ماذا بعد عرفات؟
السبت
30 تشرين الأول 2004
بقلم
نضال
حمد
كلما
ساءت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يعود
الإعلام ويفتح باب التكهنات والاحتمالات ويقضي الصحفيون والمحللون أوقاتهم
في
التحليل والتنقيب والتكهن عن من سيكون خليفة عرفات في حال غيابه، وكيف
ستكون صورة
الوضع الداخلي الفلسطيني بلا القائد التاريخي المحبوب من طرف والمبغوض من
أطراف
أخرى. الرئيس ياسر عرفات بإيجابياته وسلبياته بقي مهيمنا على الساحة
السياسية
الفلسطينية، ولازال حتى الآن يحكم بطريقته المعهودة رغم وقوف كل السيوف ضد
سيفه،
فلم يستسلم للضغوطات الأمريكية الإسرائيلية نهائيا، لكنه بنفس الوقت لم
يرفض كل ما
كان يعرض أو يفرض عليه.
كان
عرفات ولازال كما عرفته الساحة السياسية منذ ظهر لأول مرة
بالكوفية المرقطة والنظارات السوداء. أما مرضه الآن وتدهور حالته وسوء صحته
قد
فتحوا الباب على مصراعيه أمام التكهنات والاحتمالات. لولا أن حالته الصحية
لم
تتدهور بالفعل، مع العلم أننا لغاية الآن لا نعرف حقيقة مرضه، وإن كان فعلا
نوبة
مرض عادية أم شيء ما أخطر من العادي وأكبر من النوبة. انما تطور تلك الأمور
وسوء
حالته الصحية (كما يقال ) المترافق مع سوء حالة الفلسطينيين الداخلية
والدولية
يجعلوننا ننظر إلى القضية من زاوية ماذا بعد الرئيس عرفات؟
ماذا
بعد الرئيس عرفات؟
قبل هذا
الوقت وحتى الأمس كانت قضية فلسطين مرتبطة باسم عرفات، فكان
الرجل يعرف بابي عمار، الختيار، الزعيم، القائد الرمز... الخ.
الرئيس
عرفات محاطا بالاطباء في
المقاطعة
اشتهر
أكثر من فلسطين نفسها لكن بفضلها، حيث كان يعتقد أنه يستخدم
مقولة "ديغول فرنسا وفرنسا ديغول"، لقد ساهم نفسه ومعه حاشيته في تكريس تلك
الصورة
محليا وعربيا وإقليميا ودوليا. لكن الصورة تغيرت كثيرا بعد مسيرة اوسلو
التي قوضت
أمجاد الزعيم العربي. فلم يعد عرفات السيد المطلق وخسر بعض من أقرب الناس
إليه،
وأصبحت حركته فتح غير موجودة عمليا لأنها تحولت ومعها بعض شراذم اليسار
الفلسطيني
إلى حزب السلطة.
لكن فتح
التي قدمت الشهداء والتضحيات والتي لازال فيها من يغار على
تاريخها أنجبت كتائب شهداء الأقصى التي تعتبر نفسها فتح الحقيقية، حيث نسقت
وتقوم
بتنسيق نشاطها ومواقفها السياسية مع المعارضة الفلسطينية. بينما السلطة
وقفت ضدها
لكن عجزت عن إنهاء ظاهرتها بسبب الصراعات الداخلية في فتح والسلطة بالإضافة
للوضع
الداخلي الفتحاوي والفلسطيني والسلطوي، وبسبب تواصل واحتدام واستمرار
المعركة
اليومية مع الاحتلال.
وحصار
الرئيس عرفات الذي بدوره وكعادته فضل الاحتفاظ ببعض الأوراق
ومنها، ورقة كتائب شهداء الأقصى. والكتائب بدورها تؤكد دائما على رمزية
عرفات ولم
تحمله مسؤولية هي حقيقة تقع على عاتقه. فوصول الساحة الفلسطينية لما هي
عليه الآن
مسؤولية عرفات أولاً. ثم الاحتلال والعوامل المحلية والإقليمية والدولية
وضعف وقلة
حيلة وغياب البرنامج الفعلي والعقلاني والحقيقي لقوى المعارضة الفلسطينية.
يقال إن
صحة الرئيس عرفات تدهورت بشكل خطير لكنه قبل ذلك قام بإجراء
تعيينات وتوقيع قرارات مصيرية، مثل تسليم مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية
للسيد
محمود عباس أبو مازن أول رئيس وزراء فلسطيني، أما مسؤولية السلطة
الفلسطينية فبحسب
الدستور يجب أن تذهب للسيد ربحي فتوح رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني.
بينما يبقى
احمد قريع أبو علاء رئيسا للوزراء. مع وجود سليم الزعنون أبو الاديب رئيس
المجلس
الوطني الفلسطيني في اللجنة الثلاثية القيادية إلى جانب قريع وعباس. وبهذا
تكون
هناك قيادة مؤلفة من هؤلاء تخلف عرفات في حال تدهور حالته أكثر أو وفاته.
لكن
السؤال المفترض طرحه الآن، أين دور المؤسسات الفلسطينية؟ مع أنه
قبل طرح هذا السؤال يجب توجيه سؤال آخر للمعنيين، هل يوجد فعلا مؤسسات
فلسطينية
؟
فاللجنة
التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت ولازالت لجنة
صورية، جسد بلا روح، بيت بلا جدران، غرفة من زجاج، شاهد زور، تقر ما يريده
الرئيس
وترفض ما لا يريده. أما المجلس الوطني الفلسطيني فقد تم الاستغناء عنه
لصالح المجلس
التشريعي مع أن الأخير لا يمثل سوى جزء معين من الشعب الفلسطيني ( في الضفة
والقطاع) وأعضاؤه تقريبا من لون واحد باستثناء حالت شاذة هنا وهناك، بينما
المجلس
الوطني الفلسطيني يمثل نسبة كبيرة جدا من الفلسطينيين وهو مجلس وطني شرعي
معترف به
جماهيريا ودوليا، يبقى التشريعي مجرد تذكار من مأساة أوسلو.
لا يوجد
مؤسسات فلسطينية فعلية تستطيع قيادة العمل بسبب النهج الذي
اتبع منذ مغامرة اوسلو الفاشلة، لذا لجأ عرفات إلى تشكيل لجنة ثلاثية فيها
السلطة
والمنظمة وفتح يعني من لون واحد هو لون اوسلو. وبهذا يكون قد تابع وهو على
فراش
الموت نفس نهجه الذي بدأه في اوسلو. وبهذا تكون مسألة الدعوة لتشكيل قيادة
وطنية
إسلامية في جبهة وحدة وطنية عريضة.
أو
إعادة الروح لمنظمة التحرير مع تجديدها وبعث الحياة فيها مسألة
غير واردة عند عرفات وأتباعه. مما يعني أن الوضع الفلسطيني سيدخل في نفق
مظلم جديد،
خاصة أن ورثة عرفات لا يتمتعون بقوته وسمعته وشعبيته وتجربته وخبرته وحنكته
ودهاؤه،
مما يعني أنهم سوف يكونوا أمام تحديات داخلية كبيرة جدا، هذا عدا عن
التحديات
الصهيونية والأمريكية والإقليمية والدولية.
لكن إذا
عملت تلك القيادة بروح مسؤولة ووطنية جماعية مرتكزة على
الوحدة الوطنية الحقيقية بعيدا عن فخ اوسلو وبوحي من الثوابت الوطنية
الفلسطينية
المجمع عليها شعبيا وفصائلياً ومقررة وموجودة في القرارات الدولية والعربية
وفي
قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية الشرعية المتعاقبة. سوف لن يكون الأمر
مريباً.
بينما
تسربت الأخبار عن تدهور حالة عرفات بشكل خطير سارع بعض قادة
السلطة الفلسطينية إلى نفي ذلك ويعود نفي تلك الأخبار لتخبطهم، حيث أنهم
أنفسهم لا
يستطيعون ومازالوا غير قادرين على استيعاب مسألة غياب عرفات عن الساحة. وهم
أنفسهم
أيضا لا يعرفون إلى أين ستسير قافلتهم في حال ذهب عرفات ولم يعد أوفي حال
خرج عرفات
من المقاطعة ولم يستطع العودة إليها في حال شفائه.
الفلسطينيون في وضع حرج وحساس، لكن الأهم من غياب عرفات هو الإبقاء
على الحضور الفلسطيني حياً والإسراع في ترتيب البيت الداخلي على أسس الوحدة
والاتفاق والتعاون ووضوح الرؤية والهدف والوسيلة، حتى لا تصاب القضية
الفلسطينية
بمرض نقص المناعة السياسي. فعرفات ليس فلسطين وفلسطين لم تكن عرفات حتى
تمرض بمرضه
أو تموت بموته.
*
نشر في
موقع قناة العربية
|