اللاجئون والصواريخ في خطاب عباس

د. عبد الستار قاسم

من المعروف أن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية يرى أن القضية الفلسطينية لا حل لها الا من خلال المفاوضات.

الفلسطينيون، بالنسبة له، غير قادرين على تحرير فلسطين، وكل مقاومتهم لن تأتي عليهم الا بالويلات والخسائر الجسيمة في الممتلكات والنفوس. “اسرائيل” دولة قوية ومدعومة من قوى عالمية ولا طاقة للفلسطينيين على المواجهة بخاصة أنه لا ظهير لهم. ولهذا كرر عباس موقفه بأن المفاوضات هي السبيل، واذا فشلت المفاوضات فإنه سيستأنفها حتى تحقق نجاحا.

هذا الطرح لا يعني أن عباس ضد المقاومة فحسب، وانما يعني أيضا أن طاولة المفاوضات لا يمكن أن تقبل عودة اللاجئين الفلسطينيين، وأنه من المفروض البحث عن حل لهم خارج اطار حق العودة. انه يعي تماما أن “اسرائيل”، تحت الظروف الدولية السائدة لا يمكن أن تقبل بعودة اللاجئين، وأنه لا بد من تغيير ميزان القوى لارغامها على ذلك. باستثناء مرحلة الدعاية الانتخابية التي كان يقول فيها انه مع حق العودة، كرر عباس موقفه من قضية اللاجئين وفقا لنص قرار مجلس الأمن 242 الذي يدعو الى حل مشكلة اللاجئين حلا عادلا.

واضح أن عباس لا يريد العمل على الاخلال بميزان القوى القائم ويريد أن يعمل تحت مظلته. ينطلق هذا من قناعته بأن التاريخ ثابت، وأن الواقع القائم مستمر، وأن الحكيم هو الذي يسير مع التيار فلا يعاني ولا يهلك، وربما يحصل على شيء من الأقوياء.

في خطابه الأخير بتاريخ 9 أغسطس/آب ،2005 كرر عباس موقفه من المقاومة عندما اعتبر الصواريخ الفلسطينية مأساة حلت بالشعب الفلسطيني، وموقفه من اللاجئين عندما أكد على اباحته لتجنيس الفلسطينيين في الأماكن التي يتواجدون فيها. من ناحية المقاومة، انه مصر على عدم الاعتراف بأنها لعبت الدور البارز في طرد الاحتلال من القطاع، وذلك لابعاد شبح مطالبتها بحصة في ادارة القطاع. انه يريد القول: إن “اسرائيل” اختارت الخروج طواعية، وأن الفوائد المترتبة على انسحاب “اسرائيل” يجب أن تجنيها السلطة الفلسطينية، وأن السلطة تبقى هي المرجعية الوحيدة على الساحة وسلاحها هو السلاح الشرعي الوحيد.

“اسرائيل” لم تخرج طواعية من القطاع، ولم تخرج من خلال الاتفاقيات، وكانت حريصة على أن يكون خروجها من جانب واحد. المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني بما كلفا الاحتلال من هموم وآلام أمنية واقتصادية هما اللذان أخرجا “اسرائيل” من غزة. السلطة الفلسطينية لم تسهم في اخراج الاحتلال، بل على العكس، كان لها دور سلبي في التأثير سلبا على معنويات الشعب الفلسطيني بسبب ما نشرته من فساد وفوضى أمنية داخلية. لقد أسهمت صواريخ الفصائل في إحداث خلل أمني لدى “اسرائيل” جعل من المتعذر على سكان المستوطنات المحيطة بالقطاع في الأرض المحتلة/48 النوم بهدوء، واستنفر القوى الأمنية الاسرائيلية على مدار الساعة. صحيح أن هذه الصواريخ ليست متطورة ولا تشكل عاملا في احداث التوازن العسكري، لكنها تصنع مشكلة أمنية لا تقوى “اسرائيل” على التعايش معها، هذا شبيه الى حد كبير بما حصل في جنوب لبنان.

ثم ما الذي يضير أبا مازن، والعالم حقيقة قد فوجئ بقدرة الفصائل الفلسطينية على تطوير الصواريخ في ظل وجود الاحتلال والسلطة الفلسطينية التي تلاحق المجاهدين؟ دول عربية ضخمة لم تستطع خلال سنوات صراعها مع “اسرائيل” تطوير أسلحة خاصة، فأتى من لا يملكون بين أيديهم سوى الارادة الصلبة ليطوروا سلاحا مزعجا جدا ل “اسرائيل”. لقد حقق الشعب الفلسطيني بهذا تطورا كبيرا سنرى أثره الأكبر خلال السنوات المقبلة. هذه الصواريخ سيجري تطويرها وستكون أكثر قدرة على ملاحقة “اسرائيل”، ليس فقط في الأماكن النائية وانما أيضا في قلب تجمعاتها السكانية الكبيرة.

بخصوص اللاجئين، قال أبو مازن: إنه لا مانع من تجنيس فلسطينيين في الدول التي يتواجدون فيها ان رأى أحدهم ذلك. حرص على القول: إنه لا يطلب التجنيس الجماعي، وانما التعامل مع الأفراد الفلسطينيين كما يتم التعامل مع الآخرين وفق متطلبات الهجرة والاقامة الدائمة والجنسية. هنا يخفق أبو مازن في توخي الحذر في طرح أفكاره الخاصة، فيعرض حقا فلسطينيا أوليا للخطر. لم يتذكر أبو مازن الموقف الفلسطيني الواضح من سياسة بعض الدول التي فتحت أبواب الهجرة للفلسطينيين كجزء من سياسة تصفية القضية الفلسطينية. هناك دول مثل كندا وأستراليا متهمة بتسهيل هجرة الفلسطينيين، وأنها استطاعت أن تجذب أعدادا لا بأس بها بخاصة من فلسطين ولبنان، وأن تؤثر على معدلات النمو السكاني للفلسطينيين.

هناك شباب فلسطينيون كثر يعيشون في تيه، وتضيق عليهم الأرض بما رحبت، ويبحثون عن مستقبل لهم. عدد كبير من هؤلاء يفضل الرحيل اذا وجد بابا مفتوحا، ليس لأنهم لا يريدون الوطن ولكن لأن المستقبل أمامهم. فاذا تركت مسألة التجنيس للأفراد والدول، فكأنما أعطي الشعب الفلسطيني رخصة للهجوم المعادي وتقليص أعداد الفلسطينيين على المستوى العالمي. هذه خدمة كبيرة ومجانية ل “اسرائيل”.

تتمنى “اسرائيل” أن تتحول القضية الفلسطينية الى قضايا شخصية وهي مستعدة لمد يد العون والمساعدة. يكمن الحل في توفير سبل حياة أفضل للشباب الفلسطينيين حتى يكونوا أكثر قدرة على اقامة التوازن بين المصالح الشخصية وتلك الوطنية

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع