مناوشات غزة ومصالح الشعب الفلسطيني
* ياسر الزعاترة
مؤسف ما جرى في قطاع غزة، فالدم الذي سقط في الاشتباكات الداخلية التي
وقعت هو ذاته الذي يسقط بنيران الصواريخ الإٍسرائيلية، وهو ذاته الذي
يسقط في مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية قتلاً واعتقالاً، وكم من مرة سقط
الشبان من جميع الفصائل مع بعضهم البعض هنا وهناك.
في غزة حالة من الاحتقان لا تتوفر في الضفة الغربية، ففي هذه الأخيرة لا
تملك حماس غير قوة محدودة مقابل حشود فتح التابعة لأجهزة الأمن، مع توازن
للقوى من الناحية الجماهيرية، أما في غزة فثمة توازن للقوى على مختلف
الأصعدة، ولحماس قوتها العسكرية التي يمكنها الدفاع عنها في حال تعرضت
للاعتداء، وهي هنا لن تعدم التبرير على اعتبار أنها في حال دفاع عن النفس
أمام من يسعون إلى إسقاطها.
نراهن على وعي الشعب الفلسطيني وقواه الحية، وبخاصة حماس وقيادتها رغم أن
طرفاً معروفاً في حركة فتح لا يشجع على العقلانية بإصراره على إفشال
الحكومة بكل الوسائل، ومع ذلك فالمعركة لا تحسم بهذه الطريقة في ظل بقاء
الضفة الغربية وغزة تحت الاحتلال، وفي ظل انحياز الوضع العربي والدولي
لصالح الطرف الآخر، أما الأهم من ذلك كله فهو الدم الفلسطيني الذي ينبغي
أن يدخر للمواجهة المستمرة مع العدو. في المقابل ينبغي على عقلاء حركة
فتح وكبارها الذين يرفضون إراقة الدم الفلسطيني، أن يستعيدوا الحركة من
أيدي تلك المجموعة الفاسدة التي انقلبت على ياسر عرفات، وربطت نفسها
بالخارج وبرنامجه، إذ لا يعقل أن يكون أعداء المقاومة ممن سخروا منها ومن
الشهداء هم الذين يتحكمون بالحركة، ولن ننسى كيف أطلق هؤلاء النار بدم
بارد على المتظاهرين أمام مسجد فلسطين في غزة، ولا كيف اعتقلوا كبار
المجاهدين وتفننوا في تعذيبهم وإهانتهم أيام أوسلو.
لا قيمة لانتخابات داخلية هنا أوهناك تتفوق فيها المجموعة إياها، ففي ظل
سطوة المال والنفوذ والترغيب والترهيب في حركة عمادها المتفرغون، يصعب
الحديث عن خيارات صحيحة، ومعلوم أن عناصر التفوق جميعها متوفرة بأيدي
الزمرة المشار إليها.
واللافت هنا أن هذه المجموعة ما تزال على إصرارها على إفشال حركة حماس،
وعلى رفض دعوات الوحدة، في حين دعا مروان البرغوثي إلى حكومة وحدة وطنية،
الأمر الذي يبدو ممكناً من خلال كبار فتح وعقلائها، لا سيما أن أمام
الشعب الفلسطيني جملة من التحديات التي ينبغي مواجهتها سريعاً، وأهمها
بعد عودة فتح إلى رموزها الكبار، هو تحرير إرادة الشعب الفلسطيني من سطوة
العدو، إذ ليس من المنطق أن يبقى شعب يسعى إلى التحرر رهينة بيد عدوه في
مأكله ومشربه، اللهم إلا إذا وجد العقلاء أن حل السلطة وإعادة الاحتلال
الكامل، هما الحل لمواجهة الوضع المعقد، وهو موقف قابل للدراسة، بل إننا
نميل إليه في واقع الحال بوصفه الأقدر على تحقيق المصالح العليا للشعب
الفلسطيني.
من أجل تحقيق الاستقلال المالي لا بد من وضع الأمة العربية والإسلامية
أمام مسؤولياتها التاريخية، وقد ثبت أن جماهير الأمة حية ومدججة بالعطاء،
فيما يمكن للأنظمة أن تتجاوب تحت الضغط إذا توحد الفلسطينيون على رأي
واحد في المواجهة وطلبوا النصرة من أبناء أمتهم. بعد ذلك ينبغي التوافق
على طريقة مثلى لمواجهة مخطط أولمرت للانفصال أحادي الجانب الذي يعد نكبة
جديدة للفلسطينيين، ولن يكون ذلك من دون تجسيد حالة من الوحدة الوطنية
أكثر تميزاً، حتى من الوحدة التي عاشوها إبان انتفاضة الأقصى.
فلسطين أيها السادة ما تزال تحت الاحتلال، لكن البعض ما يزال على إصراره
على النهج القديم المتمثل في المراهنة على لعبة التسوية والركض خلف
الحنان الأمريكي، فيما يسن أولمرت أسنانه لتنفيذ خطته التي ستترك
الفلسطينيين أسرى كانتونات معزولة عن بعضها البعض، يتحكم المحتل بأرضها
وسمائها ومائها
|