ما وراء الاغتيال
بقلم :احمد عمرابي
عقب
المحاولة الاولى الفاشلة لاغتياله العام الماضي روى الشهيد د. عبدالعزيز
الرنتيسي قطب «حماس» ان تنفيذ العملية سبقه اجتماع سري جمع مسئولا امنيا
فلسطينيا على مستوى عالٍ مع مسئول أمني اسرائيلي قبل ثلاثة ايام من
المحاولة الآثمة، لم يسم الرنتيسي ذلك المسئول الامني الفلسطيني لكن كنيّ
عنه بالقول «إنه ابن اسرائيل المدلل» ولمن يتابعون الشأن الفلسطيني بانتظام
كانت الاشارة واضحة.
الآن
وبعد نحو عشرة شهور من المحاولة الاولى جاءت المحاولة الثانية التي جعلت من
د. الرنتيسي شهيدا.
إن
عملية الاغتيال السياسي الانتقائي عملية استخباراتية بالدرجة الاولى لأنها
تتصل بهدف محدود ومتحرك من مكان الى آخر نهارا وليلا، وتتضاعف صعوبة
العملية عندما يراد اصابة الهدف من الجو من ناحية وتكون الشخصية المستهدفة
واعية لما يراد لها، وإذن فمن المحتم الا تكون للعملية الاغتيالية اية فرصة
للنجاح الا اذا صممت على اساس معلومة استخباراتية دقيقة من الارض بما في
ذلك تحديد مكان وزمان معينين.
هذا هو
مغزى رواية د. الرنتيسي عن ذلك المسئول الأمني الفلسطيني الكبير الاثير لدى
الاجهزة الامنية الاسرائيلية.
علينا
اذن ان نفترض وجود شبكة أمنية خفية اقامها ذلك المسئول الأمني ويشرف على
نشاطها.
هنا
يطرأ تساؤل:
هل
تجهل قيادة «حماس» وجود مثل هذه الشبكة؟
ان
رواية د. الرنتيسي لا تشي الا بالعكس تماما، لكن اذا اعتمدنا صحة هذا
الافتراض فلماذا لا تتحرك «حماس» ضد هذه الشبكة من اجل نسفها؟
هنا
علينا ان نعيد الى الاذهان ان قادة «حماس» ظلوا لمدى اكثر من عشر سنوات منذ
اتفاق اوسلو وانشاء السلطة الوطنية الفلسطينية يحرصون تماما على تفادي
التجاوب مع اي استفزاز يمكن ان يقود الى احتمال اشتعال حرب اهلية فلسطينية
ـ فلسطينية.
لكن
عند هذه النقطة يطرأ سؤال ثانٍ: الى متى تستطيع «حماس» تحمل الثمن الفادح
المتعاظم نظير هذا الحرص النبيل؟
بكلمات
اخرى: الى متى يتحملون مصرع قيادي تلو آخر وهم يعلمون علم اليقين ان
اسرائيل تعتمد بالدرجة الاولى في شن مسلسل عملياتها الاغتيالية على معلومات
استخباراتية من «الأرض»؟
والسؤال نفسه ينبغي ان يكون محل اعتبار جدي ايضا لدى قيادات فصائل المقاومة
الاخرى: «كتائب شهداء الاقصى» التابعة لـ «فتح»، و «سرايا القدس» التابعة
لـ «الجهاد» و «كتائب الشهيد ابو علي مصطفى» التابعة لـ «الجبهة الشعبية»
فقد بات من المؤكد ان الدور آت اليها بعد ان تفرغ اسرائيل من تصفية قيادات
وكوادر «حماس».
ان
حالة التضييق الواسعة التي تعيشها فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية تعكس
الحالة العامة للاضمحلال العربي وما ينطوي عليه هذا الاضمحلال من انحطاط
بشع، فالمقاومة الفلسطينية الان جزيرة صغيرة يحيط بها بحر يمتد من فلسطين
الى كل انحاء العالم العربي الاخرى. فالسلطة الفلسطينية هي في الحقيقة
امتداد لنظام عربي رسمي يعتبر بصورة عامة ان مهمته الاساسية هي الوفاء بما
يرضي الولايات المتحدة وتفادي ما يغضبها.
وهذه
المهمة موجهة ضد الشعوب العربية بصورة عامة والشعب الفلسطيني بصورة خاصة
والمقاومة الفلسطينية بصورة اخص، والسلطة الفلسطينية ليست استثناء من هذا
النظام.
لقد
أثبت الشعب الفلسطيني انه لا تنقصه الشجاعة ولا ينقصه التصميم، بدليل انه
افرز مقاومة باسلة، قوامها عناصر بشرية ترى في الاستشهاد نزهة، ما ينقصه هو
الدعم بالسلاح والمال، والمأساة تتمثل في ان البيئة المحيطة بالمقاومة لا
تكتفي بعدم تقديم هذا الدعم بل ترى في المقاومة عدوا ينبغي محاربته في اطار
«الحرب الاميركية على الارهاب».
لكن هل
يستمر هذا الوضع؟
إن ما
يجري في العراق ينبيء بغير ذلك، لقد أرادت الولايات المتحدة للعراق ان
يتحول الى قاعدة اسرائيلية جديدة، لكن كل المؤشرات توميء الى ان عراق الغد
سيكون قاعدة خارجية للمقاومة الفلسطينية.
|