كارثية القبول بوثيقة الأسرى كما هي



إبراهيم أبو الهيجاء
من الواضح أن ثمة أسرى من " حماس " كان لهم اليد في صياغة وثيقة الأسرى ، وعلى الرغم من أهمية الوثيقة كمسودة للنقاش إلا أنها تحمل مضامين خطيرة ، من الواضح أن أسرى حماس الذي وقعوا عليها أو استشيروا بها ، لم يكونوا بإلمام كاف بتناقضاتها وأبعادها ، وان كنا لا نشك بحرصهم على القضية الفلسطينية فهم من ضحى وجاهد إلا أن ظروف الأسر النفسية والقهرية لها إشكالاتها التي تستوجب تمحيص الأفكار التي تبدع بها السجون تطرفاً أو تساهلاً ، والحركات الإسلامية والثورية مرت بتجارب شبيهة على مدار تاريخها وحركة حماس هنا ليست استثناء رغم أننا نتحدث بكل صراحة عن بعض السجناء وفي أفضل الظروف عن سجن واحد وعدد منهم ، وحتى لو كان للسجناء رأي في الثوابت الفلسطينية - وهذا حق لا ينكره احد - ، إلا انه لا يجوز لأحد أن يدعي امتلاكهم الحقيقة المطلقة ، ولا يجوز لأحد بالمقابل أن يشهر معاناتهم وبالتالي آرائهم لتمرير قضايا مصيرية تستوجب التشاور ما بين كل الفلسطينيين في السجون وخارجها.
لاشك أن وثيقة الأسرى هامة ولكن لايمكن القول أنها وثيقة مقدسة كما يحاول البعض تصويرها أو استغلالها ، ولذا يمكن القول انه يمكننا نقدها وتعديلها من منطلق واحد هو منطلق تناقضها ولاسيما في بنود ما يسمى بالشرعية الدولية ... لان هذه الشرعية في النهاية تعبير عن إرادة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية التي أملت أن تكون خمس دول بعينها دون غيرها صاحبة الكلمة العليا في الشئون الدولية في مجلس الأمن الذي يصدر فعليا القرارات الدولية ذات الشأن والمقصود هنا قرار (242) الأبرز في فهم الشرعية الدولية تجاه القضية الفلسطينية والذي تشير وثيقة الأسرى إلى قبوله والتسليم به رغم انه يتناقض بالضرورة مع حق المقاومة الذي تتحدث عنه ذات الوثيقة ، ويتناقض بالتالي مع حق العود وتقرير المصير وحتى إقامة الدولة الفلسطينية وكل المفردات الوطنية التي تطنب وثيقة الأسرى بالحديث عنها ... وحتى لو افترضنا وجود إجماع فلسطيني يقول ( نعم ) لوثيقة الأسرى إلا أننا نقابل رفضا إسرائيليا حتى لقرارات الشرعية الدولية الظالمة فمثلاً بعد انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي اليساري ( باراك ) بخمسة أشهر فقط ، تحدث باراك والمستشار القانوني الإسرائيلي في حينه " الياكيم روبنشتاين " عن عدم صلاحية أو انطباق القرار ( 242 ) على الحالة الفلسطينية .
ورغم كل ذلك تتعالى اليوم صيحات الاستفتاء لتصبح وثيقة الأسرى وما خلفها من شرعية دولية قرارا فلسطينينا تاريخياً و إلزاميا للشعب والقضية ولتفسير الحقوق فانه من المستوجب قراءة قرار (242 ) ووضعه في سياق واضح بعيداً عن التغليف الكاذب بان ذلك كفيل باختراق الموقف الدولي أو استغلاله بالحديث عن نضالات الأسرى لتسويغ القبول بالتنازل عن الثوابت الفلسطينية
ماهية القرار 242
وحتى لا يغوص معنا القارئ في شيء قد لا يعرفه الكثيرون ، فإننا نحمل لهم ما جاء في هذا القرار والصادر في 22/11/67 وبعد حرب ( 67 ) :
يؤكد القرار على إقامة سلام عادل ودائم في " الشرق الأوسط "، و يقرن القرار ذلك بأمرين :
1- الانسحاب الإسرائيلي من أراض أو الأراضي ( باختلاف النصوص ) المحتلة .
2- إنهاء حالة الحرب والاعتراف بوحدة أراضي كل دولة محقها بسلام وضمن حدود آمنة دون التهديد أو استعمال القوة .
3- اشتراط الحاجة إلى حرية الملاحة في الممرات الموجودة في المنطقة وإلى تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين مع حرمة الأراضي واستقلالها السياسي ، ومن بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح .
مخاطر القبول بالقرار
خطر الغموض وهذه مسالة معروفة لدى كل فقهاء وخبراء القانون الدستوري والدولي فحسب النص الإنكليزي " هناك انسحاب من أراض احتلت " ، أما النص الفرنسي والإسباني " فهناك انسحاب من الأراضي المحتلة " ، أي أن كل الأراضي وليس أجزاء منها بما يعني ببساطة متناهية الفسحة الكبيرة للمناورة والتملص وتحويل أرض ( 67 ) فحسب إلى أراض متنازع عليها ... والأخطر ان القبول بالقرار يعني فعلياً ورسمياً التنازل عن 78 % من أرض فلسطين الكلية ، وحقوقنا الفلسطينية في ارض أل 48 ، مع تأمين اعتراف وسلامة وأمن وحدود لإسرائيل المحتل أصلا .
كذلك ورطة المشارطة يساوي القرار بين الظالم والمظلوم ، بل ويفترض وجوب تسوية بينها قسراً ويجعل الانسحاب سبباً في التسوية والعكس صحيح ، واقتران الانسحاب بتسوية من القرارات غريبة الحدوث في حالات مشابهة في القانون الدولي . .. وحتى البند المتعلق ( بتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين ، كانت عبارة اللاجئين غير ملحقة بالفلسطينيين ، مما سيسهل على المفاوض الإسرائيلي التهرب منها ، وقد يشمل اليهود العراقيين واليمينين والسودانيين و .. الخ الموجودين بإسرائيل بدعوى طردهم من الدول العربية ، وهذه مسالة ليست افتراضية فقد اكدتها تصريحات ووثائق إسرائيلية كثيرة تطالب بتعويضهم عن طردهم من الدول العربية .. والنقطة الأهم أن القرار رغم ذلك ، لا يوجد له آلية إلزامية لتنفيذه رغم صدوره عن مجلس الأمن بالإجماع ، فهو يكتفي بتطبيقه من خلال تكليف الأمين العام لتعيين مبعوث خاص لمهمة قياس الأمور ، وقد فشل الوسيط ( يارينغ ) بالمهمة ، وحتى القرار ( 338 ) الذي جاء إثر حرب ( 1973 ) تحدث عن حث جديد لتطبيق قرار ( 242 ) ولكن اللافت أن هذا القرار يقترح بداية مفاوضات حول القرار ، تحت إشراف ملائم وليس إشراف دولي مثلاً .
تجربة أوسلو والشرعية الدولية
حتى لو تجاوزنا ورطات القرار آنفة الذكر وتحدثنا عن معالجة التسوية وتحديداً ( أوسلو ) وتوابعه لهذا القرار لوجدنا الكوارث التالية في تجربة التفاوض الأوسلوية ، وما جرى فيها من تكريس فتح الاتفاقات وتجاوز الأزمنة ، تثبت لنا جميعاً عقم آليات التسوية التفاوضية بل وسوء معالجتها ، وإذا كانت هناك نصوص واضحة جرى تفسيرها أكثر من مرة .. فما بالكم بقرار ( 242 ) الغامض أصلاً ؛ ولاحقا في إحلال المفاوضات الثنائية والمتعددة مع انقسام الاستحقاقات التفاوضية إلى انتقالية ونهائية ، تعني ببساطة نسف المرجعية الشكلية التي يتزين بها اتفاق أوسلو ( قرار 242 و 338 ) كون الشيء النافذ هو المفاوضات وليس غيرها ، ولو كان القرار كما يشتهي المفاوض الفلسطيني ويزعم ، إذن فليطبق القرار وليس الضياع في تفاصيل التفاوض المملة ، التي لم تترك شاردة وواردة إلا ووضعتها . .. .وإذا ما جرى استثناء الحالة اللبنانية ، فالقياس الفلسطيني على الحالات الموجودة في التجربة الأردنية والمصرية ( خطأ فادح ) كون تلك التطبيقات كانت منقوصة ولن تعتمد حقيقة القرار (242 ) في أحسن تفسيراته والدليل على ذلك أمران :
1- اعتماد المفاوضات الثنائية والتوصل إلى اتفاقات ومعاهدات حلت كمرجعية ونسخت جميع القرارات الدولية ، أنظر المادة السادسة في اتفاق كامب ديفيد ، والمادة ( 25 ) البند السادس الواردة في اتفاقية وادي عربة .
2- وعملياً لم يجر الانسحاب الإسرائيلي كلياً ونهائياً حتى آخر شبر من الأراضي المصرية والأردنية ،والدليل على ذلك إشكالات (طابا ) المصرية وتأجير منطقة ( الباقورة ونهاريا ) الأردنية ، ناهيك عن تقاسم المياه والخلل غير المتوازن في الترتيبات الأمنية الحدودية التي تفرض على ( مصر ) تواجد قوات ( إسرائيلية ) ودولية بعمق ثلاثة كيلومترات في عمق شرق الحدود المصرية ، وانتشار قوات دولية مع شرطة مدنية مصرية في عشرين إلى أربعين ( 20 -40 ) كيلو متراً داخل الأراضي المصرية .
وحتى الموقف الأمريكي الراعي الرئيس للتسوية والذي يتمسك ظاهرياً بكون القرار ( 242 ) أساس المفاوضات الحالية ، ولكن فعليا إبان مؤتمر مدريد " للسلام " أرفق مع الدعوة له تعهدات لإسرائيل في كون القرار ( 242 ) مازال يخضع للتفاوض ، فالموقف الأمريكي يعتبر القرار أساساً للتفسير وليس للتنفيذ والفرق هنا جوهري ويصب في ذات الاتجاه وعد بوش لشارون الذي ينسف كل مقومات القرار عندما تعهد له بعدم العودة لحدود 67 وعدم عودة اللاجئين وان القدس خالصة لإسرائيل .. والسؤال ما لذي تبقى من القرار إذا ؟ .. هذا إن كان للقرار تفسير أصلا ؟!
وحتى في حالة الخلاف حول ماهية القرار ، هل يستطيع المفاوض الفلسطيني تحويله لتحكيم دولي مثلاً ، الواضح من خلال أوسلو وتحديداً من المادة ( 15 ) أن تسوية المنازعات في البند الثاني تتم وفق آلية اتفاق وتفاهم الطرفين أي أن الأمور خاضعة للتفاوض ، ومن ثم لموازين القوى ومن ثم للراعي الأمريكي ...و علينا التذكر أيضاً أن اتفاق أوسلو لم يجر في ظل مظلة دولية وإنما في مؤتمر مدريد ، والواضح من النصوص أن القرار ( 242 ) يجري الحديث عنه بمعزل عن الفصل السابع أو المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة وكلاهما يعزز جعل القرار مربوطاً بالأمم المتحدة حيث التطبيق غير إلزامي ... وحتى في رسائل الاعتراف المتبادلة والمرفقة مع اتفاق أوسلو ، هناك التزام فلسطيني واضح في كون القضايا النهائية خاضعة في حلها للمفاوضات وليس لتطبيق قرار (242 ) ، ورغم التعهدات المجحفة في رسائل التبادل إلا أن رسالة الطرف الإسرائيلي لم تلتزم بشيء سوى الاعتراف ( بالمنظمة في إطار التسوية ) ... الغريب أيضاً أن مصدر شرعية إسرائيل في الاستيطان في الضفة الغربية والقدس كانت تطبيق قرار (242 ) حيث استندت إسرائيل إلى عبارة ( الحدود الآمنة ) لكي تشرع بكل هذه المستوطنات وهذا إشكال مهم عند التطبيق ... وحتى بقاء السلطة ووجودها ولاسيما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية سنة 1998م والواردة في اتفاقية أوسلو ، أصبح مرتهناً باتفاقيات تعدل بعضها بعضا دون جديد وصولا إلى أكثر من عشر اتفاقيات ، وفي هذا دليل إضافي على أن شرعية المعاهدات والمفاوضات الثنائية هي المرجعية الحقيقية وليس القرار ( 242 ) والاستناد هنا على الواقع العملي ، وليس الاعتماد الشكلي المتكرس ليصبح حقيقة معترفا بها أيضاً .
نخرج من كل هذه الورطات والإشكاليات رغم إمكانية تشريحها أكثر ولكننا نكتفي هنا بإشارات منها ، ونختم حديثنا اليوم بمقولة هامة لـ " كيسنجر " وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الذي قال للعرب " ما الذي يدعوكم للتمسك بهذا القرار ، فليس فيه غير مجموعة من العبارات كل واحدة تتعارض مع الأخرى ، وهذه عبقرية الإنجليز الذين لم تعد لديهم القدرة على صناعة حلول للأزمات واستعاضوا عنها بلعبة الصياغات بحيث يتصور كل طرف أنه حصل على شيء ، ولكن في الحقيقة فإن أحداً من الأطراف لم يحصل على شيء "… ( كلام جميل ) ولكن ما اغفل عنه كيسنجر متعمداً هو أن إسرائيل أخذت كل شيء ، وتفاوضنا على الفتات .
 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع