى الصواف
جلسة المجلس التشريعي
الفلسطيني والتي جرت الاثنين 6-3-2006، تعطي مؤشرا على أن هذا المجلس
سيشهد سجالا دائما ونقاشا ساخنا يعقبه في كل مرة الانسحاب بطريقة
صبيانية لا تنم عن وعي، وسوء فهم متعمد من هؤلاء لمجريات الأمور داخل
المجلس الذي مارس صلاحياته بجدارة.
منذ البداية والهجوم
مسلط سواء في هذه الجلسة أو التي سبقتها يوم 18-2-2006 والتي تم فيها
اختيار هيئة المكتب، والتي اعترض فيها المعترضون على طريقة اختيار رئيس
المجلس ونائبيه وأمين السر، واعتبروا ذلك انه هيمنة وإقصاء وتفرد.
بأي منطق تحدث هؤلاء
؟ وهل المنطق يا سادة أن لا تختار الغالبية داخل المجلس "الرئيس" من
داخل كتلتها؟ من العادة والعرف والمنطق أن يكون رئيس المجلس من الكتلة
ذات الأغلبية وإلا كيف ستستقيم الأمور، وهل من المنطق أن يكون رئيس
المجلس من كتل معارضة وصغيرة ولا تشكل الغالبية داخل المجلس.
نعود للجلسة الأخيرة
التي شهدت أجواء ديمقراطية ونقاشا صحيا، لم يعجب البعض واعتبروه غير
قانوني، معتمدين على نظام وضع في ربع الساعة الأخيرة من حياة المجلس
السابق وبطريقة اقرب إلى (الفهلوة) ومحاولة استباقية تهدف إلى سحب
الصلاحيات من المجلس الجديد الذي كان واضحا عقب الانتخابات التشريعية
لمن الغلبة فيه، فكانت القرارات غير القانونية التي اتخذت وتجاوزت
القانون الأساسي، وأعطت صلاحيات واسعة لرئيس السلطة الفلسطينية على
حساب المجلس التشريعي.
الهدف كما يعلم
الجميع واضح من هذه الخطوات الاستباقية لمثل هذه الإجراءات غير المبررة
وغير القانونية، والتي يريد أن ينظر فيها المجلس التشريعي الجديد،
الأمر الذي أثار حفيظة نواب التشريعي في كتلة فتح، لأنهم على يقين أن
ما جرى في الجلسة الأخيرة غير قانوني.
وقد أكد عدم قانونية
تلك الجلسة وحدة البحوث البرلمانية للمجلس التشريعي، حيث يشير تقرير
قانوني، أعده الدكتور عصام عابدين من وحدة البحوث البرلمانية بالمجلس،
عدم دستورية الدورة الاستثنائية التي عقدها المجلس القديم بناء على طلب
الرئيس محمود عباس، نافياً وجود مسمى "دورة استثنائية" في جميع نصوص
القانون الأساسي الفلسطيني والنظام الداخلي للمجلس التشريعي.
وأشار التقرير إلى
انه لا يوجد في جميع نصوص القانون الأساسي الفلسطيني والنظام الداخلي
للمجلس التشريعي ما يُسمى "دورة استثنائية"، فالدورة البرلمانية، إما
أن تكون دورة عادية سنوية على فترتين مدة كل منهما أربعة أشهر وتعقد
بدعوة من رئيس السلطة الفلسطينية أو أن تكون دورة غير عادية تعقد بدعوة
من رئيس المجلس التشريعي بناء على طلب مقدم من مجلس الوزراء أو من ربع
عدد أعضاء المجلس التشريعي، وهذا ما تؤكده المادة (16) من النظام
الداخلي ذي القوة الدستورية".
ويخلص التقرير إلى أن
"الدورة الاستثنائية" التي افتتحها رئيس المجلس التشريعي بتاريخ
21-1-2006 بناء على طلب رئيس السلطة الفلسطينية، كما هو مؤكد عليه في
محضر الجلسة المذكورة، هي دورة (غير دستورية) في الأساس.
ويضيف
أن "الدورة الاستثنائية" جاءت بناء على دعوة ممن لا يملك هذا الحق من
الناحية القانونية والدستورية، وذلك لأن النظام الداخلي للمجلس يُعطي
الحق لرئيس السلطة الفلسطينية بطلب عقد "جلسة طارئة" ضمن دورة عادية أو
غير عادية بموجب نص المادة (22) من النظام الداخلي، ولا يمنحه أي حق
يخوله طلب عقد دورة جديدة غير عادية، ومن باب أولى فإنه لا يعطيه الحق
بطلب عقد "دورة استثنائية" لا أساس لها في القانون.
إذا كان هذا رأي
قانوني من داخل المجلس التشريعي، لذلك كما يقال، ما بني على باطل فهو
باطل، وحتى المحكمة الدستورية، يخلص عابدين فيها إلى نتيجة مفادها أنه
لا يحق للمجلس التشريعي دستورياً مناقشة أية تعديلات مقترحة على قانون
المحكمة الدستورية العليا، ويجب أن ينشر فوراً في الجريدة الرسمية،
بالصيغة التي أقرها المجلس التشريعي الفلسطيني، وبقوة المادة (41) من
القانون الأساسي الفلسطيني، ولا يوجد أي خيار آخر من الناحية
الدستورية.
وعلى ما يبدو أن نواب
كتلة فتح لازالوا يعيشون في الماضي، ويرون أن من حقهم توجيه الأوامر
إلى رئاسة المجلس وعلى الرئيس أن ينصاع لهم، وإلا كل ما يقوم به غير
قانوني لأنه يخالف هوى ورغبة أعضاء فتح، الأمر الذي دفعهم للخروج عن
حدود اللياقة الأدبية والتعامل في المجلس التشريعي ومع رئيسه تحديدا،
عبر استخدام أسلوب فج فيه من التطاول المبطن على رئاسة المجلس والتي
اتسع صدرها لمثل هذه المواقف حتى يقطع الطريق على مراهقة بعض النواب
الذين لا زال يعشش في عقولهم الماضي الذي رفضه شعبنا الفلسطيني وقال
كلمته الفصل فيه.
إن مثل هذه التصرفات
وأعمال البلطجة التي تبعتها عبر إرسال مسلحين إلى المجلس التشريعي
الفلسطيني لإطلاق النار تدل على نية مسبقة من مثل هذه الأعمال هدفها
تعطيل عمل المجلس واستخدام أساليب الإرهاب الفكري والمادي والبلطجة
المرفوضة من الجميع حتى من العقلاء في حركة فتح.
أيها السادة بدلا من
هذه الأعمال التي لا تنطلي على احد عليكم أن تنزلوا عن الشجرة بهدوء
ودون إحداث توترات في الشارع الفلسطيني وجره إلى معارك جانبية هو في
غنى عنها، والالتفات إلى محاولة إعادة البناء وإصلاح الفساد وحماية
مصالح الشعب الفلسطيني، بدلا من محاولات التخريب والإرهاب وأعمال
مراهقة لن تجدي نفعا بل تعود على مرتكبيها بنتائج سلبية.
استغرب كثيرا من عدم
فهم هؤلاء إلى قانون الأغلبية والأقلية، وما فائدة أن تحصل جهة معينة
على أغلبية في برلمان أو مجلس لا يكون لها فيه الكلمة الفصل، وهل يعقل
أن تمارس الأقلية بالمفهوم الحزبي دور الأغلبية لكي تعترض وتقر هي ما
تريد، أم أن على الأقلية أن تلتزم بقرار الأغلبية التي خولها المواطن
الفلسطيني الحق في تولي زمام أمره بعد أن فشل الآخرون من تحقيق الأمن
والأمان له.
الحديث يطول،
والمرحلة القادمة ستشهد محاولات كبيرة من قبل حركة فتح لتعطيل أعمال
المجلس فهذه التصرفات وأعمال التشويش لن تجدي نفعا بل سيكون المتضرر
منها هو المواطن الفلسطيني.
وطريقة (الحرد)،
عفوا "الانسحاب" كانت متوقعة، وشماعة "القضاء" و"اللجوء للقضاء"، أيضا
يجب التخلص منها،
لأن
الهدف منها ليس إحقاق الحق بقدر ما هو تعطيل لهذا الحق.
نتمنى على الجميع أن
لا يفسد هذا الجو الديمقراطي، وان لا يخيب آمال الشعب الفلسطيني أكثر
مما خيبها في الماضي، وان يعمل على رص الصفوف، وتعزيز عوامل الوحدة
وتصميد الشعب الفلسطيني بدلا من وضع عقبات أمام الشرعية التي أعطيت
لحركة حماس لقيادة هذا الشعب الذي ضحى كثيرا.
إن القيادة ليست
حكرا على أحد، وقانون التدافع قانون رباني، كنتم في القيادة، ردحا من
الزمن، اختار الشعب غيركم من يقوده، حاولوا تحسس الأسباب، وربما يعود
الشعب لاختياركم مرة أخرى أو قد يجدد ثقته فيمن اختار من بعدكم،
فالأيام دول يوم لك ويوم عليك، فان كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فلا
تضجر.
|