16 حزيران 2004

مطلوب وزير!!

بقلم: د. إياد السراج

قبل أسبوعين في معبر رفح تراشق بعض الجنود الفلسطينيين إطلاق النار مع غيرهم، ليس من الجنود الإسرائيليين، ولكن مع غيرهم من الجنود الفلسطينيين. كل الفرق هو أن هؤلاء ينتمون إلى جهاز أمني والآخرون إلى جهاز أمني آخر.

ولم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها، فمثل تلك الحوادث تكررت وتتكرر.

في معبر رفح علمت أن هناك مكتب خاص وممثلين عن كل جهاز أمني، الأمن الوقائي، المخابرات، مكافحة التهريب، مكافحة المخدرات، الاستخبارات العسكرية، الشرطة، الأمن الوطني، بالإضافة إلى مكاتب خاصة أخرى لوزارة الارتباط ووزارات أخرى مثل التجارة والزراعة وغيرها وغيرها.

وقد يظن البعض أن هذه المكاتب تنظم الأمور وتريح المواطنين، والحقيقة أن معبر رفح هي مثال صارخ للفوضى الفلسطينية، حيث تختلط التجارة بالأمن والأعمال بالتهريب، حتى أني علمت أن الشيالين الأطفال يعملون لصالح ضابط هنا أو آخر هناك.

هؤلاء الصغار يندفعون تجاه الباص المحمل بالركاب والأمتعة وينقضون على الحقائب بشكل فجائي وفوضوي بمجرد عبور الباص من الحاجز الإسرائيلي.

معبر رفح هذا مثال واضح لكيفية إدارة السلطة الفلسطينية لشئون المواطنين، لا مكان للنظام أو العدل، ولا مكان لاحترام القانون، حارة كل من إيده! الواسطة هي الأساس.

كل هذا ويقولون في الأخبار أن خطة شارون "المعدلة" أصبحت شيئاً واقعياً وأنه سينسحب، وأن مصر سترسل مائة جندي، وأنها تطالب السلطة بتوحيد الأجهزة الأمنية وأن تختار السلطة وزيراً جديداً للداخلية يخضع هذه الأجهزة كلها لسيطرته. وتتصاعد الطلبات المصرية في صعوبتها حين تطلب أن يكون الوزير نظيف اليد! حسن السمعة! وقوي الشخصية! تطلب مصر وزيراً جديداً للداخلية يحترم القانون، يوحد الأجهزة الأمنية ويتعامل باحترام مع القوى السياسية، وحزم مع المليشيات المسلحة.

فهل تستطيع السلطة الفلسطينية التي تهدي إلى الشعب الفلسطيني بكل فخر واعتزاز كل يوم وزيراً جديداً أن تجد وزيراً مختلفاً هذه المرة عن لعبة الوزارة التي أصابتنا بالقرف وكأنها أصبحت ملهاة للفرجة على السيرك والملاهي؟.

الجواب هو أني أشك في أن تستطيع هذه السلطة إيجاد وزير بهذه المواصفات، وحتى لو وجدت فإنها لا تريد. السلطة تلعب على لعبة الوقت، وتظن واهمة أن الوقت في صالحنا وتنتظر سقوط بوش بالانتخابات الأمريكية، وتنتظر سقوط شارون، وإذا حدث وأن كان الرئيس الأمريكي الجديد منحازاً لإسرائيل، فلا بأس لدى هذه السلطة من لعبة الوقت مرة أخرى لننتظر ثمانية سنوات جديدة.

لقد اختزلت السلطة نفسها لتصبح هي مشكلة الشعب الفلسطيني والإضرار بمصالح هذا الشعب ومستقبله، فليس وجودها كما تظن ضماناً لهذه المصالح ولهذا المستقبل، بل أنها أصبحت بوجودها مشلولة وعاجزة عن المبادرة وعن البناء، عالة على الشعب الفلسطيني وطموحاته.

ففي الوقت الذي استطاع شارون أن يزحف فيه على الأراضي ويقدم المبادرات ويقتل ويدمر ويضع الشروط ويجبر الرباعية على تأييده ويحصل على تأييد مصر لخطته، فإن السلطة لم تفعل شيئاً سوى تعليق كل آثامها على شارون، وهي تعرف أنه بجمودها وفقدان مصداقيتها فإنها كانت السبب الرئيسي ليلتقط شارون الفرصة ويدور في الملعب وحده، وهكذا أضرت السلطة بواحدة من أعدل القضايا الإنسانية على مر التاريخ وحتى حين حاول "أبو مازن" أن يخترق الحصار وأن يحاول بعض الإصلاح قامت هذه السلطة بالإطاحة به

إن التمزق الفلسطيني الداخلي قابل للاستمرار خاصة في أوساط "فتح" وخاصة في أوساط الأجهزة الأمنية، ولم يكن تمرد بعض الضباط في جهاز الأمن الوطني إلا تعبيراً عن رفض الجنود لهذا الوضع البالغ في الإهانة والذي عبر عنه واحداً منهم بقوله "لم نعد نقوم بدورنا كجنود"، وقال آخر "إن هذا الجهاز أصبح جسماً متخماً بالجراح تنقض عليه الصقور الجارحة في كل ليلة وتحرمه حتى من سلاحه".

المسألة ليست في نهاية المطاف أن نجد وزيراً للداخلية، وليست في وجود عدد من الجنود المصريين أو الأردنيين، فإن الفراغ الهائل الذي تركته السلطة بوجودها العاجز أصبح عاملاً رئيسياً لظهور المليشيات المسلحة ومبرراً لإسرائيل للإطاحة بالأمل في قيام دولة فلسطينية.

وربما هناك بعض بقايا الأمل في المجلس التشريعي الذي أعلن بشجاعة أن السلطة أعطت لبعض الشركات الفلسطينية تصاريح استيراد، فقام هؤلاء بتوفير الأسمنت المصري لشركات بناء إسرائيلية لبناء السور وكل ذلك بعلم وزارة الاقتصاد الوطني.

إن الكشف عن هذه الجريمة هو دليل شجاعة المجلس التشريعي، ولكن المهمة الكبرى التي تتطلب أكبر قدر من الشجاعة لدى أعضائه هو أن يعلنوا ما فشلت في إعلانه السلطة وأن يطالبوا صوتاً واحداً بحل هذه السلطة قبل فوات الأوان والمطالبة بفرض الانتداب الدولي على الأراضي الفلسطينية حماية لها من إسرائيل ومخططاتها التي ثبت أن السلطة غير قادرة على حمايتها، وحماية للشعب الفلسطيني من استمرار التدهور.

* رئيس مجلس أمناء برنامج غزة للصحة النفسية، وناشط في مجال حقوق الإنسان.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع