مؤتمر لندن ومآل السلطة

2005/03/03

عدلي صادق
انتهي مؤتمر لندن مثلما بدأ، فاقداً للقدرة علي مجرد الاعتراض النظري، علي السياسة الإسرائيلية، وعاجزاً عن مجرد الإشارة، الي ضعف التأهل الإسرائيلي للعملية السلمية، وفق الأسس الصحيحة. فالسلطة الفلسطينية، هي التي كانت بحاجة الي تأهيل، تحت عنوان المساندة، وهي التي يتوجب أن تتدرج، أو أن تحبو، وصولاً الي موقع الشريك، في عملية تسوية، ولن يتحقق لها ذلك، وفق مجريات مؤتمر لندن، إلا من خلال وصاية مشتركة، يضطلع بها، أعضاء التكتل الدولي، الذي رأوا رؤية الأمريكيين والبريطانيين، للسلطة وللقضية الفلسطينية. وبدا أن المنخرطين في مشروع الوصاية، قد وزعوا الأدوار: فالأمريكيون يتولون الجانب الأمني من أداء السلطة، والبنك الدولي سيتولي الشأن الاقتصادي، الذي يسمونه التنمية بما في ذلك وضع اليد الاقتصادية، علي المناطق التي ستُخليها إسرائيل، أما الإتحاد الأوروبي، فإن مسؤوليته تتعلق بالمؤسسات الفلسطينية، لإحداث التغيير الذي يريده الأوصياء!


للأسف، السلطة الفلسطينية هي التي أوصلت نفسها، الي هذا المآل، وعوملت، بعد أكثر من عشر سنوات من قيامها، باعتبارها، بلا خبرة، وبلا إدارة، وبلا صدقية أمنية، وبلا جدارة بأن تكون مؤتمنة علي مقدرات مالية. ولم تكن قادرة علي أن تعاند الذين نصبّوا أنفسهم أوصياء، ولا أن تضغط في اتجاه الأفق السياسي، ذلك لأن ما كان في يدها، من أوراق وبراهين علي الإصلاح، لم يكن يؤهلها لأن تقول شيئاً. بل لم يكن ممثلو الجانب الفلسطيني، قادرين علي فتح نقاش جدي في هذا الاتجاه، لأن الأوروبيين يعرفون التفاصيل، وبمقدورهم أن يشيروا الي بعض المتواجدين الفلسطينيين، مع الوفد، كأصحاب مخالفات تضمنتها تقارير فلسطينية، فضلاً عن تقاريرهم. لذا، كان الجانب الفلسطيني، يتوخي المساعدة، لكي يؤمن بعض الاحتياجات المالية الضرورية، كتغطية العجز، في أرصدة صندوق التقاعد، لتمكين السلطة من التقدم علي طريق الإصلاح الإداري، وصرف الستينيين والسبعينيين، والثمانيين من الخدمة. وكان من أسوأ ما فعله توني بلير، بحق القضية الفلسطينية، لكي يستمد زخماً سياسياً، بعد خيباته المعلومة، هو توحيد الموقف الدولي، في نظرته الي السلطة الفلسطينية، وتالياً، اختزال المسائل العاجلة، المتعلقة بجوانب القضية والصراع، في مسألة الدعم المالي. ولم يكن هناك، أية ملامسة للموضوع السياسي، مثلما أرادت إسرائيل، التي غابت دون أن تغيب، باعتبارها قد اتفقت مع الحكومة البريطانية، علي مفردات البيان الختامي!


عندما كنا نُحذر، من المخاطر السياسية، لوضعية الفساد، كان البعض يظن الظنون في القدس العربي وكُتّابها. وفي الواقع، لم نكن بحاجة الي مثل هذا المؤتمر، لو أننا تقدمنا فعلياً، علي طريق الإصلاح. وحتي عندما واجهت السلطة، إشكالية تدني رواتب موظفيها الأمنيين، من العسكريين، نصحنا من خلال ورشات عمل، ومن خلال مقالات، بأن نواجه هذا التحدي، عبر عملية إصلاح إداري ومالي، تجعلنا قادرين علي الوفاء بالمترتبات المالية، المتأسسة علي تصويب رواتب هؤلاء المعوزين، علماً بأن الأمنيين والعسكريين، هم معقد رجاء عملية التسوية، بصرف النظر عن سماتها. وقلنا إن أي تصحيح، أو إصلاح، يطال ملفات الموظفين في الجهاز الحكومي، من شأنه أن يوفر المال اللازم لإنصاف العسكريين، وخلق شواغر للعاطلين، بعد أن تتحرر موازنة البلاد، من أعباء مترتبات مالية، تأسست علي باطل لا يمكن أن يكون حقاً مكتسباً . وقلنا إن تحرير الموازنة، من هذه الأعباء، بات مهمة وطنية إصلاحية عاجلة، ينبغي المباشرة بها فوراً، بحيث يُصار الي:


ـ شطب سنوات الخبرة الكاذبة، التي حصل عليها كثيرون، والبدء العاجل، بتطبيق معيار السن، ليكون التصويب، سارياًَ علي الذين وضعوا في ملفاتهم، وهم في أوائل الثلاثينيات، شهادات تفرغ وخبرة فتحاوية تفيد بأنهم عاملون منذ أن كانوا في سن الطفولة.


ـ مراجعة قوائم الموظفين، وسجلات الحضور والغياب، لمعرفة الموظفين الوهميين، الذين يقبضون راتباً بكل علاواته، وهم عاملون في الخارج. وأعرف شخصياً عدداً من هؤلاء، وستأتي قوائم كاملة بأسمائهم عند فتح المجال للناس، لكي تعطي معلومات تفيد الإصلاح، بدل الاكتفاء بمضغ الكلام.
ـ مراجعة التدرج الوظيفي، للشباب، وتصويب عملية التقفيز، بغير حق ولا جدارة ولا عدالة، الي الدرجات المتقدمة، بما لا يتناسب مع السن ولا مع التأهيل، وبما يطيح بمبدأ تكافؤ الفرص، ويعيق توظيف شُبان جُدد، وبما يُفاقم الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية!


ـ إعادة النظر، في تشكيلة جيش السفارات، من الموظفين الذين لا علاقة لهم بالعمل الديبلوماسي، وممن لهم مصالحهم الخاصة وأعمالهم وزوجاتهم، في البلدان التي يقيمون فيها. فما يزال التوظيف، دون مرتبة رئيس الشعبة، يمكن يتم في الخارج، بدون قرار مركزي، وتتحمل الموازنة الفلسطينية التي تجاهد لتلبية حاجات مجتمع منكوب، المترتبات المالية، التي من بينها غلاء المعيشة. ولا يجري التوظيف في السفارات، علي أية أسس، ولا علاقة له بميزان الفائدة والخسارة، من التمثيل في أي بلد. بل هناك توظيف يحدث مخالفاً للنظام، كأن يكون الأب وأبناؤه وبناته، علي كادر السفارة. ولا يقل راتب الفرّاش في أية سفارة، عن 800 دولار، في أقل البلدان مستوي للمعيشة. ولم تمتد أية يد إصلاحية، منذ سنين طويلة، الي الأنظمة المالية في السفارات . فلا تنظيم ولا مساءلة، علي الإيرادات القنصلية، ولا مخرجات محاسبية محترمة، ولا وقف لرواتب الذين يتوفاهم الله، ممن استقر أبناؤهم في بلدان الإقامة، ولم يرغبوا في العودة الي الوطن، رغم وجود بطاقات الهوية معهم، بسبب مصالحهم وأعمالهم.


ـ استيفاء الأموال المترتبة علي كل هذا، بأثر رجعي، علي أن يكتفي المخالفون، بالاستمرار في وظائفهم، علي الرغم من وجاهة الدعوة الي وقفهم عن العمل!


فها هو مؤتمر لندن، يقرر وضعنا تحت الوصاية الدولية، بسبب انعدام الحد الأدني من الأمانة، ومن الإحساس بالمسؤولية، لدي بعض المتنفذين في السلطة الفلسطينية، ممن أوصلونا الي هذا المآل. ومن خلال منطوق المداولات، في مؤتمر لندن، نفهم بأن المشكلة ستظل قائمة، تجسدها الوصاية المستمرة، طالما أننا لا نمتلك الجرأة الأدبية، لكي نرفض ونمانع مقدمين براهيننا، علي أننا نحترم أنفسنا!


فلا بد من إصلاح بأيدي المؤهلين والمؤتمنين، لكي نتقدم علي طريق الحرية والعدالة والاستقلال وانتزاع الحقوق، وعلي طريق تكافؤ الفرص، والتخلص من الأدران، ولكي نقترب من فلسفة الحكم التي ترشدنا الي سلوك إنفاقي، لبلد فقير، يعتمد علي المعونات. فلم نعد قادرين علي السكوت، لأن معركة الاستقلال، تستوجب إصلاحاً علي كل صعيد!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع