مصير الاستفتاء ، لقاءات دمشق : الأوضاع الفلسطينية الداخلية



علي بدوان
- 19/6/2006
كاتب فلسطيني / دمشق
بالرغم من الوضع الخطير الذي يعيشه الفلسطينيون في الداخل، واستمرار العدوان الاسرائيلي بصورته البشعة، فان الضغوط الاقليمية العربية قبل الأمريكية والاسرائيلية لم تتوقف على حكومة اسماعيل هنية، ولم تتوقف معها حالة الاحتكاكات الدموية على يد المجموعات المنفلتة، التي لاتخضع مباشرة للرئيس محمود عباس قدر ماتخضع لقادة الأجهزة وبعض القادة السياسيين المتورطين في اللعبة القذرة التي تمارس بهدف احداث انقلاب على الخيارات الديمقراطية الفلسطينية.
وفي هذا السياق جاءت وثيقة الأسرى، بخطوطها العامة ونقاطها المختلفة الايجابية منها والسلبية منها، مع أنها بحاجة الى حوار وتعديل وتطوير. فما هي قصة الوثيقة، وكيف انبثقت الفكرة التي أخرجتها ووضعتها على محك الصراع الفلسطيني الداخلي ؟
الوثيقة جاءت في سياق الحل الممكن بعد أن تبدى للطرفين الأمريكي والاسرائيلي صعوبة تنفيذ انقلاب مباشر على الانتخابات الفلسطينية، وصعوبة العمل على اعادة بناء الانتخابات من جديد خوفاً من أن تؤدي النتائج الجديدة الى انحياز متزايد باتجاه خيارات المقاومة المسلحة. وهو أمر حذرت منه المصادر الأمنية الاسرائيلية ومواقع القرار في الادارة الأمريكية والسيد عمر سليمان مدير المخابرات الحربية المصرية، فكان الخيار الأفضل يتلخص بالبحث عن طرق بديله، والطق البديلة جاءت بها المجموعة المحيطة بالرئيس أبو مازن وعلى رأسها ياسر عبد ربه، نبيل عمرو، قدورة فارس، محمد حوراني وآخرين، وعليه قام عبد ربه ومن داخل مكتب أبو مازن بكتابة وصياغة الوثيقة، وكلف محمد دحلان بايصالها الى مروان البرغوثي في سجن هداريم واطلاقها من قلب المعتقلات الاسرائيلية لاعطاءها مصداقية وطنية باعتبارها صادرة عن الأسرى ومن قلب سجون الاحتلال. الأمر الذي تحقق في جلسة " بلف " مطولة قادها محمد دحلان في سجن هداريم، وعاد منتشياً ليشرب مع عبد ربه والمجموعة الصهيونية نخب النجاح و " الضحك على حماس " والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية بشكل رئيسي. ومع هذا فان الأمور بدأت تتكشف تدريجياً، الأمر الذي حدا بسكان منطقة نابلس خاصة المخيمات لتهديد عبد ربه، وكتابة عبارات الوعيد على الجدران بحقه. والملفت بأن المناضل سمير القنطار عميد الأسرى العرب والفلسطينيين رفض الوثيقة من سجنه وأبلغ محمد دحلان بأن الوثيقة " مشروع فتنة داخلية فلسطينية ". بينما لم يتم اطلاع أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية الموجود في معتقل أخر.
في هذا السياق، وفي اطار الضغوط الممارسة على الرئيس محمود عباس طرح البعض عليه امكانية وقف مشاغبات فاروق القدومي واسترضاءه في الخارج ودفعه نحو اقناع باقي الفصائل لتأييد فكرة الاستفتاء على الوثيقة المذكورة، وهو ماكان من خلال الاجتماع التصالحي في تونس بين الرئيس عباس وفاروق القدومي بحضور ثمانية من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح : محمود عباس، فاروق القدومي ، أحمد عفانة (أبو المعتصم)، سليم الزعنون (أبو الأديب)، محمد غنيم (أبو ماهر)، محمد جهاد العامودي، أحمد قريع (أبو العلاء)، عباس زكي ... وفي الاجتماع المذكور قدم الرئيس عباس لفاروق القدومي كل مايريد من موازنات، وصلاحيات، وتم ابلاغه بتكريسه أمين سر لحركة فتح، وطلب منه انتظار يوم 3/7/2006 لابلاغ اللجنة المركزية لحركة فتح في اجتماعها الكامل في عمان بكل ماجرى، والتأكيد على صفة القدومي باعتباره وزيراً للخارجية (لغاية في نفس يعقوب هدفها مناكفة محمود الزهار)، وعلى هذا الأساس جرى تبليع القدومي المقالب الجديدة، فهل سيبقى " صاحياً " أم أن التكويع قد وقع ؟
المعلومات تقول بأن القدومي بالرغم من خبرته، تبلع الطعم جزئياً، وقبل ضمنياً بالعمل على اقناع الفصائل المشاركة في وقف المشاغبات وطرح موضوع " تعليق الاستفتاء "، وقبل أيضاً بمطمطة الأمور مع الفصائل في دمشق، بما في ذلك ترك الأمور المتعلقة بالحوار ومصير منظمة التحرير الفلسطينية، معلقة واحالتها للمتابعة على يد محمد أبو ميزر (أبو حاتم)، وتوكيل رئاسة المجلس الوطني بقيادة سليم الزعنون وتيسير قبعة بمتابعتها أيضاً. ولكن المتابعين للتفاصيل يشيرون بأن فاروق القدومي يتبع الآن سياسة التهدئة، ولكن الحسم بالنسبة لموضوع الاستفتاء سيكون في النهاية بيده وعندها سيقول كلمته المتوقعة " لا للاستفتاء ".
من جانب أخر، وللتخريب على حماس، والحرتقة على حركة فتح، وفي سياق لعبة مكشوفة وتبادل الأدوار، تم ايفاد أحمد قريع الى دمشق مناشداً القيادة السورية بالعمل على الاعداد لطاولة حوار وطني فلسطيني شامل، فكان جواب دمشق بأنها على مسافة واحدة من الجميع ولاتتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي وعلى استعداد لتوفير الظروف المناسبة لحوار فلسطيني شامل، وأن " لامشكلة عند الشام بحضور من يحضر من كل الفصائل " (ستة عشر فصيلاً). هذا بالرغم من قناعة المجموعة المحيطة بالرئيس أبو مازن بلا جدوى الحوار، وأن الفصائل في دمشق ليست سوى " غواصات سورية وايرانية " على حد نصيحة موفد (فاجر) بمرتبة أمين سر مجموعة يسارية فلسطينية انتهازية، والذي غادر الشام مؤخراً الى قطاع غزة في رحلة تحشيد ودعم للاستفتاء. والموفد المشار اليه أصبح الآن شخصاً غير مرغوب به من فتح قبل غيرها، وعليه طالبته قيادة فتح هناك بوقف اقامته على نفقتها والعودة من حيث آتى.
والمتابعين أيضاً للتفاصيل الفلسطينية الداخلية، وللحراكات الجارية بعد أن بدأت دمشق بالتحول الى محجة للوفود الفلسطينية العلنية وغير العلنية، الرسمية وغير الرسمية، ومنها مثلاً الزيارة والاقامة المفاجئة لـ اللواء غازي الجبالي قائد أجهزة الأمن السابق في قطاع غزة الى دمشق، يرون بأن القيادة السورية تعمل بكل أمانة على تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية، وانخاذ مسافة واحدة من الجميع قولاً وعملاً، ولكنها وحسب مصادر فلسطينية مطلعة تحتاج الى علاقة " واضحة صريحة دون لعب "، ونقل عن مصادر سورية نصيحة دمشق لحركة حماس بقبول المبادرة العربية كخطوة ضرورية في سياق كسر الحصار الأمريكي والاسرائيلي.
والشيء المثير أن أحمد قريع أثناء زيارته لسوريا، تجنب اللقاء مع الفصائل في دمشق سوى اجراءه اتصالين هاتفيين مع كل من أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية / القيادة العامة، وخالد عبد المجيد زعيم جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، بينما فاجأه رئيس مجموعة الديمقراطية في الفندق، بالرغم من شكوى الجميع من أحمد قريع بما فيهم قيادة حركة فتح، وتكرارهم للحديث الهامس بشأن دور أبو العلاء في تجارة الاسمنت في الداخل الفلسطيني.
وفي اطار تحديد الموعد المرتقب للحوار الشامل طالبت القوى الفلسطينية بتأجيل الموعد قليلاً بعد أن أنجز اللجنة التي يترأسها خالد عبد المجيد الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني الوثائق البرنامجية والتنظيمية لمشروع اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وانتظاراً الى حين التأم اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح وفق نصائح عباس زكي للقوى والفصائل.
في هذا السياق، تلاك على الألسن القيادية والكادرية الفلسطينية عند مختلف القوى، المعلومات المستقاة من محضر اللقاء المثير بين بعض قيادات فتح في غزة وموفد المجموعة اليسارية الانتهازية الى غزة، حيث أشار الموفد الفصائلي بأن مصير الحركة الاسلامية في فلسطين وتحديداً مصير حركتي حماس والجهاد لن يكون سوى فى غوانتانامو آخر في نهاية المطاف، مركزاً بأن المستقبل لتنظيمه، والعبارات ذاتها دأب على تكرارها عبر سماعة الهاتف المراقبة من قبل الموساد أثناء اتصالاته مع الداخل الفلسطيني.
ولكن أين أصبح الموفد الفصائلي، الذي أصبحت سيرته تلاك على الألسن عند عموم القوى الفلسطينية، والذي طرد من أحد الاجتماعات الفلسطينية في دمشق قبل فترة، فغادر الاجتماع ومعه مرافقه السياسي ؟
الشخص المشار اليه أصبح الآن موضع تذمر من تنظيم فتح في قطاع غزة، حيث لم يستطع أن يفعل شيئاً سوى زيادة الأعباء المالية، وعلى هذا الأساس يتوقع أن يغادر القطاع، وابلاغه من قبل البعض بأن قطاع غزة ليس بيروت الشرقية أو الغربية حتى يصول ويجول ويختبىء فيها كما كان يفعل. حتى عند أصدقاءه كعضو المجلس الحربي الكتائبي وعضو المجموعة الأمنية الكتائبية التي كان يرأسها الكتائبي غسان توما، بيار رزق (أكرم) مسؤول الأمن الخارجي لحزب الكتائب ثم القوات اللبنانية (موساد الكتائب) أثناء الحرب الأهلية الموجودين في قطاع غزة حالياً تحت اسم مزور.
وخلاصة القول، ان الرئيس محمود عباس، بشفافيته ووضوحه، بالرغم من حملة الضغوط الاقليمية العربية والدولية والاسرائيلية عليه، على قناعة تامة بأن حماية البيت الفلسطيني مسألة لاتقبل المساومة، وأن انقاذ الحوار الداخلي مهمة عاجلة أمام الفلسطينيين. وعليه فان نتائج الحراكات الفلسطينية كرست لديه التالي :
المواطن الفلسطيني في الداخل، يعيش، في ظل همين كبيرين متلازمين : أولهما الهم الوطني، هم استعادة الحقوق الوطنية، وثانيهما الهم المعيشي، هم توفير المأكل والملبس والحياة اللائقة.
هناك تراجع محدود في درجة الفساد وانتشاره مع سياسة الحزم النسبي التي يتبعها أبو مازن في معالجة القضايا المتعلقة بحياة الناس.
ان منظمة التحرير والحركة الوطنية الفلسطينية، تجد نفسها أمام تحد بالغ الخطورة، فإما أن تحافظ على ديمومتها، وتطور من أداءها الداخلي، وتعيد تجديد حيويتها وبناء مؤسساتها بشكل معتبر، مستفيدة من دروسها الثمينة، واما فان القدر سيحملها ويدفع بها نحو التقوقع والتكلس.
لابد من مشاركة الجميع في صياغة القرار، وتوجيه، وادارة دفة السفينة الفلسطينية عبر اعادة بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الواحدة الموحدة.
وعليه، فان ترجمة نتائج الحوار الفلسطينية وتفعيلها بدلاً من دورانها بين حماس وفتح، باتت مسألة ملحة، في سياق الجهود المبذولة لاعادة اللحمة الى البيت الفلسطيني. بالرغم من أن اكتمال العملية الحوارية في الداخل فقط دون الشتات مسألة غير ممكنة لأسباب كثيرة، يقف على رأسها صعوبة دخول العديد من المفاصل القيادية المعنية الى فلسطين.
أهمية الانفتاح في العلاقات الفلسطينية (سلطة ومعارضة) مع سوريا، التي تربطها بفلسطين عوامل التاريخ والجغرافيا والمصير والوطني والقومي المشترك، خصوصاً بعدما تبين للجميع ان الحلول الثنائية مع الدولة الصهيونية لم تنه الصراع، ومن هنا فان تواتر زيارات الوفود الفلسطينية الى دمشق خطوة صحيحة على سكة اعادة بناء العقد التاريخي التحالفي بين سوريا العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
يحاول أبو مازن أن يوائم في حركته بين تجنب الضغط والانزعاج المصري وبين تطوير العلاقة مع دمشق.
لايستطيع الطاقم المتأمرك المحيط بمحمود عباس أن يؤثر في مجرى الأحداث على طول الخط، فهو طاقم محروق شعبياً ومفلس جماهيرياً، وأجبن من أن يقود حروباً أهلية ضد قوى وأجنحة العمل المسلح.
يدرك محمود عباس أهمية : حماس، الجبهة الشعبية / القيادة العامة، الجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي، ولايعطي أهمية لباقي القوى. ويدرك أكثر بأن حماس منافس حقيقي لحركة فتح في غزة، في الوقت الذي تمسك فيه فتح بالضفة الغربية وتتفوق عل حماس.
ان مشكلة أبو مازن مع فاروق القدومي ستبقى معلقة، ويحاول أبو مازن التخفيف منها بالرغم من منحه للقدومي صلاحيات كبيرة لها علاقة بالصرف المالي لحركة فتح ودوائر المنظمة.
ان الاتجاه المرئي للأحداث يشير ـ وبغض النظر عن تركيبة القيادة الفلسطينية ـ إلى أن التفاعلات على الأرض ستستمر على جبهة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لسنوات قادمة خاصة مع صمود تيارات التطرف داخل الدولة العبرية الصهيونية، وبحكم كون هذا المسار يشكل خلاصة لقضايا وعناوين الصراع الرئيسية في الشرق الأوسط، وهي عملية لا تحكمها الفهلوة والبراعة في التفاوض، بقدر ما تحكمها القدرة على إحداث تغييرات وتفعيلات في الأجواء وعلى الأرض وفي المحيطيـن الإقليمي (العربي) والعالمي، وقبل ذلك في الإطار الفلسطيني من خلال إعادة ترتيب الوضع الداخلي على قاعدة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
تحدي المرحلة الجديدة بالنسبة لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية الجديدة، تحد بالغ الخطورة وعميق الأثر على مستقبل الشعب الفلسطيني لسنوات طويلة قادمة، ويطرح عليها دوراً مرتقباً تتصدره جملة من المهام . فبين التصور الإسرائيلي ( الأميركي ) لحل يمكن أن يرسم وينجز على أساس تقسيم الأرض المحتلة عام 1967 وضم اكثر من نصفها إلى الدولة العبرية الإسرائيلية ( 58 % حسب الاقتراحات الأخيرة المقدمة من شارون للحل الدائم ) وإدامة التبعية الفلسطينية، اقتصادياً وأمنياً، لدولة الاحتلال، وبين الحل الذي يمكن أن يحوز على قبول غالبية كبيرة من الشعب الفلسطيني، أن لم تكن غالبية ساحقة بون شاسع.
التحدي سيحسم الخيار … بين مشروع "خطة الطريق" بالصيغة الأساسية التي قدمتها واشنطن دون إدخال التعديلات المقدمة فلسطينياً، وعربياً، ودولياً من باقي أعضاء اللجنة الرباعية ( الكفارتيت) ـ الصيغة التي تؤسس لـ " كامب ديفيد 3 " ممسوخ ومقزم بطبعة أمريكية وإسرائيلية لا علاقة لها بحلول الشرعية الدولية ينتظر الفلسطيني ـ وبين حل يراعي المصالح والأهداف الوطنية في هذه المرحلة التاريخية مستنداً إلى الحل الوسط القائم على المرجعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، بما في ذلك استحضار القرار 194 الخاص بحق اللاجئين في العودة …

 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع