أراد أن يكون في السلطة فكان ويا ليته ما كان

 د/إبراهيم أبراش

الطموح حق مشروع لكل إنسان وهو ظاهرة إنسانية طبيعية ،أن يطمح الإنسان معناه أن يكون أفضل في عمله وأفضل في لباسه وأفضل في مأكله ومشربه .والإنسان غير الطموح إما أنه ملاك وإما إنه غبي أو مريض ،نعم هناك القناعة وهناك الزهد وهناك التواضع ….ولكن هذه استثناءات مستملحة وليست هي الأصل ،لأنه لو تحول كل الناس إلى قانعين بما قسم الله والى زهاد ومتقشفين وقامعين لطموحهم باسم التواضع والقناعة ،لكان مجتمع هذا ناسه مجتمع بدائي ما زال يعيش الحياة الأولى.

أن يكون لك طموح معناه أنك تنشد التقدم والتطور والأفضل، وهي من سنن الطبيعة الإنسانية و أساس تقدم المجتمعات و(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) و(اعمل لدنياك وكأنك أبدا واعمل لأخرتك وكأنك تموت غدا)و جزء كبر من تخلف مجتمعاتنا وعدم مواكبتها لركب الحضارة  هو غياب روح الخلق والإبداع وتفشي روح السلبية والاتكالية  .

ولكن … هناك فرق بين الطموح من جهة والتسلق والانتهازية واستغلال النفوذ من جهة أخرى ،فرق ما بين الطموح المشروع والطموح غير المشروع ،بين الطموح المؤسس على القدرات الذاتية والإرادة بالعمل  والرغبة في خدمة الوطن من جهة والطموح للوصول من خلال الطرق الملتوية ومن خلال استغلال النفوذ أو تملق من هم في السلطة أو التلون بكل الألوان السياسية والانتقال من حزب لحزب ومن جماعة لجماعة  حسب من يدفع أكثر ،كما أن هناك فرق بين إنسان طموح وطموحه يذهب في اتجاه تحقيق مصلحة ذاتية بما لا يتعارض مع مصلحة الوطن وإنسان طموح ولكن لا روادع وطنية أو أخلاقية لطموحه ،يريد أن يحقق مصالحه الذاتية ولو على حساب المصلحة الوطنية .

ظواهر الانتهازية والتسلق تكون أكثر حضورا في المجتمعات العربية حيث تغيب المعايير والأسس الموضوعية لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب  وحيث يكون أولي الأمر  إما أنهم لا يتمتعون بالشرعية والمشروعية وإمكانياتهم الفكرية والعملية متواضعة فيعملون على فسح المجال لكل انتهازي ومتسلق موال لهم ولنهجم اعتمادا على المثل القائل ( قرد موالف ولا غزال مخالف )  أو يتمتعون بالشرعية ولكنهم غير حازمين في إدارة أمور الوطن ويتركون الأمر لمستشاريهم  ومن هم تحت إمرتهم لتدبير أمور  الوطن  .  وكما هو الشأن بالنسبة للمجتمعات العربية عرفت السلطة الفلسطينية كثيرا من الحالات التي تمكن فيها انتهازيون ومتسلقون وديماغوجيون من الوصول إلى مناصب رفيعة في السلطة...

في الصغر ،عاديا كان يبدو في ذكائه وبسيطا كان يبدو في ملبسه في المدرسة ،من النوابغ لم يكن ،وفي الشارع من المشاكسين كان كان اقرب إلى التكبر والغرور منه إلى  طلب المخالطة والمؤانسة

ومع ذلك كان بحب الاستطلاع شغوف و بالسياسية مبتلي  أنبهر بسير العظماء من السياسيين ومن رجال الدولة على وجه الخصوص .

عن ملذات الشباب انسلخ ، ليعيش مع سير الرجال العظام ومعاركهم ومغامراتهم  حتى خال نفسه واحدا منهم تقمص شخصية رجل السلطة فيما هو متاح له من سلطة ولو في بيته .

وأصبح طالبا جامعيا ، والجامعة في زمنه كانت حظيرة الأيديولوجيات ومسرح استعراض البطولة

في الجامعة خالط أهل اليمن وأهل اليسار وما بينهما أحتار في أول أمره في عمقه كان محافظا ويمينيا و للسلطة والنفوذ كان محبا وميالا ولكن كيف الوصول للسلطة وهو ليس من ذوي جاه أو نسب ؟

أراد أن يكون ….من الناس الذين فوق ،أراد أن يكون وصمم على ذلك ولأنه أراد أن يكون ،فلم تعوزه الوسيلة ليكون …بالحلف الثلاثي ما بين طموحه وانتهازيته و إرادته وضع قدمه على أول الطريق في ساحة النضال التي وسعت كل من هب ودب كان إشعاعه الأول !!!

وأصبح معروفا كواحد من المناضلين المتكلمين ،عندما كان النضال هو نضال الشعارات الرنانة ولفت إليه الأنظار بتصريحاته الجريئة وعلاقاته الملتبسة  .

 فيما كان لنظره وجهة واحدة ، السلطة ولا شيء غير كرسي السلطة كان مؤمنا أنه كلما ازداد تطرفا لفظيا ونقدا للسلطة ،كلما اقترب من السلطة وحيث السلطة كانت سلطة ذكية ، تعرف من هم الرجال ومن هم أشباه الرجال ولأنها كانت سلطة لا تحكم على الرجال انطلاقا مما يقولون ، بل انطلاقا مما يريدون ولأنها سلطة تعرف ما يريده كل مدعي السياسة  وكل تجار الوطنية  ولأنها تريد ان تبدو معبرة عن الإجماع الوطني ومنفتحة على كل التيارات فقد عرفت ما الذي يريده صاحبنا الذي خال نفسه أذكى رجل في العالم كان يعتقد نفسه ذكيا إلا أن السلطة كانت أذكى منه واللعب مع السلطة محرقة ولأن السلطة تريده وتريد أمثاله  ليس لكفأتهم  بل لأن الزمن رديء  ولأن الزمن زمن الانفتاح السياسي  الذي مبدأه قل ما تريد ولا تفعل ما تريد ولأن السلطة تريد أن تبدو ديمقراطية وتلون جلدها لترضي أطراف متناقضة فكان له ما أراد أن يكون ، وتوصل بمكالمة من صاحب معالي ، فتنفس الصعداء ولكن السلطة ليست لعبا ولهوا ، ليست مالا ونفوذا فقط ،بل هي لعبة خطرة وعش دبابير أراد صاحبنا أن يُطلق النضال ويتزوج السلطة ،أراد أن يسقط راية ويرفع أخرى ولكن السلطة أرادته أن يتزوجها ويبقي على زوجته الأولى .

ولأنها لم تكن بالزوجة المغيارة ولأن لها حساباتها الخاصة ورؤيتها الخاصة أرادته أن يكون رجل السلطة المتمرد  ليحارب رجال سلطة لا ترضى عنهم السلطة كانت سلطة (ديمقراطية) لا تمانع أن يكون منها وينتقدها في نفس الوقت.

و في البداية لعب الدور بمهارة وذكاء ،وكان مستمتعا في لعب الدور

كان ذكيا في حبك المكائد وإثارة الأزمات وخلق الانشقاقات  ومناطحة الكبار واندمج صاحبنا في لعب الدور ،رُِجل في السلطة والأخرى في معارضة السلطة ولكن طموحه كان اكبر من أن يقبل بهذا الوضع ،كان يريد أن يصل بسرعة وأراد أن يكون اكبر واكبر ،أراد أن يكون أقرب ما يكون إلى من بيده الصولجان  لأن من هم في السلطة ليسوا أفضل منه  كما يعتقد ،وقد يكون محقا في ذلك وكان له ما أراد وأصبح هو بدوره  من الناس الذين فوق وتصدرت صورته الصفحات الأولى من الجرائد والمجلات وطلت طلعته البهية على الناس من شاشات التلفزة

واحتار به ومعه الناس ... هل هو مع السلطة أم ضد السلطة ؟

ولم يعرفوا انه مع نفسه ، ومع نفسه فقط وما السلطة والسياسة إلا مطية لتفخيم الأنا .

ولأنه حقق ما يريد فكان لزاما عليه أن يكون عبدا لمن حقق له ما يريد أراد صاحبنا أن يكون فكان … ويا ليته ما كان …

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع