هل تعيد حكومة حماس الروح لمنظمة التحرير الفلسطينية؟

 

بلال الحسن

صحيفة الشرق الأوسط 26/3/2006

 

من الإيجابيات البارزة لتقدم حركة حماس وتراجع حركة فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، هو هذه العودة المتحمسة للحديث عن منظمة التحرير الفلسطينية، وعن أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، حتى إن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحين اجتمعت للبت في أمر حكومة حماس الأولى برئاسة إسماعيل هنية، رفضت برنامج الحكومة لأنه لا يتضمن اعترافاً صريحاً بالمنظمة وشرعية تمثيلها.

قد تكون العودة للحديث عن منظمة التحرير ومكانتها عودة موفقة، وهي عودة إيجابية، حتى إننا مستعدون لغض الطرف عن دوافع بعض الفصائل في إثارة الموضوع الآن وبهذه الطريقة، فهم يرفعون راية منظمة التحرير في وجه حماس لإحراجها، ولوضع العصي في دواليب عربتها، ويفتحون الباب أمام أزمة دستورية إذا ما ذهبت حماس إلى المجلس لتطلب الثقة، فإذا نالتها تكون المواجهة قد بدأت بينها وبين الرئاسة الفلسطينية وصلاحياتها.

برز خلال السنوات الأخيرة اتهام أساسي للسلطة بأنها تعمل على تهميش منظمة التحرير الفلسطينية، وتعمل على تذويبها لكي تحل السلطة مكانها، حتى إنه لم يبق من المنظمة سوى لجنتها التنفيذية التي تجتمع في المناسبات للحفاظ على الشكل فحسب (18 عضواً غاب منهم أسير وأربعة بسبب الوفاة).

وبرز خلال السنوات الأخيرة جهد دولي لإلغاء المنظمة لحساب السلطة، من أجل حصر الحديث في الموضوع الفلسطيني في نطاق الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى لا تعود هناك منظمة تمثل الشعب الفلسطيني كله، وتتحدث عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وبرز من خلال خطة «خارطة الطريق» اقتراح إنشاء دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة (حدود أراضي الحكم الذاتي أي 42% من أراضي الضفة الغربية) من أجل أن ينحصر الحوار حول الحل الدائم بين دولتين، دولة "إسرائيل" وهذه الدولة الفلسطينية، وحيث ينحصر حديث كل طرف في شؤون دولته، ولا يكون هناك حديث عن الشعب الفلسطيني كله وهو الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية.

وبرزت في هذا السياق جهود تؤدي إلى إلغاء ما تبقى من مؤسسات ترمز إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وبرز إلى العلن من هذه الجهود تحويل مسؤولية السفارات الفلسطينية من الدائرة السياسية في منظمة التحرير التي يرأسها فاروق القدومي (أبو اللطف) إلى وزارة خارجية السلطة التي يرأسها.... القدوة. كما برز إلى العلن من هذه الجهود توجه لإنهاء مسؤوليات الصندوق القومي الفلسطيني وتحويلها إلى وزارة مالية السلطة التي يرأسها سلام فياض، ويتم من خلال دمج هاتين المؤسستين بالسلطة الفلسطينية انتهاء أي وجود فعال للمنظمة ولا يبقى منها إلا الاسم.

كما برز إلى العلن ما هو أخطر حين تمت صياغة النظام الأساسي (الدستور) بصورة نهائية، وتم فيه تجاهل اعتبار المجلس التشريعي جزءاً من المجلس الوطني الفلسطيني (الباب الثالث)، رغم طلب وإلحاح الرئيس الراحل ياسر عرفات بأن يتم تدوين هذا البند بوضوح، ورغم احتجاج سليم الزعنون (أبو الأديب) رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، والذي لم يجد من مخرج بعد ذلك سوى الطلب من الرئيس محمود عباس إصدار مرسوم رئاسي يؤكد تلك العلاقة. ونشأت بسبب ذلك حركة احتجاج فلسطينية واسعة ضد هذه الإجراءات، مع التحذير الدائم من تأثيرها على مستقبل القضية الفلسطينية، وبخاصة في الشق الذي يتعلق بفلسطينيي الشتات، حيث يتلاشى وجود هيئة سياسية تمثلهم، مع ما يؤدي إليه ذلك من تلاش للبحث في حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها.

ولأن الأمور كانت تسير في هذا الاتجاه، اتجاه إلغاء منظمة التحرير لحساب السلطة الفلسطينية، فإننا الآن نرحب وبشدة بعودة الوعي لدى حركة فتح ولدى الفصائل الفدائية الأخرى، من أجل التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، واستعادة مكانتها، حتى لو كان ذلك يتم الآن نكاية بحركة حماس ووضعاً للعصي في دواليب تحركها.

لقد طرح موضوع «المنظمة» و«السلطة» نفسه منذ الأيام الأولى لإنجاز اتفاق أوسلو. كان الموضوع آنذاك من يوقع الاتفاق؟ وفد «سكان المناطق» الذي ذهب إلى مؤتمر مدريد، أم منظمة التحرير الفلسطينية التي فاوضت على الاتفاق؟ وتم حسم الأمر في النهاية لصالح أن توقع المنظمة على الاتفاق ممثلة بالرئيس محمود عباس (أبو مازن).

ثم كانت الإشارة الأساسية الثانية للموضوع، من خلال أول صيغة وضعت للنظام الأساسي (الدستور)، والتي نصت على أن منظمة التحرير هي مرجعية السلطة الفلسطينية، وهي التي تقر تشكيل الحكومة الفلسطينية. وتم تنفيذ ذلك فعلياً عند تشكيل حكومة السلطة الأولى، فهي تمت في تونس، ومن خلال مناقشات جرت في إطار اللجنة التنفيذية للمنظمة، حتى إن بعض أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض (فيصل الحسيني، حنان عشراوي، حيدر عبد الشافي) اعترضوا على إيراد بعض الأسماء كوزراء، وتم شطب تلك الأسماء بناء على اعتراضهم.

ثم كانت الإشارة الثالثة، عندما تم الاتفاق على إبقاء بعض مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، لكي تكون حرة الحركة، وبالذات الدائرة السياسية (تونس) والصندوق القومي (عمان).

ثم كانت الإشارة الرابعة عندما كان يصر الرئيس عرفات على أن يترأس وفود التفاوض مع "إسرائيل" (حول الحل الدائم) أعضاء في اللجنة التنفيذية مثل ياسر عبد ربه.

ولكن هذه الإشارات كلها بدأت تضعف مع الزمن، وتواصل بروز السلطة على حساب منظمة التحرير، ولم يبق من صلاحيات للمنظمة في النهاية سوى دعوة لجنتها التنفيذية لوضع توقيعها على ما يتم إنجازه من اتفاقات، أو ما يتم اتخاذه من قرارات تستدعي موافقة منظمة التحرير حفاظاً على الشكليات.

واستنادا إلى هذا كله نقول إن الذين يرفضون مرجعية المنظمة مخطئون، ولكن بدلاً من التفكير بإجراءات تحدث أزمة داخل أجهزة السلطة الفلسطينية، يمكن التوجه بشكل إيجابي نحو طلب البحث بالشروط التي تجعل الجميع قابلين لمرجعية المنظمة في البت. ويستدعي هذا جملة أمور أساسية:

يستدعي أولاً تذكير فصائل منظمة التحرير بمغزى نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، فقد أعطت غالبية الشعب الفلسطيني أصواتها لحركة نشأت وتطورت خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت معارضة لها ولنهجها التفاوضي. وتشكل دعوتها الآن للاعتراف بالمنظمة مرجعية سياسية لها، من دون بحث بعضويتها، أو ببرنامج المنظمة السياسي، أو بكيفية تطويرها وتفعيلها، نوعاً من العبث السياسي، وكان حرياً باللجنة التنفيذية للمنظمة، وهي تعلن رفضها لبرنامج حكومة إسماعيل هنية، أن تضع لقرارها حيثيات تفتح الطريق أمام لقاء مع حماس، على أرضية منظمة التحرير، بديلاً لأسلوب النبذ الذي عبر عنه أسلوب صياغة القرار.

ويستدعي هذا ثانياً التذكير بحوار القاهرة الذي جرى يوم 15/3/2005 بمشاركة الرئيس محمود عباس وحضور اثني عشر تنظيماً وفصيلاً، والذي ورد في بيانه الختامي ما يلي «وافق المجتمعون على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وفق أسس يتم التراضي عليها، بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية، بصفة المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني». إن هذا البند الذي وافقت عليه حركة حماس، يفتح طريق الحوار من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو أيضا يحمل أعضاء اللجنة التنفيذية جزءاً أساسياً من المسؤولية بسبب عدم السعي الجدي لتنفيذ هذا القرار.

ويستدعي هذا ثالثاً التذكير بأن البرنامج السياسي لحكومة إسماعيل هنية لم يتجاهل منظمة التحرير، وأشاد بها وبضرورتها الوطنية، ولكنه تمسك بما اتفق عليه بحوار القاهرة من دعوة لتفعيلها وتطويرها، حتى تستطيع حركة حماس أن تصبح جزءاً منها.

إن التذكير بهذه الأمور يمكن أن يساعد في فتح الباب، عند مناقشة برنامج الحكومة في المجلس التشريعي، بحيث تكون وجهة النقاش وضع أسس التطوير والتفعيل للمنظمة، سياسياً وشعبياً وتنظيمياً، حتى يمكن لحركة حماس أن تلتحق بها في الوقت المناسب، ويكون ذلك هو المدخل للحل وليس المدخل للتأزيم.

ونشير هنا إلى وجود رأي عام فلسطيني يتنامى في أكثر من بلد يتواجد فيه فلسطينيو الشتات، يطالب بأن يكون تمثيلهم في المجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة الانتخاب وليس على قاعدة التعيين كما جرت الأمور في السابق. وتؤيد حماس مثل هذه الدعوة للانتخابات، وهذا التأييد ليس حكراً عليها، بل يتبنى الفكرة بعض خصومها السياسيين، ومنهم نايف حواتمه الأمين العام للجبهة الديمقراطية الذي يقول «إن إفراغ مؤسسات منظمة التحرير من محتواها الائتلافي والتعددي والديمقراطي، أضر كثيراً بالمكانة القيادية والتمثيلية لهذه المؤسسات.... إن مدخل معالجة هذا الخلل الفاحش، أن يصار إلى تمكين أبناء شعبنا اللاجئين من انتخاب ممثليهم في المجلس الوطني».

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع