مخاوف من انفصال عباس بحكم الضفة و"حماس" بحكم القطاع
عبر عنها في حلقة نقاشية حول تنازع الصلاحيات


عمان ـ شاكر الجوهري:
17/4/2006

أكد خبراء سياسيون في القضية الفلسطينية على أهمية عدم المبالغة في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني, جراء تنازع الصلاحيات بين محمود عباس رئيس السلطة, والحكومة الجديدة برئاسة اسماعيل هنية أحد قادة "حماس" السياسيين, فيما حذروا من احتمالات أن يؤدي تفاقم الصراع الى اقرار الأمر الواقع لتبقى رئاسة السلطة في الضفة الغربية, والحكومة في غزة مما يدفع الى بناء كيانين منفصلين ليرتبط كل طرف منهما مستقبلا مع طرف عربي وفق بعض المخططات, وذلك في اشارة الى الأردن ومصر.
واعتبر المشاركون في حلقة نقاشية بعنوان "مسألة الديمقراطية الفلسطينية في ظل تنازع الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة, نظمها مركز دراسات الشرق الأوسط, أن اقطابا في "فتح" يعمدون الى استعار الخلاف بين الرئاسة والحكومة بهدف عرقلة فتح الحكومة لملفات الفساد الذي تورطوا فيه.
شارك في الحلقة النقاشية كل من أ. د. أحمد نوفل (أستاذ العلوم السياسية، جامعة اليرموك). أ. د. نظام بركات (أستاذ العلوم السياسية، جامعة اليرموك)، د. صبري سميرة (أستاذ العلوم السياسية)، أ عبد الله الحراحشة (محامي)، أ. حسام حوراني (محامي)، أ. ناصر شديد (مدير مكتب قناة أبو ظبي- عمان)، أ. حسن حيدر (مدير مكتب قدس برس- عمان)، أ. جواد الحمد (مدير مركز دراسات الشرق الأوسط)، أ. سمير الشمايلة (باحث متعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط)، أ. عبد الحميد الكيالي (باحث في مركز دراسات الشرق الأوسط).
وتناولت الحلقة الموضوع وفق ثلاثة محاور رئيسة، أولها: مظاهر الأزمة ودوافعها وأسبابها، وثانيها: مرجعية القانون الأساسي الحاكمة لحل التنازع، وأخيراً: مستقبل الأزمة واتجاهات وخيارات الحل لدى الطرفين.
وكانت الدراسات السابقة أشارت إلى أن الوضع الفلسطيني يتنامى على صعيد استكمال البنية السياسية منذ سنة ونصف، ولُوحظ أن ثمة إشكالية بدت في الساحة، تتعلق بصلاحيات الرئاسة
والحكومة، في أعقاب فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتشكيلها للحكومة الفلسطينية. وفي لحظة لم تستقر فيها بعد مخرجات العملية الديمقراطية, التي تعد الأولى من نوعها في الساحة العربية، ما أثار تساؤلات جوهرية حول مستقبل الديمقراطية الفلسطينية في حال تفاقم هذا التنازع.
وقد أكد المشاركون في افتتاح أعمال الحلقة على أهمية عدم المبالغة في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني، وتنازع الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة، وذلك نظراً لظروف القضية الفلسطينية التي لا تسمح بتفاقم هذا النوع من النزاع والاستقطاب بين الطرفين، ولأن الرابح الأكبر من تأزم الوضع الفلسطيني في المحصلة هو الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أُثيرت في الحلقة مسألة تنازع الصلاحيات الرئيسة، من خلال إلحاق رئيسُ السلطة بعضَ الصلاحيات والمؤسسات بمكتبه، مما يعد أجهزةً اداريةً وتنفيذيةً، كالمخابرات العامة، وإدارة المعابر، وتعيين مدير الأمن الداخلي، والإعلام، وصندوق الاستثمار، وغيرها... كما أشار البعض إلى أن نقاط الخلاف الجوهرية بين الطرفين تركزت أساساً على المطالب الأميركية والإسرائيلية، مثل وقف المقاومة واعتماد التفاوض المباشر، والاعتراف بإسرائيل والإلتزام بالاتفاقات الموقعة سابقاً مع اسرائيل.
وشدد المشاركون على أن تناول "صلاحيات" الرئاسة والحكومة يتم في ظل احتلال يشكل السقف الأعلى للسلطة بشقيها في الأراضي الفلسطينية، من خلال تحكمه بالأرض والمعابر والموارد، والمقدرات... إلخ، ولكنهم أكدوا أن هذه المناقشات قد تشكل مرجعيةً مساعدةً للمحافظة على مستقبل القضية والنظام السياسي الفلسطيني، في حال زوال الإحتلال، ولحل التنازع القائم اليوم حسب القانون الفلسطيني وميزان القوى الداخلي.
وأشار المشاركون إلى أن ثمة ممارسات صدرت بطريقة غير مسئولة من قبل مسئولين كبار في حركة "فتح"، حتى تورطت الرئاسة ببعضها, كما ورد عبر المراسيم الرئاسية، وغيرها. وتأتي معظمها خارج القانون الأساسي للسلطة.
وفي تناولهم لأسباب ودوافع تنازع الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة, أكد المشاركون على أن مسألة اختلاف البرامج السياسية بين الحكومة (برنامج حركة "حماس" المبني على أساس المقاومة ورفع سقف المطالب الفلسطينية ومحاربة الفساد)، وبين الرئاسة (برنامج منظمة التحرير الفلسطينية المبني على أساس المفاوضات باعتبارها السبيل الوحيد لتحصيل الحقوق الفلسطينية) تشكل سبباً رئيساً في "الأزمة" الحالية.
وفي السياق ذاته أشار المشاركون إلى أن اقطاباً مؤثرةً في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" يبدو أنها لم تتقبل بعد فكرة تداول السلطة، وانتقال السلطة من يدها إلى طرف فلسطيني معارض ممثلاً بحركة "حماس"، وعليه فإن هذه الأقطاب تتعامل مع الوضع الفلسطيني في ظل هذه الأجواء النفسية الرافضة لنتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة بشكل عملي، وإن سلَّمت بها من الناحية الشكلية، خاصةً ما يتعلق بالحكومة وإدارة كادرها الذي غلب عليها الانتماء لتنظيم حركة "فتح"، وذلك لأن ايديولوجية "فتح" تاريخيا لا تقبل الخسارة في السباق السياسي الفلسطيني.
وأشار المشاركون إلى أن الكثير من أقطاب حركة "فتح" في السلطة يخشى من فتح ملفات الفساد السياسي والمالي من قِبَل الحكومة الجديدة بقيادة "حماس"، ولذلك فهي تعمل على إعاقة فتح مثل هذه الملفات من خلال افتعال النزاعات الداخلية بين الرئاسة والحكومة، وسحب بعض صلاحيات الحكومة لصالح الرئاسة، اضافةً إلى اجراءات الإعاقة الأخرى لعمل الوزراء والتشويش عليهم.
ويأتي ذلك مدعوماً من قبل أطراف دولية وعربية لتوسيع صلاحيات الرئاسة على حساب الحكومة الفلسطينية لأغراض أخرى تتعلق بالضغط على الحكومة الجديدة لتقديم تنازلات سياسية واسعة تخضع السلطة في النهاية للتسوية المنبثقة عن اللجنة الرباعية وخارطة الطريق، حيث أن ذلك يتناقض مع برنامج حركة "حماس" التي نجحت في الانتخابات على أساسه, مما يهدد وضعها الشعبي والجماهيري. مع التذكير بأن هذا الإتجاه والإجراءات تتناقض مع ما كانت تدعو إليه هذه الأطراف في فترة حكم رئيس السلطة السابق ياسر عرفات من ضرورة توسيع صلاحيات الحكومة التي ترأسها أبو مازن ذاته. كما أكد المشاركون على أن هذا النوع من التنازع يتخذ كذلك طابعاً مصلحياً يتعلق بتوجهات اجتماعية، واقتصادية قد لا تتوافق بين حركتي "فتح" و"حماس". وأشار بعض المشاركين إلى أن تنازع الصلاحيات يتناسب عكسيا مع علاقات حماس الدولية، حيث تستغل بعض الأطراف الفلسطينية اشكالات "حماس" الدولية للتغول على صلاحيات الحكومة بحجة المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
وأشار المشاركون إلى أن الإشكاليات القائمة تشير إلى توجهات لدى بعض الأطراف لإفشال حركة "حماس" في امتحان قيادة الحكومة ومواجهة حاجات المجتمع بعد نجاحها الواسع في امتحان المعارضة والمقاومة، خاصةً وأن ذلك يتوافق مع ضغوط وحصار اقتصادي من قبل الولايات المتحدة، وبعض دول الإتحاد الأوروبي، وذلك من خلال تأزيم علاقة الرئاسة بالحكومة وشغلها بما يمكن تسميته "بإطفاء الحرائق اليومية" عن تنفيذ برنامجها الأساسي للقيام بشئون الشعب الفلسطيني من جهة، وتنفيذ رؤيتها السياسية إزاء القضية الفلسطينية من جهة أخرى، آخذةً بعين الاعتبار أن السلطة لا تملك مقومات اقتصادية مستقلة كافية، وإنما تعتمد على الإقتصاد الريعي القائم على المساعدات الخارجية، ما يجعل تأثير مثل هذه التوجهات والإجراءات بليغاً في حال استمراره ونجاحه.
وفي تناولهم للمحور الثاني من الحلقة حول "مرجعية القانون الأساسي الحاكمة لحل التنازع" أوضح المشاركون بأن السلطة الفلسطينية, أو بالأحرى "الكيان الفلسطيني", يفتقر إلى التحديد القانوني دولياً فيما يتعلق بالدولة ذات السيادة (شعب وإقليم وسلطة)، ذلك أن الأرض الفلسطينية تخضع للإحتلال، والشعب غير مفصول عن غيره، والسلطة لا تُمَارس بتشكيلاتها الثلاثة…
في أعقاب اتفاقات أوسلو بدا أن النظام السياسي الفلسطيني هو نظام رئاسي دون رئيس وزراء، ثم تم الفصل تحت الضغوط الدولية، وأصبح هناك رئيس للسلطة ورئيس وزراء بسلطات واسعة، وهو ما أثر على صياغة النظام على قاعدة المختلط مع إبقاء تداخل غير مريح بين هذه الصلاحيات على الصعيد التنفيذي يمكن استغلالها من قبل الرئاسة لإعاقة الحكومة عند اللزوم.

وأوضح المشاركون بإن الديمقراطية عموماً تعني فصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية حتى يكون لكل سلطة دورها في الرقابة على الأخرى. ولا ينسجم أن يجتمع للرئيس سلطات تنفيذية أو وتشريعية، وعندما تم الفصل بين السلطات بموجب القانون الأساسي الفلسطيني، بقيت سلطات الرئاسة خارج إطار الرقابة والمحاسبة، وبدون مرجعية قانونية في كثير من الأحوال استناداً لما يسمى بالمراسيم وغيرها.
وأشار المشاركون إلى أن بناء السلطة أساساً كان يهدف إلى ترحيل الصراع العسكري إلى تصارع سياسي مؤسسي مع الإحتلال، ولذلك فإن حركة "حماس" بفوزها الأخير امتلكت أداة الصراع السياسي والمؤسسي الجديدة, اضافةً إلى امتلاكها لأدوات أخرى سابقة، الأمر الذي أربك مختلف الأطراف، ودفعها للقيام ببعض الممارسات المعيقة.
وأكد عدد من المشاركين على أن القانون الأساسي, الذي يُعد بمثابة الدستور بالنسبة للسلطة, هو المرجعية الحاكمة، والذي يُعد من القوانين المتقدمة الناظمة للسلطات، حيث يفترض أن تنسجم القوانين الأخرى معه، ومن ذلك ألا تتوسع في صلاحيات أي جهة على حساب جهة أخرى خارج ما حدد القانون الأساسي للمحافظة على فصل السلطات من جهة، ولاحترام القانون الأساسي كمرجعية عليا من جهة أخرى، وأُشِير بالخصوص إلى المادة (63) من القانون الأساسي التي حصرت صلاحيات الرئيس فيما نص عليه القانون الأساسي فقط، وأن توسيع هذه الصلاحيات على حساب أي جهة أخرى يعد مخالفةً دستورية للقانون الأساسي، وهو ما يطعن بدستورية القانون المعني، وأُشير بهذا الخصوص إلى أن كثيراً مما يجري الخلاف حوله يخضع لهذا الإعتبار وعلى الأخص ما يتعلق بالمسائل الأمنية.
وقال المشاركون إنه في ظل هذه السلطة القانونية الحاكمة للنظام الأساسي ليس من المتوقع أن تتنازل حركة "حماس" عن قوتها السياسية ممثلة بسيطرتها على أغلبية المجلس التشريعي لصالح الرئاسة التي تختلف معها سياسيا. خاصة وأنها تستطيع أن تعيد بناء القوانين المعنية وفق القانون الأساسي انطلاقا من المصلحة العامة وميزان القوى السياسي القائم اليوم.
وفي مقاربتهم للمحور الثالث حول "مستقبل الأزمة واتجهاتها وخيارات الحل لدى الطرفين" أكد المشاركون على ضرورة الإتجاه لحل الخلافات على أساس قانوني بعيداً عن استخدام السلاح –الذي يجب أن يتوجه حصراً للإحتلال- وذلك دعماً للديمقراطية الفلسطينية. وأُشير إلى أن ما تشهده الساحة السياسية الفلسطينية حالياً من تنازع للصلاحيات يعتبر –في حدوده الحالية- ظاهرةً طبيعية في ظل انتقال السلطة من طرف إلى آخر، وفي ضوء الخوف على ضياع المصالح والمكتسبات من قِبل أقطاب السلطة السابقة. وأكدوا أن على الطرفين أن يُقرّا بأن كلاً منهما في مأزق، وأن استمرار الوضع القائم اليوم بينهما يؤثر سلباً على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
ودعا المشاركون إلى اعتماد القانون الأساسي كمرجعية اساسية حاكمة، والعمل على تنقيح القوانين الأخرى على أساسه, خاصةً فيما يتعلق بالصلاحيات، كما دعا بعضهم إلى تشكيل مجلس من الحكماء "الخبراء" المستقلين يتمتع بصلاحيات قانونية للبت في التنازع، وتطويق الخلافات بين الحكومة والرئاسة في حال حدوثها, إلى حين إقرار المحكمة الدستورية بمشروع عاجل من قبل المجلس التشريعي.
كما دعا المشاركون إلى اعتماد منظمة التحرير الفلسطينية, بعد إعادة بنائها وإصلاحها وضم "حماس" إليها كمرجعية اساسية للفصل في خلافات من هذا النوع أو غيرها مستقبلاً، منوهين إلى استهجان غياب أي إشارة لعلاقة السلطة بمنظمة التحرير في القانون الأساسي الذي أقرته أغلبية حركة "فتح" في المجلس التشريعي السابق.
كما دعا المشاركون إلى أهمية تقوية رأي الشعب وسلطة القانون والمؤسسة التشريعية في رسم مستقبل النظام السياسي الفلسطيني، كما طالب عدد من المشاركين حركة "حماس" بسرعة بلورة تصورها السياسي للتعامل مع المرحلة وفق اولويات وطنية لتحقيق مزيد من التوافق الوطني الداخلي، وحماية الجبهة الداخلية وتصليبها.
وفي نهاية الحوار نوه المشاركون إلى خطورة أن يسعى الاحتلال إلى تعميق الخلافات وإقرار الأمر الواقع لتبقى الرئاسة في الضفة، والحكومة في غزة مما يدفع إلى بناء كيانين منفصلين ليرتبط كل واحد منهما مستقبلاً مع طرف عربي وفق بعض المخططات، وهو ما يمثل خطراً على القضية الفلسطينية ينبغي العمل على مقاومته.
وأشار المشاركون إلى أهمية التوصل إلى توافق فلسطيني داخلي يعتمد على مرجعية القانون الأساسي ومجلس للحكماء وتوصيات وقرارات المجلس التشريعي كأطراف مستقلة عن تنازع الصلاحيات التنفيذية، وذلك إلى حين إنشاء المحمكة الدستورية أو المجلس الأعلى لتفسير الدستور والقوانين.
واختُتم الحوار بالتأكيد على الآثار السلبية الناجمة عن استمرار حالة التنازع القائمة، وأن المسارعة في حسمها بالأطر القانونية والوطنية تُعد أولويةً قصوى لدى الطرفين.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع