من يحتاج دولة فلسطينية؟
حسن البطل

في عقل شارون، وقلبه وحساباته، ان يدفع بنا الى "خيبة ثالثة"
فلسطينية، تكون هي قاصمة الظهر. لماذا خيبة ثالثة؟ كانت "العودة" هي الحلم
الفلسطيني، ولم تكن الدولة هي مطلب جموع الفلسطينيين. طبعاً، "التحرير" كان
هو
الحلم الفلسطيني المواكب لحلم العودة. اعتقد، في ذاكرتي، ان نقطة انكسار
الرهان
الفلسطيني على حلم "التحرير" القومي لأرض فلسطين، كانت في العام 1926، او
في العام
1963 (لا
أذكر) عندما صارح الرئيس عبد الناصر، رحمه الله، شخصيات غزة ورجالاتها،
وهو تحت وطأة الانفصال السوري 1961 عن الوحدة مع مصر، بالآتي: "من يقول لكم
ان لدى
جمال عبد الناصر خطة لتحرير فلسطين، لا يقول لكم الحقيقة. الحقيقة هي: ليس
لديّ
الاستراتيجية ولا خطة لتحرير فلسطين. عليكم الاعتماد على انفسكم". بعدما
اعتمد
الفلسطينيون على انفسهم، كوفئوا بعبارة مديح اخرى ناصرية، وهي "المقاومة
الفلسطينية
انبل ظاهرة انجبتها الأمة العربية بعد نكسة حزيران". "الظاهرة الأنبل"
ستخوض امتحان
ماوتسي تونغ، الذي قال: "الثورة ليست عملية نبيلة ورومانسية. انها تجربة
قاسية،
دامية، مؤلمة.. وقد تكون ملأى بالاحباطات والويلات والخيبات، واحياناً
بالهزائم".
سينتظر الفلسطينيون صدمة قومية اخرى بعد صدمة حزيران 1967، وتنشب حرب
اكتوبر 1973
وتنتهي ليكتشفوا قصور البرنامج القومي والقدرة القومية عن "تحرير الاراضي
العربية
المحتلة" بغير عملية سياسية لا علاقة لها بشعارات الخرطوم: "لا صلح، لا
اعتراف، لا
تفاوض". ستنتظر دمشق حتى هذا العام لتتخلى عن شعارات الخرطوم. "حلم يقظة"
اسمه
"الدولة
الديمقراطية العلمانية" في ارض فلسطين، سيكون اول الصحوة الفلسطينية من
خيبة برنامج "التحرير القومي". اما الصحوة الحقيقية فستبدأ مع برنامج
الكيانية
الفلسطينية في شكله الجنيني المسمى "السلطة الوطنية - برنامج النقاط العشر"
.1974
كانت الحركة الفدائية فاضلة - مناضلة، ثم صارت م.ت.ف مناضلة - فاضلة،
وعندما تأسست
"السلطة
الوطنية الفلسطينية"، بعد عشرين عاماً من "البرنامج المرحلي" العام 4791،
اختلطت صفة المناضلة بالفاضلة.. وبدأ حديث عن "الفساد".. كأننا لم نزرعه في
بستان
ورود الحركة الفدائية، ولم نغرس شوكه في حديقة "ديمقراطية غابة البنادق".
لا تستطيع
هذه السلطة ان تكون الشيء ونقيضه: النضالية والفضيلة. الشعار المبدئي
والاضطرار
العملي لدخول اللعبة السياسية الصعبة.. وأحياناً "الوسخة". صارت الدولة
الفلسطينية،
منذ العام 1998 هي المطلب وهي "الرهان" الكبير. لم نعد نحلم بحق العودة
حلماً
جميلاً، ولم نعد نرجو تحرير يافا وحيفا في حياتنا وحياة احفادنا.. ولا
نستطيع ترك
الدولة الفلسطينية لمناكب الاجيال الصاعدة والقادمة. مع ذلك، صارت السلطة
اخطر من
المنظمة على اسرائيل، والمنظمة اخطر سياسياً عليها من حركة فدائية يتولى
السيف
العربي قطع رقبتها كلما طالت. وصارت الكيانية الفلسطينية تحمل شيئاً من
ممكن:
العودة، وممكن التحرير، وممكن الدولة. مجموع ذلك حكم ذاتي لا يرضي
الفلسطينيين ولا
الاسرائيليين. المفاجأة، ان الخلاف حول الدولة الفلسطينية تم حسمه، جزئياً،
في
الساحة الفلسطينية .. لكنه صار موضوعاً حاسماً في اسرائيل. هناك من يرى
الدولة
الفلسطينية خلاصاً لاسرائيل، وعاملاً مساعداً على بلورة الهوية اليهودية،
وبلورة
وطنية اسرائيلية؛ وهناك من يرى في الدولة الفلسطينية خطراً أمنياً وسياسياً
لا يمكن
احتماله. بين الجغرافيا والديموغرافيا والسياسة، عادت اسرائيل الى الخيار
الديني.
ربما علينا ان نضع في اعتبارنا "خيبة ثالثة" وهي تأجيل الدولة الفلسطينية،
الى ان
تنشب "حرب" بين "دولة يهودا" و "دولة اسرائيل"، او يحكم اسرائيل رجل له
حكمة اشعيا،
الذي لم يكن يعارض زواج اليهودي بغير اليهودي.. يعني: دولة مشتركة بصورة او
بأخرى.
الفلسطينيون تحملوا فوضاهم، الى ان رموا اسرائيل في بدايات فوضاها.. وسنرى
هل تتحمل
اسرائيل شبه - كيان في غزة وشبه - حكم ذاتي في الضفة عشر سنوات مثلاً؟ لا
تضيف دولة
فلسطينية شيئاً استراتيجياً للعالم العربي، ولكنها تفعل ذلك للسلام
الاقليمي
والعالمي، وتضيف شيئاً لدعاة "دولة يهودية ديمقراطية".. وشيئاً معاكساً
لدعاة "ارض
اسرائيل". امتص الفلسطينيون خيبة التحرير وخيبة العودة، ويمكنهم ان
يتعايشوا عشر
سنوات، مع خيبة الدولة.. الى ان يحسم الاسرائيليون فوضاهم. الدولة
الفلسطينية او
فوضى في اسرائيل؟
|