حصار عرفات.. اللعبة المكشوفة

 وجيه عمر مطر

 لم يكن غائبا عن الوعي الشعبي أن وراء الأكمة ما وراءها مذ أقدمت السلطات الصهيونية على اعتقال عرفات في مقره برام الله , ورغم المحاولات الدءوبة من العديد من وسائل الإعلام العربية والغربية لتحسين صورة الاعتقال ,وتبيان حالة الاعتقال وكأنها حالة متفردة من حيث البطولة , وبخاصة ذلك الشعار الذي أطلقه "شهيدا" وبطريقته التثـليثـية المعتادة . فكيف حال السياسي والمتابع ,باستثناء جوقة المطبلين والراقصين .

             إلا أن الظرف الذي كانت تمور به المنطقة بعامة والأرض المحتلة بخاصة الجم البعض عن الإفصاح عن حقائق الأمور , ووضعها في نصابها . ولم يمض بعض الوقـت,حتى أخذت الغيوم  تنقشع والأصوات ترتفع , إذ أن ما كان يجري على الأرض, بخلاف مـا هو معلن أو يعلن عنه .  وأول هذا الاختلاف هو التناقض الصارخ ما بين القرار السياسي للسلطة وما بين القرار الكفاحي للشعب .إذ أن التصريحات وهي واضحة للجميع , من اعتبار العمل الكفاحي عملا إرهابيا وأدانته في كل المناسبات, من المستوزر إلى أعلى مراتب السلطة, ألي الانتقالات  ,والمحاكمات المثيرة للشبهة , .. الخ .  وما حاولت وسائل الأعلام تسويقه بشأن  القتال الذي كان يجري من غرفة لغرفة ,وكأن مقـره قصر ملكة بريطـانيا أو البيت الأبيض , البنتاغون ,ليحتوي مئات الغرف. بينما كنا نرى ونسمع عن تحركات رموز السلطة واحتلالهم أكثر الفضائيات والتصريحات النارية التي أتخمونا بها , وكأن أيلول عمـان و82 بيروت لم تغادرنا كما غادرناها ,نفس الخطاب السياسي, ونفس النبرة العنترية لنعود ونجتر  الهزيمة ,ونصنع منها انتصارا وهميا أخر , ثم نندب حظنا ,ونصرخ " يا وحدنا" لا عـرب معنا ,والظروف الدولية ليست مؤاتية بل هي ضدنا , ناهيك عن نغمة انتفاء التوازن الدولي وما إلى ذلك , الذي كان يؤدي بالنتيجة إلى المزيد من التنازلات .

           إن اختصار نضال شعب وكفاح أمة , بحصار أو اعتقال شخص ,إنما هي محاولة مكشوفة من اجل تمرير ما هو اخطر مما سبق , وبخاصة المواقف والتصريحات التي كان يطلقها كل من شارون وبوش وحكومتهما , والعدو الصهيوني يوغل في  نازيته ومجازره التي كانت تمارس بمباركة أمريكية وصمت عربي رسمي مريب , في مخيم جنين ونابس وباقي المناطق الفلسطينية الأخرى . وذلك من اجل إيهامنا بان السلطة ورموزها عـادت وطنية ولا بد إذن من التسليم لها ومحو أو تناسي كل ما أقدمت عليه منذ ما قبل أوسلو حتى الآن . أي أن ننسى ما يلي :

أولا : اعتبار العمليات الاستشهادية عملا إرهابيا .

ثانيا : إن الحصانة للسلطة التي كانت تصول وتجول , ولا حصانة للشعب وللإنسانية .

ثالثا :الأداء المتدني للسلطة ,حيث كان قرار الشعب في واد وقرار السلطة في واد أخر ومتناقض معه .

رابعا : استجابة السلطة لاشتراطات شارون والحكومة الأمريكية , بمحاكمة أبطال الجبهة الشعبية الذين نفذوا قرار الشعب بإعدام وزير السياحة " زئيفي"

خامسا : الاستجابة تحت وقع المجازر الصهيونية البشعة التي كانت      تجـري     ضد شعـبنا بتسليم مناضلينا للمخابرات المركزية الأمريكية .

سادسا : قيام المدعو جبريل الرجوب بتسليم مائتي من المناضلين والمطلوبين للعدو , من حماس والجهـاد والفصائل الأخرى , وقد

ناشدت هذه الفصائل السلطة وأجهزتها بالإفراج عنهم ليمارسوا دورهم النضالي في ساحات القتال .

سابعا :جاءت عملية كنيسة المهد وعادت ريمه لعادتها القديمة , بتشكيـل وفـد مفاوض للتفاوض العلني ,واخذ يمارس هذا الوفد

       صلاحيات التفاوض مع العدو ليفاجأ الوفد

كما الجميع بمفاوضات سرية دون علـم الوفـد العلني , وتمت الصفقة بالموافقـة    على الاشتراطات الصهيونية والأمريكية بإبعادهم عن ارض الوطن,إلى لجـوء جديد ,يضاف إلى اللجوء الذي يعاني منه شعـبنا منذ نكبة عام 1948 , ويبقى الخطـاب السياسي التضليلي للسلطة كما كان , ليليه تنازلات وتفريط بحقوق الشعـب , تحت شعار ليس بالإمكان افضل مما كان .

ثامنا : تخرج السلطة من حصارها الشكلي , لتعود إلى ديدنها دون أدنى خجل,فتقدم على الاعتقالات ,وإدانة العمليات البطولة وتعتبرها عمليات إرهابية .

تاسعا : بعد كل ما جرى , سمعنا بعض الأصوات وهي تنادي بالإصلاح ومحاربة الفساد ,  وهو موضوع سابق للأحداث الأخيرة , إلا إن أحدا لم يستجب أو يعـطي بالا , إن  للـتجـاوزات ألأ منية , أو للفساد الذي استـشرى في كل جسـد السلطة , أصبحت السمسرة ونهب قـوت الشعب من سمات المستوزرين والموالين . فتعالت أصوات الشعب وكاد أن  ينتــــفض على السلطـــة وأجهزتها القــمعية والفاســدة لولا إنقــاذ شارون لها بتدنيسه المسجد الأقصى فتحولت الانتفاضة ضد العـدو الصهيوني . وجرى ما جرى من مذابح ومجازر , وتلاشت السلطة , وهذا ما أعطى الشعـب القدرة على المواجهة , لأن قراره بيده وما عاد من أحد بقادر على لجمه ومصادرة قراره , ومع ذلك فان السلطة لم تستجب وتقر بضرورة الإصلاحات , إلا بعد أن اشـترط  شارون  وقبله بوش بضرورة ما أسمياه إصلاحات .والإصلاحات المملاة تتلخص ب :   

1 /  شروط شارون : تغيير بنية السلطة , وتغيير المجتمع الفلسطيني , أي أن تصبح السلطة مطواعة أكثر , وضرب البنية الكفاحية للمجتمع الفلسطـيني , ليتحــول الجـميع إلى مستسلمين , وهــو ما استجابت له السلطة على لسان رئيسها مؤخرا .

2 / شروط بوش : أن يعمل رئيس السلطة ما يجب فعله كي يحظى بثقة بوش , وبناء الأجهزة وبخاصة الأمنية منها , وسيرسل بوش رئيس ( CIA ) للأشراف المباشر   على إعادة بناء الأجهزة الأمنية , الفلسطينيـة بمـا يتناسب مع ضرورات الأمن الصهيوني والمصالح الأمريكية في المنطقة .

     وإذا كان البعض يحجم عن تناول أوضاع السلطة في ظل أوضاع المواجهة مع العدو فان الظروف لم تعد كما كانت , لأن ما هو قادم بفعل  تنازلات السلطة سيكون اشد خـطرا واكثر تفريطا , وسيتم ذلك تحت المظلة والمعزوفة المعروفة ـ أين العرب .. شعبنا يذبح.. الوضع الدولي.. توازن القوى ... الخ ـوبالمقابل سيعزفون على رباب بطولة الشعب الفلسطيني وارتباطه بقيادة السلطة , وليس هناك من أتدنى شك في الأنموذج الخارق الذي سطره شعـبنا الفلسطيني الصابر والمصابر. ولكن الذي لا بد من التأكيد عليه , إن ديدن الشعب الفلسطيني هو النضال الدؤوب,لا يعرف التراجـع ولا يساوم علـى حـقـوقـه التاريخية , وما جدارية الدم التي نقشها بلحمه العـاري ,  في جنين ونابلس وباقي

 المناطـق الأخرى, إلا التأكيد على مواقفه التاريخية المشهود لها,والتي انحنى لها الجـميع بكـل إجلال واكبار .  

 إلا انه لا بد من التفرقة ما بين نضال الشعب ,وما بين قرار السلطة وادائها , فالشعب وأبناء الشعب والفقراء , هم الذين يدفعون الدم , وهذا ما كان على مدى قرن على الأقل, ولكننا لم نسمع باستشهاد ابن وزير أو مسئول , أو استشهاد أي من قيادات السلطة ,فهم في منأى عن ذلك كله , ففعل الاستـشهاد والمشاركة في القتال ,من فعـل العوام الفقراء وليس من فعـل الخواص وأبناء الخواص .  وهذا ما لا يحتاج إلى أدلة نسوقها فالرجوع إلى قوائم الشهداء والمعتقلين والأسرى والجرحى ,كلها تشهد على ذلك .

     وعليه , فان ما جرى وما زال يجري , لا يخرج عن نطاق لعبة أضحت مكشوفة للجميع ,وبخاصة تلك الضغوط المعلنة على السلطة الفلسطينية , من تغيير رئيس السلطة إلى عدم التفاوض , إلى الاستمرار بسياسة المجازر والمذابح ,إلى القبول بها لدى الدوائر الأمريكية والعربية الرسمية .

      نعم , فان حجم الضغوط كبير , ولكن ذلك لا يستوجب قبول الاشتراطات الصهيونية والأمريكية, والتنازل عن حقوق الشعب           التاريخية في فلسطين, وهي حقوق الأمة, والشعب لا يفاوض على حـقـوقـه ,  ولــم يـبــخـل  بالـــــدم  والعــطــاء ,  ولا يمـل أو يكل , إلا

    من تعب أو هرم , فما عليه سوى إفساح المجال للشباب ,وللأجيال كي تأخذ دورها الذي يحاول أصحاب الامتيازات والمصالح احتكاره واغتصابه . وفي مثل هذه الحالة لن يكون الأمر إلا لصالح العدو.

           وعندما نتحدث عن الأشياء الكبيرة والعظيمة , يصبح من العيب التحدث عن الأشياء الصغيرة , كأن نتحدث عن أداء السلطة , لأنها أقدمت وستقدم على تنازلات مست وتمس بالسيدة القومية .

15 / 5 / 2002     وجيه عمر مطر

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع