ماشي الحال
بقلم:عدلي صادق
ليس صحيحاً ما قاله رئيس المجلس التشريعي، أن كل "زميل" من أعضاء مجلسه،
منذ الـ 96 وحتى الآن، كان كفاءة وزارية وسياسة وإدارية، وأنهم أعطوا للوطن
على حساب المجلس. وليت المادة 82 من القانون الأساسي، كانت حاضرة، قبل أن
يبدأ السادة أعضاء المجلس الموقر، استوزارهم، ليكون الفارق واضحاً بين
أحوالهم المادية آنذاك، وأحوالهم اليوم، هم وأولادهم وأحبابهم وشركاؤهم.
فقد بات يتعين، وفق هذه المادة، أن يتقدم كلٌ منهم، بإقرار بالذمة المالية،
الخاصة به وبزوجته وبأولاده القُصّر، مفصلاً فيه كل ما يملك، من عقارات
ومنقولات، وأسهم، وسندات، وأموال نقدية، داخل فلسطين وخارجها!
من حق كل إنسان، أن يجامل من يريد، لكن مهمة رئيس المجلس، ومجاملته التي في
غير محلها، في جلسة رسمية، تُقاس بالمعيار التاريخي، ولا تكون لصالحه، ولا
لصالح الحقيقة. فقد أضر عدد كبير من الوزراء السابقين، من أعضاء المجلس،
بفلسطين وبسمعتها وبمقدراتها. بل لعل أخفّهم وطأة وفساداً، تراكم له من
فلسطين، من خلال أبواب الرواتب، له وللأبناء وللزوجة، ومن خلال المهمات
والموازنات والمساعدات، ومقتطعات الأراضي، أضعاف ما تراكم لرئيس مجموعة
سوني اليابانية. ولماذا نبتعد، فقد جرى تثبيت الراتب الطبيعي، لعضو المجلس
التشريعي، بمبلغ أتحدى أن يوجد مثله ـ صافياً بدون ضرائب ـ في النصف الشرقي
من خط غرينتش، بكل بلدانه الهانئة، إن لم يكن في بلدان العالم أجمع، على
جانبي الخط. أما الوزير الذي يقفز بالشاب الصغير، أو بالفتاة، من الدرجة
الخامسة أو السادسة، الى درجة المدير العام، فإنه يمثل كفاءة وزارية مضادة،
تستبيح المقدرات، والسمعة والوئام الاجتماعي، في بلد يدخل الى سوق العمل
فيه، سنوياً، ثلاثون ألف شاب وفتاة!
* * *
لا نود الإفاضة أكثر، فأخي العزيز روحي فتّوح (أبو وسام) يعرف الحقيقة
والكثير من تفصيلاتها، وما اعتراضنا، إلا على محاولة نسف فكرة التغيير،
واستبدالها بفكرة منحوتة، قوامها أن المجلس استرد أعضاءه وقواه، لكي لا
يذهب جهدهم "الحميد" في غير موضعه. ولا حاجة لأن نخترع فقهاً أو اجتهاداً
تشريعياً، نقول فيه، إن القوانين التي سنها المجلس التشريعي، لم تكن سترى
النور، لو لم يكن هناك في المجلس، من لم يستوزر، لتختلط عوامل كثيرة، من
بينها الحنق، مع الرغبة لدى من لم يحالفهم الحظ، في ممارسة الفعل المضاد،
لأفعال الذين حالفهم هذا الحظ بالاستوزار، وهم الذين وجدوا أنفسهم أمام
مهمتهم الأصلية وجهاً لوجه. وكان من أكثر النواب نشاطاً في مجال سن
القوانين الكابحة، البعض ممن فقدوا حقائبهم في فترة معينة، ليصبوا جام
غضبهم، في صورة جموح طاغٍ، لإصدار قوانين، أو للاعتراض على أحوال!
* * *
الحكومة التي نالت الثقة، ممتازة، ليس قياساً على معيار التكنوقراط، ولكن
قياساً على البلاوي التي كرهنا حياتنا من جرّائها، والتي فضحتنا عند خلق
الله. وقد عددّنا أمس الأول، منافع أن تكون كل حكومة مقبلة، من خارج المجلس
التشريعي، ونكرر: ممارسة الفصل الحقيقي بين السلطات، نحن أحوج من غيرنا
اليه. سد الأفق في وجه المستوزرين، لكي يتحرر المجلس من عوامل التمحور
والشللية والتساند، في سياق تفاعلات الاستوزار. تعميق إحساس المجلس
بواجباته الرقابية والتشريعية، للتمرس فيها. تخفيف حدة الاندفاع للترشح
للتشريعي المقبل، باعتبار أن المهمة غير موصلة للحقيبة الوزارية، وباعتبار
أنها تشريعية تحتاج الى كفاءة وثقافة نوعية، وهي تحدٍ معرفي وقانوني
ومجتمعي، وليست مغنماً وعرساً للوجاهة. جعل أية حكومة تقف كالألف، أمام
المؤسسة التشريعية، لكي تُحاسب على أدائها، وزيراًً وزيراً، دون أن تكون
عضوية المجلس ـ مثلما اتخذها البعض ـ حماية ودرعاً، حتى ضد تبرم المجتمع
واحتجاجه. فقد امتلك البعض، بجاحة عجيبة، وكان في كل مرة، يفرض نفسه، لأنه
من "التشريعي"!
نؤيد الحكومة الجديدة، ونطمح الى أن تبدأ مأثرتها الصعبة. فالركام ثقيل،
والمدة الزمنية قصيرة، والتحديات عسيرة!
www.adlisadek.com
|