مؤتمر لندن دعم للسلطة الفلسطينية أم تكريس للاحتلال الإسرائيلي ؟!

عبدالرحيم محمود جاموس

مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية

لم يفاجئ مؤتمر لندن لدعم السلطة الفلسطيني أحداً بنتائجه المتواضعة ، حيث اقتصرت على وعود بالدعم المادي والفني للسلطة الفلسطينية بما يؤهلها أن تفي بالالتزامات والاشتراطات الإسرائيلية الأمريكية حتى تصبح شريكة لإسرائيل في عملية السلام مستقبلاً !!! .

ورغم ذلك لم يسلم هذا المؤتمر ونتائجه ومنظموه من الانتقاد الشاروني الإسرائيلي ، لأنه تجاوز بعض الحدود التي رسمها له شارون سلفاً عندما ربط المؤتمر بين تنفيذ خطة الانسحاب الأحادي الشاروني مع خطة خارطة الطريق باعتباره تنفيذ خطة الانسحاب الأحادي جزءا من تنفيذ خطة خارطة الطريق !! هذا إضافة إلى عدم الزامه صراحة السلطة الوطنية الفلسطينية بمحاربة (( الإرهاب )) وتفكيك البنى التحتية لمنظماته .

فقد سبق أن حسمت نتائج هذا المؤتمر قبل توجيه الدعوة إليه من خلال الضغوط الأمريكية الإسرائيلية التي تعرض إليها توني بلير من جهة ومن خلال رفض شارون المباشر لمشاركة إسرائيل فيه واعتبارها غير معنية به ، وأن المعني به فقط هو السلطة الفلسطينية التي تحتاج إليه للتأهيل !! وقد كان هذا التجاوب البريطاني مع الرغبة الأمريكية الإسرائيلية محل انتقاد فلسطيني وعربي في حينه لقصور أهداف المؤتمر عن امكانية دفع وتحريك عملية السلام كما ينبغي .

وقـد أظـهر هـذا المؤتمر من جـديد هامشـية دور بريطـانيا وأوربا في المـشاركة في صناعة السـلام الفلسطـيني الإسرائيلي واقتصـار دور أوروبا على المـساهمة في عمليـة التمـويل والتـسويق وفـق الرؤيا الإسرائيليـة الأمريكـية للسـلام ، لذلك فقـد لخص توني بلير قـرارات هـذا المؤتمر بدعـم الخطـوات التي تريـد السلطـة الفلسطـينية اتخـاذها بخصـوص تنظـيم الانتخـابات المزمـع اجراؤهـا في منـاطق السلطـة ودعـم مؤسسـاتها الأمنيـة لجعـل البنيـة الأمنيـة لهـا متماسكـة وموحـده

-2-

 وقادرة على أداء مهامها بالاضافة إلى إجراءات تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية معتبراً أن ذلك من الجوانب المهمة والحيوية لمستقبل أي دولة فلسطينية ستوجد مستقبلاً ، دون أن يعنى بفتح الأفاق السياسية لعملية السلام للوصول للحل النهائي الذي ينهي الاحتلال وينتج عنه دولة فلسطينية مستقلة والتوصل إلى اتفاق سلام نهائي مبني على تنفيذ الشرعية الدولية وقراراتها بهذا الشأن .

ورغم ذلك فقد جاءت كلمة رئيس السلطة الفلسطينية أمام المؤتمر لتؤكد على جدية الجانب الفلسطيني للقيام بما يتوجب عليه القيام به للبدء بمفاوضات سلام وخصوصاً فيما يتعلق بالأمن مؤكداً حاجة الشعب الفلسطيني للأمن والأمان ومحذراً في الوقت نفسه من أن ما قامت به السلطة الفلسطينية من إجراءات وما ستقوم به أيضاً من إجراءات أمنية يبقى عرضة للتراجع والانهيار ما لم تتم حمايتها بتحريك جدي للمسار السياسي للسلام وفتح أفاق واضحة له ، ولكن حدود مؤتمر لندن كانت دون الطموح الفلسطيني بتحريك عملية السلام بل أيضاً دون الطموح الأوربي نفسه كما حددت له سلفاً من قبل الإدارة الأمريكية وشارون ، مما دعا مشيل با رنيه وزير الخارجية الفرنسي إلى التصريح بضرورة عقد مؤتمر دولي في منتصف عام 2006 م للبحث في تنفيذ خطة خارطة الطريق ودفع الطرفين للوصول إلى إتفاق سلام نهائي حول القضايا محل التفاوض .

إن الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية تجاه مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية باتت واضحة وهي تتمثل في فرض الحقائق والنتائج على الأرض قبل أن تبـدأ عملية التفاوض بين الطرفين بشأن المواضيع الرئيسة أو ما يصطلح عليها بمواضيع المـفاوضات النهائية والمتمثلة في ( الحدود والمستوطنات والقدس والمياه واللاجئين .. الخ ) فيجري الحديث والتأكيد الأمريكي الإسرائيلي عن إقامة دولة فلسطينية وديمقراطية في نفس الوقت الذي لا يتم الاعتراف بالأراضي الفلسطينية كأراضي محتلة يجب تحريرها وإنهاء احتلالها وإذا ما تذكرنا وعـود بوش لشـارون المتضمنة ضمان عـدم عـودة اللاجئين إلى ديارهم وعـدم

-3- 

 الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 67 وعدم تفكيك الاستيطان في أية تسوية مقبلة والتي تتناقض مع الشرعية الدولية التي يجب أن تكون الأساس الذي يبنى عليه السلام ، إضافة إلى مواصلة إسرائيل بناء جدار الفصل العنصري الذي يلتهم أجزاء مهمة من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية واستمرار سياسة تسمين وتوسيع المستوطنات القائمة ، والتراجع الإسرائيلي عن تفكيك 120 بؤرة استيطانية في الضفة سبق لإسرائيل أن وعدت بتفكيكها يظهر جلياً أفاق السلام الإسرائيلي الأمريكي المزمع فرضه على الطرف الفلسطيني .

فالدولة الفلسطينية المستقلة التي يتحدث عنها بوش – شارون لا تعدو عن دولة (( شكلية قانونية )) لا تتجاوز في صلاحياتها حكومة بلدية وتكون مقطعة الأوصال من خلال بقاء الكتل الاستيطانية تفصل بين أجزائها وتلعب دوراً أمنياً في تحقيق الأمن لإسرائيل ويستمر التفاوض من قبل هذه الدولة الشكلية مع إسرائيل لعشرات السنين حول ما يسمى بمواضيع المرحلة النهائية ويكون الطرف الفلسطيني قد وقع في فخ (( الحل المؤقت الدائم ))  بالقبول بإعلان دولة ولكنها كـذبة على الأرض تصطدم بالوقائع التي كرسها وجسدها الاحتلال الإسرائيلي ، بدءاً من اعتبار القدس الموحده عاصمة إسرائيل الأبدية مروراً باستمرار الكتل الاستيطانية وتوسيعها على حساب الأرض الفلسطينية إنتهاء بمحاصرة الفلسطينيين في معازل بشرية تفتقد لأبسط مقومات الحياة والاستمرار وتحقيق التنمية القادرة على توفير احتياجاتهم الأساسية ، وصولاً إلى إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين وكذلك حق تقرير المصير كما تقره الشرعية الدولية .

فهل يستطيع الطرف الفلسطيني استعادة زمام المبادرة وقلب قواعد لعبة السلام الأمريكي الإسرائيلي بما يتوافق وتحيق السلام العادل والدائم والذي يبنى على أساس استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من خلال التنفيذ الدقيق والأمين لقرارات الشرعية الدولية وقراراتها في هذا الشأن ؟ .

-4-

إن السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي وبما يخطط لها أن تكون عليه من دولة شكلية مؤقته على مساحة لا تتجاوز من 18 – 42 % من أراضي الضفة الغربية لا ولن تسطيع القيام بهذه المهمة وإن استمرت في التفاوض عشرات السنين مع إسرائيل فهي ليست مؤهلة لذلك ، وغير قادرة على استخدام أية أوراق ضاغطة في هذه الحالة لإسقاط قواعد لعبة السلام الإسرائيلية الأمريكية .

إن قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يكون استحقاقاً لاحقاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس ، ولاحقاً لإنهاء الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كافة ولاحقاً لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ... الخ .

فمؤتمر لندن سوق الرؤيا الإسرائيلية الأمريكية للحل والسلام والقائمة على دعم مؤسسات السلطة ، والسعي إلى إقامة دولة مؤقتة لا وجود لها على الأرض تتولى فيما بعد التفاوض مع إسرائيل بشأن جميع القضايا الأساسية بعد أن يكون قد تم إفقاد الطرف الفلسطيني كافة أوراقه التفاوضية ، وتكون إسرائيل قد جسدت وقائع على الأرض تحول دون تحقيق وتلبية الحقوق الفلسطينية المشروعة ، لذلك يجب عدم الانسياق نحو هذه الخديعة الكبرى المتمثلة في دعم السلطة وأجهزتها الأمنية حتى تؤهل للتفاوض مع الطرف الآخر للفوز في نهاية المطاف بالدولة الفلسطينية المؤقته ، لأن الأمر لا يعدو كونه تكريساً للاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والحؤول دون قيام الدولة الفلسطينية المستـقلة الديمقراطية ذات السيادة ، ولا بد من تصحيح الوضع الفلسطيني بأن تبـقى منظـمة التحرير الفلسطـينية مرجعية التفـاوض العليـا ، وهـذا لا يتـأتى إلا بإعـادة الاعتبار لمنظـمة التحـرير الفلسطـينية الممثل الشـرعي والوحـيد للشـعب الفلسطـيني وتفعـيلها لا خطـفها من قبل سلطـة الحكم الذاتي المحـدود كما نصـت عليه اتفاقات أوسـلو ، والتي تجـري باتجـاه أن تنتـهي مفاوضـات السـلام الفلسطـينية الإسرائيليـة ، إلى مفاوضـات  بين

-5-

  إسرائيل (( وسكان المناطق )) حسب التعبير الإسرائيلي وتنتهي القضية الفلسطينية عند هذا الحد الذي يرسمه التحالف الأمريكي الإسرائيلي .

عبد الرحيم محمود جاموس

E-mail: pcommety @ hotmail.Com

                                                                 - الرياض

                                                                 5/3/2005 م

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع