فتح مشاكل انتخابية أم نهاية حركة سياسية

مهيب النواتي

ما يحدث في أروقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " أمر يستحق القراءة وإمعان النظر, لان هذه الحركة التي قادت النضال الفلسطيني منذ عام 1965 تحت راية الكفاح المسلح بعد هزائم الأمة العربية المتكررة في حروبها مع إسرائيل منذ عام 1948 باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
ما حدث في الانتخابات الداخلية لحركة فتح " البرايمرز " خلال الأيام الماضية مؤشرات هامة لهذا الانهيار, و ليس من الصحيح تصنيفه ضمن جولات ما يسمى بالصراع بين الحرس القديم والجديد, أو نتيجة حتمية لتدافع الأجيال ورغبة عدد كبير من قيادات الحركة الشباب في إيجاد مكان لهم ضمن الأطر القيادية العليا للحركة مثل اللجنة المركزية أو المجلس الثوري.

مؤشرات داخلية للانهيار:
ما يحدث في حركة فتح من خلافات حادة أدت إلى إلغاء هذه الانتخابات الداخلية في معظم المناطق الانتخابية لقطاع غزة, وتخريبها في عدد آخر من مناطق الضفة الغربية وأقاليمها الحركية, والاتهامات التي صاحبت هذه الانتخابات بالتزوير أو التدخل من قبل مجموعات مسلحة أو أفراد ذوي نفوذ, إنما تعطي نتيجة واحدة هي أن هذه الحركة لم يعد لها قيادة قادرة على تسيير دفتها. والشواهد على فقدان هذه القيادة قدرتها على إدارة أمور الحركة كثيرة, تبدء من خلافات قطبي الحركة الأساسيين الرئيس الفلسطيني أبو مازن ورئيس الحركة فاروق القدومي, مرورا باتخاذ قرارات رئاسية مثل عدم مشاركة العسكريين الحركيين العاملين في السلطة الفلسطينية في هذه الانتخابات الداخلية ثم تغييب هذا القرار وعدم التعامل معه, وانتهاء بعدم وجود هيكل تنظيمي صحيح قادر على إدارة دفة الحركة وفقا للائحة الداخلية للحركة أو وفقا لنظامها الأساسي, الذي من المفروض انه هو الذي يحدد علاقات الأفراد والقيادة ببعضها البعض كما انه من المفروض أن يحدد أعضاء الحركة ومنسبيها. هذا الأمر الذي غاب ضمن سياسية التحشيد التي عُمِلَ بها أثناء إعداد قوائم أعضاء الحركة ومنتسبيها للانتخابات الداخلية.
حركة فتح التي تشهد منافسة حقيقية من قبل فصائل فلسطينية لم تشارك في الانتخابات الفلسطينية السابقة خاصة حركة حماس التي أعدت نفسها جيدا لهذه الانتخابات, باتت على شفا حفرة من خسرانها لمقاعد الأغلبية في البرلمان الفلسطيني المزمع إجراء انتخاباته في 25 يناير القادم , فالانتخابات الداخلية للحركة " البرايمرز " والتي اعتبرها بعض قادة الحركة المنقذ الوحيد للحركة نتيجة لفرز مرشحين بشكل ديموقراطي سيمنحوا نتيجة لذلك دعم وتأييد جمهور الحركة العريض, هذه " البرايمز " باتت ذلك الكابوس الذي سيقض مضجع الحركة ويقودها إلى الهاوية. وقد اشرنا لذلك مسبقا وقلنا في كتابات سابقة أن هذه البرايمرز قد تكون مثل " بروسترويكا غورباتشوف " التي أطاحت بالاتحاد السوفييتي رغم أن نواياها قد تكون صادقة وهادفة إلى إخراج الاتحاد السوفييتي من أزمته في ذلك الوقت.
تصميم دولي على إنهاء الحركة :
قد لا تكون مشاكل فتح القيادية و خلافاتها الداخلية هي ما سينذر بأفول نجم هذه الحركة فقط , إذ أن مؤشرات كثيرة تدلل على أن حركة فتح لم يعد بقائها مرغوبا لدى عدد كبير من القوى الإقليمية والدولية, ذلك لان هذه الحركة التي تأسست على الكفاح المسلح لم تستطع التخلي عن هذا الخيار حتى بعد أن غيرت بعض بنود ميثاقها الذي كان ينادي بفلسطين من البحر إلى النهر, وحتى بعد أن وقعت اتفاقية سلام مع العدو في اوسلوا, وحتى بعد أن أصبحت سلطة وطنية فلسطينية كانت في وقت من الأوقات على أعتاب أن تصبح دولة فلسطينية. فحركة فتح في كل أزماتها التي مرت بها سواء مع المحتل أو مع القوى الخارجية أو في خلافاتها الداخلية كانت تواجه أزماتها هذه أو تصدرها عبر إعادة الكفاح المسلح, الأمر الذي لم يعد ينفع مع حركة أريد ترويضها لتقود عملية التسوية للقضية الفلسطينية.
وكما لم يعد ممكنا أن يتم استقبال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في البيت الأبيض في ظل وجود مجموعات مسلحة لفتح وغيرها تنفذ عمليات داخل إسرائيل, فانه أيضا لم يعد مقبولا للقيادة الفلسطينية " وهي قيادة فتح " أن تتحدث عن مطالب واحتياجات الدولة الفلسطينية في ظل وجود عدم سيطرة من قبل هذه الحركة ليس فقط على العناصر المسلحة للفصائل الفلسطينية الأخرى بل على مجموعاتها المسلحة أيضا.
إن ما تمر به حركة فتح, أمور قد لا يضعها البعض في أطرها الصحيحة لإمكانية إيجاد مبررات كثيرة لما يحدث داخل الحركة, لكن ناقوس الخطر الذي بدء يدق قد لا يتوقف إلا بعد حدوث ذلك التغيير الكبير ليس فقط في الخارطة السياسية الفلسطينية إنما في الخارطة السياسية للمنطقة كلها, فما بات واضحا للعين أن خيارات تقليم أظافر الأنظمة العربية أو حتى الإطاحة بها إنما يأتي وفقا لنظرية " الإزاحة والإحلال " وهي النظرية التي تفترض وجود البديل دائما لما سيتم إزاحته أو الإطاحة به.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع