ما بعد " إعلان القاهرة " الفلسطيني
د.عماد
لطفي ملحس *
حوار
القوى الفلسطينية في القاهرة الشهر الماضي الذي تمخّض عن " إعلان القاهرة
" لم يعبّر عن وحدة في الموقف في إطار من التنوّع ، والاّ لكان نقطة
انطلاق حقيقية نحو آفاق جديدة في العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية ، حيث
ان الصراع ضمن الوحدة أمر طبيعي ومستمر . ما رشح عن مجريات الاجتماعات تلك
يؤكّد عمق الخلافات بين طرفي الصراع الرئيسين ، السلطة الفلسطينية والقوى
والمنظمات المنضوية تحت لوائها من جهة ، والأطراف المعارضة لاتفاق أوسلو
وخارطة الطريق من جهة ثانية ، ناهيك عن المواقف والمصالح المتباينة داخل
طرفي الصراع كليهما .
الأحداث التي جرت منذ ما بعد" إعلان القاهرة " ، الذي أعلنه
مدير المخابرات المصرية باسم المجتمعين ، تثبت انه تفاهم تكتيكي هش غير
قابل للصمود ، ولا يعبّر عن منطلقات ومواقف موحّدة .. فالسلطة التي لا
يعنيها من الحوار سوى تحقيق " التهدئة " بوصفها من متطلبات تنفيذ خارطة
الطريق ، انتقلت الى الخطوة التالية وهي دمج الاجهزة الامنية في ثلاث رئيسة
حسبما نصّت عليه هذه الخارطة في مرحلتها الاولى . وبعد ان اصدرت اوامرها "
بوقف التحريض !" ضد الكيان الصهيوني، وقامت باحباط عدد من العمليات
العسكرية ضد العدو وإغلاق عدد من الانفاق في رفح، ها هي تستعد ( لمواجهة
كل هؤلاء الذين لهم علاقة بالارهاب ، وتقويض القدرات والبنى التحتية
الارهابية ، وهذا يشمل بدء جمع الأسلحة غير المشروعة وتعزيز السلطة الأمنية
بعيدا عن الارتباط بالفساد والإرهاب ) حسب النص الوارد في الخارطة . لذا ،
فانها بدأت بمساومة " المطاردين " للانضمام الى اجهزة الأمن والشرطة مقابل
وقف مطاردتهم من جانب العدو، الذي تسلّمت منه قوائم تضم أسماء مئات من
المقاتلين والمناضلين والناشطين ، في الوقت الذي شرعت فيه ببحث طرق نزع
أسلحة قوى المقاومة . وقد تجاهلت السلطة استمرار العدو الصهيوني باقتحام
المدن والقرى وقتل عدد من ابناء الشعب الفلسطيني بينهم ثلاثة أطفال كانوا
يلعبون كرة القدم ، والاستمرار ببناء الجدارالفاصل والمستوطنات الكبيرة
والصغيرة ، وحتى محاولة اقتحام المسجد الأقصى ، وعدم الافراج الا عن عدد
محدود من الأسرى ، حيث لم يصدر عنها سوى مواقف باهتة لا تجدي فتيلاً . غير
أنها قامت خلال هذه الفترة ببعض التحركات التي توحي بمحاربة الفساد وإقالة
عدد من المسؤولين الذين " فاحت رائحتهم" ضمن حملة لتصفية الحسابات ، في
محاولة لذر الرماد في العيون ، وللتغطية عمّا تقوم به من اجراءات لتنفيذ
الاستحقاقات المطلوبة .
أما الأطراف المعارضة ، وبخاصة " حمـــــــــــاس " و" الجهاد"
، فاذا كانت قد وافقت على " التهدئة " بهدف إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية
، وتجنب المزيد من الضربات ، وهو أمر مشروع إذا جاء في سياق استمرار خط
المقاومة ، إلا أن الإعلان يلزمها بالاعتراف بسلطة أوسلو والتعامل معها ،
وبالانخراط في مؤسساتها وأطرها ومنها المجلس التشريعي الذي قـررت" حماس "
خوض انتخاباته في تموز القادم ، كما يدعوها إلى المشاركة في أطر منظمة
التحرير بناء على الميثاق المعدّل الذي أسقط كلّ الثوابت الوطنية .
لقد نصّ " إعلان القاهرة " على ان المجتمعين " وافقوا على
تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها ، بحيث
تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية ، بصفة المنظمة الممثل الشرعي والوحيد
للشعب الفلسطيني" .. فهل ستشمل هذه الأسس إلغاء التعديلات التي أدخلت على
الميثاق الوطني الفلسطيني الصادر في العام 1968 ، وصادق عليها المجلس
الوطني الفلسطيني في غزة في العام 1998 بحضور الرئيس الامريكي كلينتون ،
وأدت الى شطب اثنتي عشرة مادة والى تعديل وحذف مقاطع من ست عشرة مادة أخرى
من الميثاق ، التزاماً بالرسائل المتبادلة بين قيادة منظمة التحرير و"
حكومة اسرائيل " يومي 9 و 10 ايلول 1993 ، وببنود اتفاق " واي بلانتيشن " ،
بحيث انتفت أية صفة للوطنية عن هذا الميثاق ؟ الواضح أن الأسس التي تحدّث
عنها إعلان القاهرة لا تمسّ الميثاق المعدّل للمنظمة ، بل تتعلق " بتفعيل
وتطوير" المنظمة كما ورد في الاعلان ، وهذا يعني ضمّ المنظمات التي لم
تلتحق بركب التسوية حتى الآن ، وتقاسم الحصص والمكاسب التنظيمية ، وضبط
الفساد المستشري في الأجهزة والمؤسسات التابعة للسلطة والمنظمة ، وتطوير
الأداء ، وربما الاتفاق على برنامج سياسي جديد ولكن من النقطة التي وصلت
اليها التسوية السياسية مع العدو ..
وإذا ما عدنا سنوات الى الوراء ، وتذكرنا كيف دخلت أو " أدخلت
" بعض الفصائل الفلسطينية الى منظمة التحرير لتصبح جزءً من برنامجها
وقرارها ، لأدركنا خطورة ما يخطط له بهدف الاجهاز على المقاومة المسلحة ،
واستيعاب قواها ضمن برنامج التسوية ، ووفق ما تمليه خارطة الطريق من
اشتراطات . فبالعودة إلى أعوام ما بعد اتفاقية " كمب ديفيد " ، تبلور صراع
الخطين في الساحة الفلسطينية ، وحدث اصطفاف واضح للقوى ، كان يمكن أن يؤدي
إلى فرز حقيقي بين خط المقاومة الذي كان قوياً ومسيطراً ، وبين خط التسوية
الذي لم تكن له أية مرتكزات شعبية أو سياسية .. لكنّ نجاح مناورات القيادة
المتنفذة في منظمة التحرير حينها ، مدعومة من معظم الأنظمة العربية ، أدى
الى تفسّخ ما كان يسمّى ب " جبهة الصمود " ، والى مشاركة بعض اطرافها في
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وموافقتها على البرنامج المرحلي التسووي
للمنظمة .. ولقد أدى ذلك الى إضعاف قوى المقاومة ، وإلى قيام سلطة أوسلو ،
واستمرار محاولات تصفية القضية الفلسطينية وانهائها ، وإلى بلوغها النقطة
الحرجة التي وصلت اليها اليوم.
إن إدارة الصراع وفق المصلحة العليا للوطن والشعب ، تقتضي من
قوى المقاومة الفلسطينية أن تتنبّه جيداً لسياساتها وتكتيكاتها وخطواتها
القادمة ، انطلاقاً من الثوابت الحقيقية للقضية الفلسطينية وليس من " ثوابت
" الميثاق المعدّل لمنظمة التحرير وبرنامجها السياسي التسووي .
*********************************************
* كاتب
وباحث – الأردن
Imd_tap@yahoo.com
|