عادل أبوهاشم

مدير تحرير صحيفة الحقائق

adel@alhaqaeq.net

05/12/2003

هذا ما جنته علينا أوسلو..!!

 

يواجه المواطن الفلسطيني منذ عقد من الزمان شريطـًا لأنباء سريعة متلاحقة، تختلف عناوينها ومضامينها بين يوم وآخر، ولكنها تدور كلها حول قضية واحدة هي حقوق الشعب الفلسطيني.

مع التأكيد على أن الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني ليس بجديد، فالقضية مطروحة منذ غزا الاستعمار الغربي الأرض العربية، ومنذ بدأت الصهيونية تـنفيذ مخططاتها على أرض فلسطين، إلا أن الجديد في هذا الحديث هو أنه يأخذ ضمن الأوضاع الراهنة الرديئة، بعدًا سلبيـًا خطيرًا، يهدف إلى تفريغ شعب فلسطين من محتواه ومعـناه.!

ومن هنا فإن ما يستجد اليوم من أحاديث عن حقوق شعب فلسطين، في هذه الأيام التي تبدو فيها نوافذ الاستسلام والتخاذل والتهافت مشرعة في أماكن كثيرة من الوطن العربي عن عجز في بعض الحالات، وعن تصميم وإرادة وانحراف وخيانة في حالات أخرى!

في هذه الأيام التي تتجسد فيها التـنازلات والتراجعات عن المبادئ والثوابت بالممارسة الفعلية على الأرض، وعبر المؤتمرات والتصريحات والخطب التي تلقى هنا وهناك بالدعوة للاستسلام والتسويات وأنصاف الحلول والتـنازل عن البقية الباقية من الثوابت والأرض الفلسطينية، من قادة ومسؤولين ومخاتير ووجهاء وأشباه مثقفين شاءت لهم الظروف- بل أرادت لهم الإدارة الأمريكية وسلطات العدو الإسرائيلي- أن يكونوا في مواقع مؤثرة في هذه الحالة المصيرية بالذات !!

في هذه الأيام التي تفتح فيها الجسور أمام الأعداء لاقتحام الأوطان وتركيز أعلامهم السياسية، والعسكرية والاقتصادية والثقافية على هضاب وسفوح ومرتفعات وجنبات الوطن العربي!

في هذه الأيام- من هذا الزمن الرديء- الذي تشير فيه كل الدلائل إلى المحاولات الحثيثة والجادة الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، التي يدور من حولها مصير الإنسان العربي وجودًا وعدمـًا!

فالحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني إنما هو في الحقيقة حديث عن الانـتقاص في حقوق هذا الشعب.!

عقد مضى كنا كلما نزلنا درجة إلى أسفل مدارك العمل الوطني، نتوهم أننا وصلنا إلى قاع البئر، ثم نكتشف في اليوم التالي حين نصل إلى درجة أسفل، إنه حيث كنا لم يكن قاع البئر، ويبدو إن "وثيقة جنيف" ليست قاع البئر بل هي استمرار في الانزلاق نحو القاع..!!
فنحن اليوم أمام "نكبة جديدة" تتمثل في سلسلة من التـنازلات عن حقوق شعبنا الفلسطيني ومصالحه الوطنية، وعن المبادئ والمثل التي آمن بها وعمل لها وضحى من أجلها على مدى قرن من الزمان.

إننا نواجه نكبة في مستوى نكبات 1948م و1967م و1993م، وقد تكون نكبة "وثيقة جنيف" عام 2003م أسوأ من النكبات السابقة من حيث تكريس للآثار السلبية للنكبات الماضية، وإعطائها "شرعية  فلسطينية"، وتثبيت هذه الآثار وضمان استمرارها وحمايتها في تحقيق عملي للأهداف التي سعى

 

 الصهاينة للوصول إليها في حربي 48 و1967م واتفاق أوسلو 1993م، وبالتالي فهو الأمر الذي يعرض طموحاتـنا الوطنية وآمالنا بالعودة لخطر الاندثار.!

إن "وثيقة جنيف" حلقة ليست الأولى ولا الأخيرة في مسلسل الهزائم الفلسطينية، ولم تكن مجرد هزيمة للأهداف والمطاليب الحقة وللوسائل وصيغ العمل، إنها أخطر من ذلك.. إنها هزيمة الأمل.!

لقد ضربتـنا هزائم عديدة منذ عام 1948م في صميم وجودنا بشرًا وأصحاب قضية، سلبت الأرض ودمرت العمران وقتلت الرجال والنساء والأطفال، وشردت الشعب، لكن هزيمة 2003م التي تمثلت في "وثيقة جنيف" أصابت في الصميم ما هو أخطر من ذلك كله، أصابت أمل الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرض آبائه وأجداده.!

لقد ولدت الهزائم السابقة الأمل في أنفسنا ومؤسساتـنا وقيمنا، فبعثت من الانكسار وثبة، وقامت من تحت رماد الاحتلال انتفاضات عديدة، ومقاومة أشاد بها العالم.

أما الهزيمة الحالية فأخطر ما فيها أنها استهدفت الآمال أولا، وأضعفت بالتالي الثقة بالذات والمستقبل وبالنضال من أجل التحرير بل بمبدأ التحرير نفسه.!

ويتساءل الإنسان الفلسطيني والعربي البسيط: وماذا بعد؟؟ وهو بين مكذب ومصدق أن " مزاد التصفية " هذا يتـناوله على مرأى منه وأمام عينيه .! وإلى أين ستأخذه مرحلة " تهافت التهافت " التي فرضت عليه منذ مؤتمر مدريد عام 1991م حتى الوصول إلى "وثيقة جنيف" والتـنازل عن الثوابت الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة.!

وهل كان باستطاعة كائنـًا من كان من الفلسطينيين أن يوقع على "وثيقة جنيف" لو لا وجود "اتفاق أوسلو".؟!

فلا شيء يولد من العدم، ولا شيء يقوم على الفراغ..!!
اتفاق أوسلو عام 1993م لم يقم من العدم، فقد احتاج صانعو هذا الاتفاق إلى سنين طويلة ليصلوا في النهاية إلى حفلة توقيع في ساحة البيت الأبيض في واشنطن.!

ومن العبث أن نرجع إلى الوراء لنحدد يومـًا معينـًا أو حدثـًا خاصـًا يمكن أن نزعم أنه كان نقطة الأساس في بدء المسيرة نحو الاتفاق، فليست الأحداث والأيام التي سبقت توقيع الاتفاق إلا محطات في طريق المسيرة التي عرفنا في أوسلو أين وصلت، ولكننا لم نعرف بالضبط متى وكيف بدأت ولا متى وكيف ستـنتهي.!

كذلك فإن التوقيع على "وثيقة جنيف" لم يأت من العدم، فلقد كانت كل المقدمات التي تلت مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو تؤدي إلى مثل هذه النتائج، بالرغم عن التمنيات والأماني التي كانت تساورنا بين الفينة والفينة، والأضواء البراقة التي كانت توحي بأننا قد عرفنا الطريق بعد أن بشرنا "منظري أوسلو" بأنها نهاية النفق..!!

لا يكاد الإنسان العربي عامة والفلسطيني بصفة خاصة أن يصدق ما ذكره أحد الموقعين على هذه الوثيقة لتبرير فعلته المشؤومة بأن "كـلب حي أفضل من أسد ميت"..!!

منذ متى تقودنا "الكلاب" لتحقيق آمال وطموحات شعبنا..؟!!
وإلى متى ستقودنا "الكلاب الضالة" إلى متاهات نعلم بداياتها ولا نعلم إلى أين ستوصلنا ؟!

هذه "الكلاب الضالة" هي التي تسابقت في السنوات الماضية- إرضاءً لأسيادها في البيت الأبيض الأمريكي والكنيست الإسرائيلي-  إلى تشويه تاريخ نضال وجهاد الشعب الفلسطيني ، وإشاعة روح الإنهزامية والإستسلام ، وتشجيع العدو على مواصلة عدوانه..!!

فمن إدانة المقاومة ووصفها بالإرهاب ، مرورًا بتحريم العمليات الإستشهادية وإطلاق صفة القتلى على منفذيها بحجة أن عملياتهم تكرس الحقد بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ، وأنها لا تخدم هدف إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إلى تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، وإعطاء ذريعة للعدو الإسرائيلي للإستمرار في حرب تدمير المخيمات..!!

عشرات من البيانات التي نشرت في الصحف العبرية يصف فيها "فئران الجحور" الذين توالدوا وتكاثروا في "زمن أوسلو" انتفاضة الأقصى وعمليات المقاومة وصد العدوان الصهيوني "بالعنف"..!!

لقد وصلت الوقاحة والاستهتار بالدم الفلسطيني أن ألقى أحد هذه "الكلاب الضالة" خطابـًا في الجامعة العبرية يقول فيه إنه " لن يعم السلام ولن تقوم دولة فلسطينية إلا إذا تخلى الشعب الفلسطيني عن مطلبه بالعودة إلى دياره ، وأن الإنتفاضة الملطخة بالدماء هي حالة من التشنج وليست ثورة شعبية ..!! " كما دعا الشعب الفلسطيني إلى الإعتراف والإقرار بالروابط التي تربط اليهود بالأقصى وهو ما يسمونه بـ " جبل الهيكل"..!!

إن هذا " الطابور الخامس " من "الكلاب الضالة" و"فئران الجحور"  الذين فضلوا المتاجرة بدماء شعبهم وقضية أمتهم ووطنهم، يعلم تمامـًا أن تحرير الأوطان لا يتم عبر التوقيع على التـنازل عن حق العودة، ونشر بيانات الإستسلام والتـنازل في صحف العدو ،أو المسيرات التي يتخللها الإنبطاح على الطريق في وجه الدبابات تارة ، والرقص أمام هذه الدبابات تارة أخرى ، أو حفلات التـنزه في القوارب ونحن نلبس الملابس المزركشة ، أو من خلال حفلات شواء السمك مع أصدقاءنا الإسرائيليين ، أو التلطي خلف رضى السفارة الأمريكية في تل أبيب..!!

وحتى لا نستمر في الانزلاق إلى أسفل مدارك العمل الوطني، وحتى لا تضيع دماء شهدائنا وجرحانا سدىً يجب على كل فلسطيني فضح وتعرية كل البؤر والمستنقعات التي يعشعش فيها كل من ارتكب جريمة خيانة الوطن وبيعه في سوق النخاسة..؟! إذ ليس من الدقة ولا الصدق أن نستمر في التركيز على العدو الإسرائيلي بالرغم من دوره الأساسي في الكوارث والمصائب التي حلت بشعبنا، دون أن نلتفت إلى داخل بيتنا ومجتمعنا لنطهره من الكلاب الضالة،  وفئران الجحور، والطحالب الفاسدة والعفن، والتائهون والضائعون بين العجز والانحراف، والسرطان الذي ينمو وتزداد أورامه في أحشاء الأمة، والوجوه العفنة  التي مسخت قضيتـنا العادلة، والعقلية المريضة التي لا تحرم الإثم والإنحراف وإنما تحلله وتفلسفه وتنظر له، وتضع له القواعد والمرتكزات من خلال مصلحتها الذاتية التي ترتبط بالضرورة بمصلحة العدو فتصبح وإياه شيئـًا واحدًا.!

قد يقول البعض أن وجود مثل هؤلاء الناس أمر طبيعي داخل كل مجتمع وعند كل شعب من الشعوب، ونحن لا ننفي ذلك في المطلق، وقد يكون في ذلك بعض الحقيقة، ولكن التاريخ قد علمنا أيضـًا أنه ليس هناك شعب من الشعوب ترك كلابه وجواسيسه وعملاءه ومزوري تاريخه، والمتآمرين على قضاياه المصيرية، يمرحون ويسرحون، ويرتكبون الإثم ويحكمون، ويتصدرون المسؤولية في مواقع الإدارة والتوجيه وجميع مرافق الحياة العامة التي تقرر مصير الأجيال المقبلة، مثلما نفعل نحن دون محاسبة أو عقاب، حيث يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وحيث يستوي أصحاب الرسالات والقيم والقضايا الوطنية، بالتجار والمزاودين والعملاء والجواسيس، والدجالين الذين يعبثون بإستقلال الأوطان، وشرف الأوطان، وكرامة الأوطان..!!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع