لا للصمت.. لا لمشروع سيفيتاس..!
بقلم:
خالد بركات*
قبل
الشروع في تناول المفاصل الاساسية للمشروع الذي يعرف باسم "سيفيتاس"، والذي
يتوجه للاجئين الفلسطينين وجاليات الشتات حصراً، وتشرف عليه جامعة
"أكسفورد" البريطانية، بهدف "دراسة أوضاع واحتياجات اللاجئين"، لا بد من
التاكيد على أن بعض اللذين يحملون هذا المشروع الى تجمعات الشتات ليسوا
خارج "الصف الوطني الفلسطيني" كما يحاول البعض تصويرهم، بل إن بعضهم
مناضلون ومناضلات قرروا المشاركة في هذا المشروع بهدف خدمة شعبنا والجاليات
الفلسطينية في الشتات، ولقناعة ما، تنشد التغيير الايجابي وتسعى لاقامة
التواصل المطلوب بين مختلف تجمعات شعبنا الفلسطيني.
لكن ما
تقدم، لا يعني الصمت والتستر عن مخاطر هذا المشروع المشبوه ومحاولة ابقاؤه
أسير "النقاشات والحوارات الداخلية" في أروقة و"دكاكين لجان العودة " على
حد وصف أحد الاصدقاء، خاصة، وأن "سيفيتاس"، يحمل في كل زاوية من زواياه
أخطار ومطبات وتعرّجات "مَلغومة" هي كثيرة، سوف تقود بالضرورة الى تشويه
محقق لمعنى الوطن ومعنى حق العودة، بل وتشويها للثقافة الوطنية المقاومة،
ومحاولة بائسة لترويج "لغة جديدة" تهدف الى خربشة الوعي الشعبي وتعطيل أية
افاق لمشروع وطني أصيل قد يشق طريقه في المستقبل. كما ان "النوايا الطيبة"،
لا تعفي من دراسة "سيفيتاس" ووضعه على مشرحة النقد، ليس بهدف علك الكلام
والتشاطر على بعضنا البعض، بل من أجل كشف نوايا المشروع المذكور على طريق
دحره، وعدم التعامل معه، وتقديم البديل الوطني والديموقراطي لـ"سيفيتاس"
وغيره من المشاريع.
يتوجه
المشروع المذكور الى اللاجئين الفلسطينين في المخيمات والجاليات الفلسطينية
في الشتات وذلك بهدف "دراسة احتياجات اللاجئين وبناء الهياكل المدنية
المطلوبة لسد تلك الاحتياجات"، كما يقول المشروع. كما يسعى "سيفيتاس" الى
خلق قنوات وهياكل اتصال (تواصل) بين مختلف تجمعات الفلسطينين وطرح قضاياهم
المشتركة، وتقديم تقارير بذلك "لممثلهم الوطني م. ت. ف والمحلي (البلد
المضيف) والمؤسسات الدولية المعنية". وقد يسأل احدهم، طيب، وما المشكلة في
ذلك؟ ولماذا ترفضون "سيفيتاس"؟ الا نحتاج في الشتات الى الهياكل والمؤسسات
التي من شأنها ان تخدم اللاجئين الفلسطينين وتجعلهم أكثر قدرة على مواجهة
أوضاعهم؟ اليس من حق اللاجئ الفلسطيني ان يقول "رأيه"، أم انكم تريدون
للناس ان تظل اسيرة المعاناة والماساة في المخيمات وبدون اي افق للمستقبل؟
كل تلك
الاسئلة مشروعة، لكنها يجب ان تذهب الى من كان سببا في معاناة شعبنا، اي
العدو الصهيوني وبريطانيا، والامم المتحدة والنظام العربي الرسمي وقيادة م.
ت. ف وليس الى من يرفض مشاريع التوطين والتخريب التي تشكل سيفيتاس جزءا
عضويا فيها. عدا عن ان المشروع ذاته لا يبيع الناس الا الوهم.
من أول
السطر، وعن عمد طبعا، يختزل المشروع مفهوم الحقوق الوطنية المشروعة للشعب
الفلسطيني في إطار ومفهوم "الاحتياجات والحقوق المدنية لتجمعات فلسطينيي
الشتات" تتم الاستعاضة، عن المطلب الشعبي بإعادة بناء المؤسسات الوطنية
وخاصة مؤسسات م. ت. ف، بدائرة ومفهوم "الهياكل المدنية التي يقررها الناس
أنفسهم". ويبدو المشروع، للوهلة الاولى، "ديموقراطي، ومثير ورائع، ومش
بطال"، كما يصنفه انصاره، لكن التدقيق المسؤول في وثائق المشروع سوف ينتهي
بنا الى ان سيفيتاس هو أقل من "كلمة حق يراد بها باطلا" بل هو الباطل
بعينه. حيث لا شئ في تلك الوثائق، سوى لغة زئبقية غارقة في زيت مشبوه. لغة
هجينة، هي خليط بين ما هو أكاديمي صارم و"موضوعي"، لكن لا هوية وطنية له
ولا روح، وبين ما هو فضفاض وعام، لا يعترف بالوضوح والتجريد في اللغة، حتى
بالمقاس الغربي. وحين تسأل عن ذلك، يقال لك: "انه دراسة يا اخي.. مجرد
دراسة، الا تفهم"؟ نعم نفهم، فهو تارة "مجرد دراسة أكاديمية" تشرف عليها
جامعة اكسفورد، وتارة اخرى "مشروع جماعي يتوجه الى اللاجئين"، وأحيانا لا
إسم له ولا لون ولا هوية. لكن الاكيد هو معنى كلمة "سيفيتاس" وأصلها
اللاتيني "مواطن" أو "مدينة" و"مواطنيه" في وقت، من المفتروض طبعا، أنه
يتوجه للاجئين ولتجمعات بشرية تعيش خارج وطنها وتطالب منذ 57 سنة بحقها في
العودة اليه.
م. ت. ف
وسيفيتاس:
يفترض المشروع منذ البدء ان م. ت. ف تحتاج الى واسطة بينها وبين تجمعات
اللاجئين الفلسطينين لكي تتعرف قياد المنظمة على "حقيقة آراء اللاجئين
ومطالبهم" وكذلك الامر بالنسبة الى "المؤسسات الدولية الاخرى وممثلهم
المحلي". لكن السؤال الذي يبرز على الفور، هو: عن اي "م. ت. ف" نتحدث؟
ياتي
سيفيتاس في مرحلة هي الاخطر على حقوق اللاجئين الفلسطينين، وهي مرحلة البؤس
الشامل والفساد الشامل في المؤسسة الفلسطينية الرسمية، السلطة و"م. ت. ف"
على حد سواء، وهي نتاج سقوط القيادة الفلسطينية في وحل مشاريع التسوية ونهج
التفرد والاقصاء. حالة الدمار في مؤسسات السلطة و"م. ت. ف" سببه فساد قيادة
السلطة والمنظمة معا. إن قيادة م. ت. ف التي وقعت على اتفاق أوسلو لا
يمكنها ان تكون ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، لذلك، فحين يدعو المشروع الى
حق "إسماع صوت اللاجئين الفلسطينين وايصال إحتياجاتهم، الى ممثلهم الوطني"
تجد الدعوة بعض الصدى، لانها تدغدغ عقول و"قلوب" الناس من جهة، وتؤكد غياب
م. ت. ف، وهذا صحيح، وتعمل على دغدغة جيوب البعض من جهة اخرى.
المدخل
الثقافي للمشروع:
يستند "سيفيتاس" الى مقولة "حق اللاجئ الفلسطيني في أن يقول ما يريد"، وهذا
حق مشروع للجميع وصحيح دائما وأبدا، من يقول بعكس ذلك يضرب حق شعبنا في
إبداء رأيه وحقه في انتخاب ممثليه، لكن الخطر الكامن في المشروع هو في خلع
جماعية الحقوق الوطنيةواختزالها الى (الفرد) اي "وجهة نظر الفرد- اللاجئ"
وهذا ترويج فاضح لثقافة "الديموقراطية والحقوق" وفق مقاسات الليبرالية
الجديدة على طريقة جورج بوش الابن ودوائر الاستخابرات الغربية ودكاكينها
ومعاهد الدراسات التي تشرف عليها تلك الدوائر بما في ذلك اكسفورد ذاتها.
ينزع "سيفيتاس" إذن نحو تجذير ثقافة مغايرة ونقيضة لكل ما راكمته التجربة
الجماعية الوطنية للفلسطيني، عن ذاته الجماعية وعن "الآخر" وعن معاني وقيمة
التحرر الوطني وعن مركزية حق العودة ووحدة مصير الشعب الفلسطيني في الوطن
والشتات. كما أن محاولة بتر الشتات عن الوطن، يعني في النهاية، ضربة قاسمة
لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي لا يمكن ممارسته، عمليا، الا بعد
عودة اللاجئين الفلسطينين الى وطنهم وتعويضهم واستعادة ممتلكاتهم، لانه حق
مشروع تمارسه الشعوب فوق ترابها الوطني لا خارج حدود الوطن في مخيمات البؤس
ومناطق الشتات.
من يمول
المشروع؟
الاتحاد الاوروبي هو الذي يمول المشروع المذكور، وهو ذاته الذي يلاحق
المقاومة الفلسطينية ويضعها على قوائم الارهاب، وهو الذي يشارك بالفعل
وبالصمت في المذبحة اليومية ألتي يتعرض لها العرب والمسلمين في فلسطين
والعراق وأفغانستان، بل وفي مناطق كثيرة من هذا العالم، من جزيرة هايتي
وكولومبيا مرورا بالشيشان وساحل العاج ودارفور السودان وصولا الى اي بقعة
تختارها. هذا الاتحاد الاوروبي هو الذي يمنع الاف المهاجرين من الوصول الى
أراضيه، ويموت في "رحلة" السفر اليه الالاف من العرب (خاصة المغاربة)
ليستقروا في قيعان المحيط. ان الاتحاد الاوروبي وفي القلب منه بريطانيا
وجامعة اكسفورد العتيدة سوف لن يتبنى اطلاق مشروع تحررّي وطني فلسطيني.
الاتحاد الاوروبي هو الذي ينشر ثقافة المنظمات الغير الحكومية بديلا عن
ثقافة التحرر الوطني والاستقلال والتنمية المستقلة بالحماية الشعبية، سوف
لن يدعو الفلسطيني الى التمسك بحقه وحقها في العودة الى وطنهم ولا الى بناء
المؤسسات الكفيلة التي تضمن وتحمي هذا الحق الوطني والقانوني والطبيعي.
الاتحاد الاوروبي، سوف لن يعيد بناء مؤسسات م. ت. ف التي دمرتها قيادة م.
ت. ف ذاتها عبر مشاريع "البزنس" المشبوهة ونهج التفرد اللامسؤول
واللاديموقرطي الذي أرسى دعائمه أهل مدريد وعصابة أوسلو وعلى رأسهم "ابو
مازن". وقد نجح الاتحاد الاوروبي في تخريب العشرات من المؤسسات الفلسطينية
في الوطن وهو الان ينتقل الى لعب دور مماثل في تجمعات الشتات الفلسطيني
وعبر ادوات فلسطينية وتحت شعار: اتركوا اللاجئين يقرروا مصيرهم وكونوا
ديموقراطيون! اليس هذا استغلالا مركبا ومتعمدا لاوضاع اللاجئين تذكر بكلمات
الشاعر محمود درويش وهو يسأل:
"أتقتلني؟
وتسرق
جثتي؟
وتبيعها؟!"
مرجعية
المشروع ومؤتمر مدريد
مؤتمر مدريد الذي يحتفي به مشروع "سيفيتاس" ويؤسس عليه مدماكه السياسيّ. هو
المؤتمر الذي عقد تحت مظلة قراري 242 و 338 وتحت شعار مقلوب وهزيل عنوانه
الارض مقابل السلام! لم يذكر مدريد القرار 194 ولم يأتي على ذكر كلمة "حق
العودة"، وكلنا يعرف كيف كانت المشاركة الفلسطينية غير الشرعية أصلا في
المؤتمر، وتحت عباءة النظام الاردني، وكيف تجاوزت قيادة م. ت. ف الشروط
الست التي حددها المجلس الوطني الفلسطيني لاجازة المشاركة. كان مدريد، في
جوهره وغايته، بداية السقوط العلني والرسمي، ليس للقيادة الفلسطينية وحسب،
بل لكل من شارك من الدول العربية في فخ التسوية والهاوية في مدريد والتي
قادت شعبنا فيما بعد الى اتفاق أوسلو، والى غيره من الاتفاقيات (وادي
عربة)، والى عنق الزجاجة الاسرائيلية، والى هذا الشتات الشامل.
عن أي
شتات نتحدث؟
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يدعم مشروع "سيفيتاس" حسب مذكرة أرسلها
الى الدكتورة كرمة النابلسي، مديرة المشروع، يطلب من سفارات ومكاتب المنظمة
استضافة طاقم "سيفيتاس" وتسهيل الامور امام المشروع من اجل عقد لقاءات
ثنائية وجماهيرية مع طاقم المشروع. في الوقت ذاته، يقف السيد فاروق القدومي
رئيس الدائرة السياسية في المنظمة ضد مشروع "سيفيتاس" ويرسل مذكرة الى
"السفراء وممثلو المنظمة ودولة فلسطين" لرفض المشروع وعدم التعامل معه
باعتباره خارج الاجماع الوطني الفلسطيني. ونحن بدورنا نؤيد دعوة القدومي
ونثني عليها ونتمنى ان تخرج الى العلن، لكن رئيس المجلس الوطني السيد ابو
الاديب يقف متفرجا وفي وضع لا يحسد عليه، بين حانة السلطة ومانة ما تبقى من
المنظمة. بينما يتحفنا الرفيق معتصم حمادة من الجبهة الديموقراطية لتحرير
فلسطين في مقالة يدعو فيها الى "التعقل وعدم التسرع ومحاكمة المشروع قبل ان
يجد تطبيقاته على الارض"، أي نفس الحجة التي ساقها "ابو مازن" واستخدمها
اهل أوسلو في ردهم على من عارضوا الإتفاق المشؤوم. تحت شعار: "يا أخي دعونا
نُجرّب"!
أوليس
هذا هو الشتات الحقيقي والشامل بعينه؟
ان الغياب المأساوي لـ "م. ت. ف"، والتعطيل المتعمد لاعادة بناء الاطر
الوطنية الموحدة لها من (مجلس وطني، مجلس مركزي، اتحادات شعبية ونقابية،
نسوية، طلابية، عمالية،..الخ) هو الذي يسمح لاختراقات من نوع "سيفيتاس" في
(الشتات) ومشروع "بانوراما" الكندي الذي يتوجه بدوره الى مخيمات (الضفة
والقطاع) ويتلاقى الطرفان في عملية مدروسة وتقسيم وظيفي بقصد او دون قصد،
والا ما معنى اللقاءات التي تعقدها الدكتورة كرمة النابلسي مع ممثلي
المؤسسات الكندية وممثلي وزارة الخارجية الكندية في أتاوا، وكلنا يعرف دور
كندا القذر في مشروع التوطين ودعمها اللامتناهي للعدو الصهيوني.
في
الوقت ذاته يجب ان لا يحاول من يقفوا ضد المشروع، تبرئة م. ت. ف، كما يفعل
كاتب فلسطيني في مقالة يدافع فيها عن "م. ت. ف وصناع التاريخ الفلسطيني"
بقوله: "قد تكون م. ت. ف مقصرة بعض الشيء تجاه اللاجئين".. لا يا عزيزي،
م. ت. ف ليست فقط "مقصرة بعض الشيء"، انها المسؤولة رقم واحد عن ما آلت
اليه الامور، ويجب ان يتمثل المطلب الشعبي ليس فقط في إعادة بناء تلك
المؤسسة على أسس ديموقراطية جديدة، بل وايضا في محاسبة أجهزة الفساد ومن
أهدر المال العام للمنظمة من أبو مازن وجرّ. وبدون المحاسبة سوف نعيد انتاج
الهزيمة مرة اخرى.. ان ما تصرفه زوجة أحد "صناع التاريخ" في اسبوع واحد،
من اموال شعبنا، يطعم مخيم الامعري ويوفر له الكهرباء والدواء لمدة سنة أو
اكثر.
ردود
الفعل على المستوى الشعبي:
يمكن القول دون ادنى مبالغة، بأن الاكثرية الساحقة ممن شاركوا في اللقاءات
التي عقدت في مدن أمريكا الشمالية واوروبا وفي المخيمات والوطن العربي،
رفضوا المشروع جملة وتفصيلا، لم يخدعهم دليل سيفيتاس الكاذب، الامر الذي
يدلل على عمق الوعي الشعبي الرصين الذي يعرف كيف يرصد ويتصدى للمخاطر التي
يحملها هذا المشروع وغيره من المشاريع المشبوهة، ويؤكد شعبنا، للمرة الالف،
أنه اكبر من نخبه السياسية والاكاديمة وفصائله الوطنية والاسلامية، واكثر
جرأة من "قياداته" وأكثر حرصا على حماية حقوقة الوطنية المشروعة وفي
مقدمتها حقه في العودة الى وطنه ودياره التي شرد منها قسراً. ولا توجد
شخصية فلسطينية واحدة، تحظى باحترام الشارع، يمكنها ان توافق على مهاترات
"سيفيتاس" ومن يقف خلفها.
لن يكون
مشروع "سيفيتاس" سوى زوبعة في فنجان ستذهب الى مزبلة في مخيم، على حد قول
لاجئ ومناضل فلسطيني، ولن يحصد القائمين عليه سوى كمشة من الريح والفشل.
لكن رغم هذا، يجب ان لا يتواصل الصمت إزاء "سيفيتاس" وغيرها من المشاريع
التي لا تخلو من الزيف والتضليل.
* كاتب
وناشط فلسطيني.
|