*المنطق سعادة


سوسن البرغوتي
-23/6/2006

يعتقد رئيس تحرير صحيفة حياتنا الصادرة في رام الله المحتلة، أن لو توقف المقاتلون عن استخدام الصواريخ "البدائية" سيتوقف القتل اليومي عنهم.ومنذ متى كان هناك توازن في القوة بين جيش غاز وبين شعب مغزي؟!.

نعم ربما ليس للصواريخ الفلسطينية الفعل المرجو منها لكنها عين تقابل مخرز أيها المحلل الكبير..وما هو المطلوب من الشعب الفلسطيني.؟ أن يستسلم مثلاً..! أم ننضوي تحت راية اللا انتماء.؟
وها هي الأقلام تتساقط وتتأرجح وتتلون حسب المناسبة والمقام، فنجد بعضها تارة مع تصحيح الوضع القائم بعقلانية وموضوعية، وتارة تعود سيرتها الأولى.

ربما يذكر صاحب المقال انتفاضة الفلسطينيين التي سميت بانتفاضة الحجر قبل سنوات، والتي أقلقت وأرقت الصهاينة، ولم تكن بمدافع ولا بصواريخ، وعندما انطلقت الانتفاضة الثانية واستخدمت الأسلحة الخفيفة والبدائية أرغمت "إسرائيل" على الالتفات لمطالب المقاومة، وكان أن دخلت السلطة.
ثورات الشعوب لا تقاس بالتوازن في القوة بل بالصمود على حق وعدل وتاريخ لا بد يصحح المسيرة والتوجه، والإرادة هي الفيصل.

حافظ البرغوثي، ولا أعرف سبباً في تأرجح قلمه، وهو رئيس تحرير صحيفة حياتنا الصادرة برام الله، والمدعومة من السيد نبيل عمرو، وخطها السلطوي واضح. وقلمه العابر والمسافر دائماً بين رام الله ودول الخليج، إلا أننا لم نحظ منه ومن قلمه لفظة حق في مسألة مبدئية، فإن رجحت كفة الحوار الوطني، نجد إيقاع كتاباته هادئ ينشد الوحدة الوطنية، وإن لاح بالأفق سطوة السلطة والتصريحات النارية لقادتها، امتشق سلاحه وراح يسخر من سلاح المقاومة، ولا يرى بها أي جدوى سوى طلقات صوتية.!
فكيف يرى رئيس التحرير وسيلة استمرار المقاومة، هذا إذا كان مؤمناً أصلاً بالمقاومة!؟.

لقد غاب عن ذهن الكاتب أن فلسطين واقعة تحت سطوة احتلال، وهي ليست كوريا الشمالية ولا إيران!. ليأتي ببرهان على أن تلك الصواريخ ذات الصدمة الصوتية الموجهة للعدو، لم تحرك جفناً للعدو، وأنها تقتل من شعبنا أكثر.
حسبك لا تغالي يا صاحب القلم الذي بات مكشوفاً، فأي طلقة حتى ولو كانت من بندقية صيد، لها مدلولات أبعد من أن يستوعبها فكر صحفي مبرمج لعرقلة ما يمكن إنقاذه بعد أوسلو ومشتقاتها، وأن المقاومة قائمة وصامدة.

الأضرار لا تقاس بالزمن الآني، إنما هي تراكمات، وعلى أساسها نستطيع أن نوصل العالم إلى نتيجة واحدة مفادها أن لن يموت حق وراءه مطالب، أم أن حتى تلك المقولة تجبّها شخصنة المصالح وكلام على ورق؟!

المقاومة في ظل احتلال بلا دولة ولا سيادة هي النضال الوحيد المشروع، وهي رد الفعل تجاه فعل العنف والإرهاب الحقيقي "الإسرائيلي" اليومي والمبرمج.

كثرت مآسينا وجراحنا تنزف ومقابرنا امتلأت، والجوعى محاصرون، والأستاذ المخضرم ما يزال يحث القيادة الوطنية عن التخلي عن السلاح، بل ويسخر بفجاجة من فعل المقاومة أصلاً ويجد في سخريته ميداناً ليطرب هو ومن يواليه.

فهل نفهم بأن المراد نزع سلاح المقاومة والعودة إلى الحوار الفلسطيني- الفلسطيني بقبول عرض واحد لا ثاني له.؟ إما المفاوضات الاستسلامية وبشروط "إسرائيلية"، وإلا فالهلاك والتجويع للفلسطينيين، والأهل في الشتات يُسلب منهم حقهم في كونهم فلسطينيين!.

اللجوء إلى طاولة الركوع من أجل الفتات، ليست من شيم شعب ناضل وكافح وشُرد في أنحاء المعمورة. فمبدأ الربح والخسارة هو مبدأ تجاري بحت، ولكن الورقة الوطنية الأقوى، هي منطق القوة، وهي اللغة التي لا يفهم سواها العالم المنحاز ومجتمع الكيان الصهيوني.
عندما نحصل على دولة مستقلة صاحبة سيادة حقيقية، نخطط لخيارات استراتيجية أخرى، ولن يحدث بغير عطاءات الشعب. منذ متى كان يقدم التحرير والحرية للشعوب المظلومة على طبق من ذهب، أو من خلال استجداء المحتل بالعودة لمفاوضات لم تصل بنا إلا إلى مزيد من التفتيت؟.
فهل أقر الغاصب بعروبة القدس وبعودتها عاصمة لنا، وهل تعطف ومنّ بتحرير غزة وأريحا، وهل أعترف بنا كشعب لنا الحق في الحياة الحرة، وهل تنازل عن لاءاته الشهيرة؟..

فإن أصابنا خداع البصيرة، فالبصر أقوى وأشد حكماً على ما حدث ويحدث يومياً من غارات صهيونية على غزة، واختطاف مقاومين من المدن الفلسطينية بتعاون الأمن الوقائي الفلسطيني مع قوات الاحتلال.

المقاوم الذي يضحي بروحه من أجل حريته وتحرره يدرك تماماً أن صوت المقاومة لن يخمد، وأنه ليس معنياً بأصحاب الحناجر العالية. والفئران والوطاويط تهجر جحورها عند بادرة خطر، لكن العصافير تقاتل النسور دفاعاً عن أعشاشها.


هو عهد يصر عليه شعبنا بتضحياته قديماً وحديثاً ومنذ أن حيكت عليه المؤامرات من الداخل والخارج، ويواصل التصدي بكل سلاح ممكن فقد امتلئ العالم بنواح الثكلى والأرامل واليتامى ولم يتحقق شيء من العدل.

على العالم أن يذعن عاجلاً أم آجلاً إلى صوت انتفاضة شعب مجرد من كل وسيلة للدفاع عن حقه في الحياة، ولا يقبل نهج التفاوض والتنازل، بل يسعى إلى حياة تليق بكرامته وكبريائه.

وكم صدق الشاعر حين قال:
 

كسروا الأقلام هل تكسيرها             يمنع الألسن أن تنطق جهرا

اقطعوا الألسن هل تقطيعها            يمنع الأنفاس أن تخرج زفرا

اكتموا الأنفاس هذا جهدكم               وبه منجاتنا منكم.. فشكرا


*ردا على مقالة "مدفع حمص" للكاتب حافظ البرغوثي الصادرة بتاريخ 22/6/2006 في صحيفة حياتنا برام الله المحتلة

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع