معبر رفح: القرار ليس لنا
بروفيسور عبد الستار قاسم
شاهدت مفاوضا فلسطينيا على شاشة المرناة يقول بشأن الاتفاق الخاص بمعبر
رفح البري بأن "القرار في النهاية لنا." كان يعني المفاوض أنه على الرغم
من وجود طرف ثالث في الاتفاق الخاص بمعبر رفح إلا أن القرار النهائي فيما
يتعلق بعبور الأشخاص من وإلى هو بيد السلطة الفلسطينية. بإمكان إسرائيل،
حسب تصريحه، أن تحتج وأن تقدم الاعتراضات، لكن إسرائيل لا تستطيع أن
تتحكم بمن يدخل أو يخرج، وهي لا تستطيع أن تمنع الأسماء المصنفة على أنها
خطرة من الدخول إلى قطاع غزة.
هذا كلام ربما يكون مفهوما لدى شخص لا يعرف نظرية الأمن الإسرائيلي وما
يترتب عليها من إجراءات. كمتخصص في العلوم السياسية، شعرت بالحزن العميق
لتصريحات هذا المفاوض لأنه في الحقيقة يحاول أن يخدع عامة الناس الذين لم
تدعكهم التجارب المريرة حتى الآن ويصدقون أغلب ما يسمعون. هناك استغفال
واضح، ويشبه تصريحا له قبل سنوات عندما قال إن مطار غزة أصبح تحت السيادة
الفلسطينية لأن 95% من العاملين فيه فلسطينيون. تبين فيما بعد أن النسبة
الباقية من الإسرائيليين هي التي تقرر.
نظرية الأمن الإسرائيلي لا يمكن أن تسمح بتولي طرف ثالث حتى لو كان
الولايات المتحدة مسؤولية أمنية تهم إسرائيل والإسرائيليين. إسرائيل لا
تثق بأحد من الناحية الأمنية، ولا حتى بأصدقائها المقربين المدافعين عنها
بشراسة مثل هولندا وأستراليا. الاضطهاد هو أهم محركات تبلور الحركة
الصهيونية، والهروب من الشعوب الأخرى هو الهدف الأسمى للحركة الصهيونية،
والقرار الإسرائيلي المستقل لا تهاون فيه ولا مساومة عليه. إسرائيل لا
تسمح أبدا في التدخل بشؤونها على الرغم من أنها يمكن أن تتعاون مع
الآخرين. الأدلة على ذلك وفيرة أذكر منها: لم تستطع الولايات المتحدة ثني
إسرائيل عن إقامة المستوطنات أو تشييد الجدار الفاصل، ولم تستطع منعها من
تطوير قدراتها التسليحية بما فيها القنبلة النووية. أصرت إسرائيل على
تطوير أسلحتها الخاصة لكي تكون مستقلة في اتخاذ قراراتها الأمنية
والحربية، ولم تتنازل عن إنتاج طائرة لافي إلا بعدما دفعت الولايات
المتحدة ثمنا باهظا لقاء ذلك. إسرائيل تتجسس على الولايات المتحدة، وسبق
أن سرقت معلومات عسكرية حيوية، وسرقت من فرنسا التي كانت تزودها بالأسلحة
في الخمسينيات عددا من الزوارق الحربية، الخ.
إسرائيل هي أكثر من سبارطا لأنها لا تتطور عسكريا فقط، وإنما تتطور أمنيا
بمختلف الوسائل والأساليب.
معبر رفح عبارة عن منفذ حيوي يمكن أن يستغله الفلسطينيون، حسب وجهة
نظرها، لتهريب الأفراد والأشياء. إنها تقول بأن الفلسطينيين سيعملون على
إدخال اللاجئين إلى غزة، أو على الأقل، ستكون لهم ضوابط قليلة على دخول
الأشخاص، وسيعملون على إدخال السلاح وما يتعلق بتقنية المتفجرات والمواد
اللازمة. ولهذا لا يمكن أن تتخلى عن الإشراف المباشر على المعبر. أمنيا،
إسرائيل تتخذ قرارها الأمني وفق احتمالات مليونية وليس عشرية.
صحيح أنه لدى الفلسطينيين مشكلة متعلقة بماء الوجه، إذ كيف يقولون إنهم
يسيطرون على المعبر في حين أن الإسرائيلي خلف الزجاج يراقب ويقرر. كان لا
بد من حل يحافظ على هيبة السلطة ولو أمام العامة من الناس ويضمن لإسرائيل
الرقابة المباشرة. طرح الأوروبيون أنفسهم كطرف ثالث. وافقت إسرائيل على
ذلك مقابل مراقبتها المباشرة غير المرئية متنازلة بذلك عن المرئي. هنا
الآلية مفهومة كالتالي: تنساب المعلومات الخاصة بحركة الفلسطينيين على
المعبر إلى الأوروبيين الذين يقومون بتحويلها إلى الإسرائيليين. يفحص
الإسرائيليون المعلومات ويعملون على مقارنتها مع ما تقدمه آلات التصوير
المنتشرة في أنحاء المعبر. هذا فضلا عن أن فحص الأمتعة سيكون في الظاهر
فلسطينيا، لكن الأجهزة الإليكترونية ستنقل المعلومات مباشرة إلى مركز
المراقبة البعيد. أما الاحتكاك المباشر سيقوم به الأوروبيون.
الموقف الأوروبي مرتبط بالمصالح الأمنية الإسرائيلية وليس بحركة
الفلسطينيين لأنهم لم يأتوا إلا لهذا الغرض. لم يتطوع الأوروبيون لهذه
المهمة من أجل تسهيل حركة الفلسطينيين، ولو كان الأمر كذلك لتطوعوا منذ
زمن بعيد لتسهيل الحركة على الحواجز ونقاط التفتيش المنتشرة في أنحاء
الضفة الغربية. ستكشف الأيام القادمة مستور الأمور.
سبق أن حضر مراقبون دوليون يمثلون الأمم المتحدة إلى مدينة الخليل من أجل
العمل على استقرار المدينة. لم يقم هؤلاء باتخاذ إجراءات ولا تقديم
توصيات، وانحصر عملهم بكتابة تقارير تصف ما كان يجري في المدينة.
المؤسف أيضا في الأقوال الفلسطينية هو أن السلطة تربط الحرية على المعبر
بالسيادة. قال أحد المسؤولين إنه يصر على سيادة فلسطينية على المعبر،
وعلى هذا تم التوقيع على الاتفاق الخاص بالمعبر. السلطة الفلسطينية ليست
ذات سيادة على أي جزء من فلسطين، وهي سلطة حكم ذاتي تحت السيادة
الإسرائيلية. فهل يمكن أن تتحقق سيادة فلسطينية على معبر رفح في حين أن
السيادة غير موجودة أصلا؟
التصريحات الفلسطينية حول الاتفاق تنم إما عن جهل فلسطيني بنظرية الأمن
الإسرائيلية وما يتعلق بها من إجراءات صعبة جدا وقاسية، أو عن استهبال
للشعب الفلسطيني، وربما تنم عن المسألتين معا. قال دحلان بأنه سيوزع
الاتفاق ليقرأه الناس جميعا حتى لا يدع مجالا للتأويل، وقارئ الاتفاق
سيجد أنه لا مجال للتأويل فعلا من حيث أن الرقابة الإسرائيلية المباشرة
غير المرئية للمواطن العادي مؤكدة. |