المقاومة و«السلطة»

 

بقلم: أحمد عمرابي

صحيفة البيان الإماراتية 7/10/2004

 

بينما يحث آرييل شارون قواته المدعومة بمئتي دبابة على المزيد من عمليات القتل الجماعي في صفوف المدنيين الفلسطينيين في مخيم جباليا ومناطق أخرى في غزة معلناً على العالم أن عملية الاجتياح الإسرائيلية مفتوحة، كان غاية ما استطاعت حكومات الدول العربية حشده من «قوة» هو مناشدة الأمم المتحدة لعقد اجتماع «عاجل» على مستوى الجمعية العامة أو مجلس الأمن.

ولكن لماذا نحصر اللوم في الحكومات العربية؟ فالسفير محمد صبيح مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية لم يطالب بأكثر من ذلك في الاجتماع الطارئ لمندوبي الحكومات العربية الذي طلب عقده للنظر فيما يمكن عمله تجاه المذبحة الجماعية المتسلسلة في غزة.

لقد سرد السفير الفلسطيني على اجتماع المندوبين الدائمين في القاهرة بياناً تفصيلياً مدعوماً بالأرقام عن نتائج المسلك الإجرامي الفاضح للقوات الإسرائيلية من قتل عشوائي وتدمير منازل بالجملة وتجريف مزارع. لكن ما طلبه السفير صبيح من زملائه ممثلي الحكومات العربية لا يرقى إلى مستوى هذا السرد.

هل لأن السفير الفلسطيني أخذ في الاعتبار سلفاً أن ليس بالإمكان عملياً مطالبة هذه الحكومات بأكثر مما لا تريد على أساس قاعدة «إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع؟».

ربما. لكن الثابت - وليس المحتمل - هو أن موقف الدبلوماسي الفلسطيني الكبير هو في الحقيقة موقف حكومته. فالسلطة الفلسطينية لا تطالب الحكومات العربية بدعم فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة لا لأنها تدرك مسبقاً عجز هذه الحكومات وإنما لأن قيادة السلطة الفلسطينية نفسها تعارض من حيث المبدأ نهج المقاومة الشعبية المسلحة.

لقد طالب رئيس الحكومة الفلسطينية قادة الفصائل على خلفية الاجتياح الإسرائيلي الكاسح بإلقاء السلاح. وإذا كان أحمد قريع لم يقل ذلك بصورة مباشرة فما معنى قوله بأن على الفصائل «أن تدرس المصلحة الوطنية العليا».. و«ألا تعطي أي مبررات لإسرائيل للاستمرار في عدوانها على الشعب الفلسطيني».

ولو صدر مثل هذا القول عن فرد فلسطيني عادي وليس عن قيادي مخضرم من أمثال أحمد قريع لجاز التماس عذر لذلك الفرد بأنه غير مستوعب لجوهر الاستراتيجية الشارونية وأهدافها.

فهل من المعقول أن نفترض أن رئيس الوزراء الفلسطيني قد اقتنع بما يدعيه شارون بأن الاجتياح الإسرائيلي الدموي الكاسح في غزة ليس سوى «رد» من قبيل «الدفاع عن النفس» على قيام فصائل المقاومة بقصف "إسرائيل" بصواريخ «القسام» البدائية؟

وهل يعقل إذن أن هذا السياسي الفلسطيني الكبير لا يدرك الهدف الاستراتيجي من الخطة الشارونية «لفك الارتباط» مع غزة»؟ إن اجتياح غزة الحالي ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير. ذلك أن ما يهدف إليه شارون وفقاً لخطته هو القضاء التام على أي شرارة مقاومة في القطاع كتمهيد لتحويل الضفة إلى أرض «توراتية» تتبع السيادة الإسرائيلية بصورة نهائية.

وإذن فإن عملية الاكتساح الدموي الراهنة لمخيم جباليا وغيره ليست مجرد عملية عرضية عابرة فهي جزء من استراتيجية شارونية بعيدة المدى. رئيس الوزراء الفلسطيني يعلم ذلك علم اليقين. ويعلم أيضاً أن عمليات الاجتياح الإسرائيلية السابقة والراهنة والمستقبلية مشفوعة بضوء أخضر من الولايات المتحدة.

ولكن رئيس الحكومة يريد أن يعتبرها عابرة بقدر ما يريد أن يصورها كمجرد «رد فعل» على «حماقات» المقاومة المسلحة لأنه لو أقر علنا بحقيقتها العدوانية لكان مطالباً بأن يأمر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالانضمام إلى صفوف المقاومة المسلحة لرد العدوان.

وما يستخلص من هذا كله هو أن فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة تقف وحدها في الساحة النضالية. وإذا كان المجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة يدرك أن الحكومات العربية بل والسلطة الفلسطينية نفسها تتخذ موقف معارضة ضد المقاومة فكيف يهب المجتمع الدولي إلى حماية الشعب الفلسطيني؟

 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع