17سنه على انتفاضة الحجارة ... كنس الفساد أم الاحتلال

بقلم: حمدي فراج*

في مثل هذا اليوم قبل سبع عشرة سنه، فجر الشعب الفلسطيني في وجه المحتل انتفاضته التي عرفت فيما بعد بانتفاضة الحجارة، والتي استمرت زهاء سبع سنوات تم خلالها احتواءها واجهاضها لتنجب لنا ما اطلق عليه السلطة الفلسطينية.

الانتفاضة كما هو معروف، اندلعت بعفوية الشعب المقهور رغم انه لم يظل احد من الفصائل القيادية في منظمة التحرير الا واعلن مسؤوليته عن تفجيرها، وهي منه براء، فلقد اعتمدت الحجارة كسلاح شعبي متوفر بحوزة الجميع، وكان وقودها الأطفال التي حملت اسمهم، فذهبت القيادة اياها لتوصفهم انهم جنرالات الحجارة، كما تذكرون.

الفصائل كعادتها، سارعت لاحتوائها، فشكلت ما اطلق عليه القيادة الوطنية الموحدة، فأصدرت اربعة بيانات كان يتم تداولها بشكل متسارع ومتعاظم، وكان هذا البيان الذي عجزت اسرائيل بعظمة قواتها واستخباراتها من الوصول الى حتى مطبعته، يترجم الى كل لغات الارض، ودخلت كلمة "انتفاضة" في قاموس اوكسفورد كأول لفظة عربية منذ خمسة قرون،ـ ويبدو انها آخر لفظة ـ، بعد البيان الرابع دخلت القيادة التي كان مقرها في تونس على الخط، وبدأت عملية الاحتواء والشراء، وهو ما نسميه بلغة اليوم الفساد والافساد، في البيان الخامس طالبت القيادة الموحدة بضرورة مد رقعة العمل الانتفاضي في الدول المجاورة، ولكن قيادة تونس شطبت ذلك، وبعد مضي بضعة اشهر تمت الهيمنة الكاملة على كل فعاليات الانتفاضة، يومها قال عرفات ان البيان رقم سبعين في جيبته، واصبح الذي تكسر يده حتى لو اثناء اللعب، يذهب الى عمان فيسجل انه جريح انتفاضة لكي يتلقى الثمن. وخلال ما تبقى من وقت عقد مؤتمر مدريد، ثم مؤتمر اوسلو واعلن رسميا عن انهاء الانتفاضة، او انتصار الانتفاضة بتتويج الوليد المسخ الذي اطلق عليه اسم السلطة، ليتبين بعد اقل من سنتين ان الظلم الاحتلالي على جماهير الشعب متواصل ومستمر، فكانت هبة النفق التي تم احتواءها  بسرعة قياسية، لكن الظلم بعد ذلك لم يتواصل فحسب، بل اصبح مزدوجا، او كما يقال متعدد الجنسيات، اسرائيلي وفلسطيني، ولم يظل هناك منحى انتهاكي لحقوق الانسان الا واقدمت السلطة الفلسطينية على ارتكابه، ووصل ان تقتل في داخل سجونها خلال خمس سنوات ما لم تقتله اسرائيل خلال ثلاثين سنه، حريات الرأي والتعبير والصحافة انتهت، ووصل الأمر ان يتم اعتقال معلمين طالبوا برفع مرتباتهم، واعتقال اصحاب ما عرف بوثيقة العشرين، والفساد بدأ يكبر وينمو ويترعرع الى ان وصل وفق تقرير يتيم للرقابه بحوالي 230 مليونا، وأصبحت السرقة والاختلاس سلوك يومي ومكشوف، وظل صغار موظفي اجهزة الأمن العشرة يتلقون مرتباتهم بالدولار اسميا، ولكن فعليا بالشيكل وبسعر يقل عن سعر صرف السوق بشيكلين، والبترول يتم غشه بقرار، كما قال ابو مازن في كتاب استقالته، ووفق التقدير المنطقي (الرياضي) فان حجم هذا الفساد يعم على كل ملاك السلطة وقيادة صفها الاول والثاني والثالث الذين يمكن تخمينهم بالمئات لا أكثر.

اليوم وبعد مرور سبعة عشر عاما على تلك الانتفاضة الشعبية التي انجبت المولود المسخ ـ نزار قباني في قصيدة المهرولون اسماه بالضفدع ـ والذي يتصادف مع رحيل ياسر عرفات وسنوح فرصة انتخاب رئيس جديد، مطلوب من هذه الجماهير كنس الفساد والفاسدين، وهو شعار اصبح لسان حال الغالبية العظمى من هذا الشعب، من ان مهمة كنسهم، لا تقل اهمية ولا حتى اولوية عن كنس الاحتلال.
 

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم.  hfarraj@hotmail.com   

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع