كعكة "فتح"..!!

عادل أبو هاشم

كاتب وصحفي فلسطيني- الرياض

a_abuhashim@hotmail.com

 

تأتي استقالة ما يزيد عن 250 عضو من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في مدينة رفح احتجاجـًا على غياب الديموقراطية داخل الحركة، واتهامهم بعض الأعضاء باستغلال "فتح" للحصول على المكاسب وذلك من خلال غياب المساءلة والمحاسبة في صفوف الحركة، مما أدى إلى تفشي المصلحة الشخصية وانهيار الأداء والسلوك التنظيمي لدى أبناء الحركة، وضياع الحركة (التي أصبحت غابة الجميع فيها ينهش بعضه البعض) بين أنياب المنتفعين والمتسلقين، حتى أضحت "فتح" مشروع استثماري لدى بعض المارقين، لتدق ناقوس الخطر مرة أخرى عن مستقبل حركة "فتح" في ظل ما يجري داخلها.!

لا أحد ينكر أثار التسوية السياسية على مجالات الحياة الفلسطينية المختلفة،

وظهرت أكثر وضوحاً على حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" ، فقد قطعت اتفاقية اوسلو وما تبعها من اتفاقيات الخيط الرفيع الذي يربط بين اعضاء حركة فتح ، والتي يجب علينا الإعتراف بأنها كانت الوعاء الذي احتوى جميع فصائل المقاومة الفلسطينية ، حيث انضم لها غالبية أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف شرائحه وتياراته وأفكاره ، وكانت ـ ولا تزال ـ تحمل علي أكتاف أبنائها المخلصين عبء مرحلة النهوض الفلسطيني والتي ابتدأت أولى مراحله مع قيام ثورته المسلحة في يناير 1965م .

لقد دفعت هذه التسوية بالكثيرين ممن لم يكن لهم تاريخ نضالي عسكري أو سياسي إلى القفز على السطح للانقضاض على كعكة "فتح" وهي التي يمثلها في هذه الحالة أجهزة السلطة الفلسطينية ..!!

وأصبحنا نرى أشخاص – لم نسمع بأسمائهم في مسيرة الثورة – يتباهون ويفاخرون ببطولات غير موجودة لديهم ولا يعلمون هم أنفسهم شيئاً عنها..!! كل شخص ينسب إلي نفسه أعمالاً وبطولات وعمليات عسكرية لم يقم بها ولم يحلم في يوم من الأيام القيام بها..!!

وظهرت طبقة جديدة من المنتفعين والمتسلقين الذين احتلوا مناصب ليسوا أهلا لها ، وإعتبروا أنفسهم فوق القانون ، وفوق الضوابط والحسابات ، وحجة كل واحد فيهم أنه محرر الأوطان وقاهر الأعداء.!، وأخذت تتشكل الكتل المتجانسة مصلحياً أو منطقياً ، وحتى عائلياً وجماعياً "نسبة إلي جماعة أبو فلان وأبو علان" ، وجميعهم لا يربطهم إلا رابط مصلحي يقوم على الفوز بنصيب الأسد من كعكة "فتح"..!! 

وظهرت فئة من موظفي السلطة قامت باستغلال حاجة المواطن بدلاً من مساعدته ، حيث استفادت هذه الفئة من الحصار الذي فرضته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية ، فعمل أفرادها كوسطاء مع الجانب الإسرائيلي لحصول المواطن الفلسطيني عل تصريح لزيارة إسرائيل أو بطاقة هوية للعائدين وتسوية أوضاع مطلوبين للأمن الإسرائيلي مقابل مبلغ مادي متفاوت في حالة مشابهة لسنوات الأحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، حيث ظهرت في تلك الفترة فئة من المخاتير الذين كانوا يتدخلون لدى الحكم العسكري الإسرائيلي من أجل حصول المواطن الفلسطيني على تصريح سفر مقابل مبلغ من المال ، وغالباً ما كان المخاتير يحملون مسدسات يتجولون بها لإشعار الجميع بالحماية الإسرائيلية.!

وفي عهد السلطة الفلسطينية ظهر مخاتير من نوع جديد وهم موظفون بدرجات مختلفة ورفيعة في أجهزة الأمن ومؤسسات مدنية وبعضهم بمرتبة وزير يحظون بدعم إسرائيل ويستمدون قوتهم من قوتها لدرجة أنهم يتمردون على التعليمات والقرارات العليا ويستغلون مناصبهم للإستفادة من المواطنين  الذين دفعتهم الحاجة لطلب تصريح زيارة من إسرائيل للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية ،أو العمل في إسرائيل أو الحصول على بطاقات الإقامة وتقدم الخدمات لهم مقابل مبالغ مادية.!

واستمرت حالة الترهل الإداري والتضخم الوظيفي في مؤسسات السلطة مع وجود أزمة في مجال إدارة المؤسسات بسبب انعدام وجود الهياكل التنظيمية وغياب الخطط الإستراتيجية في معظم مؤسسات القطاعين العام والخاص مع تكريس "النظام العائلي" في ادارة مؤسسات السلطة ، وقد أشار عزيز كايد الباحث في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية إلى الفساد الإداري ومؤسسات السلطة التي لا تتصرف وفق الصالح العام لدى لجوئها إلى التوظيف وكذلك المبالغة في استحداث الوظائف والحصول على الترقيات بناءً على اعتبارات سياسية ،أو تنظيمية ،أو فئوية ،وأن أغلب الوظائف لا يعلن عنها ولا تخضع لوسائل التنافس الحرّ تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص ، وإن مظاهر التضخم الوظيفي تتمثل في تعدد الوظائف العليا وكثرة عدد شاغليها وكثرة المستشارين وتوظيف أشخاص على كادر معين ويفرزون في نفس الوقت للقيام بالعمل في كادر آخر مختلف تماماً.

وظهرت طبقة من مسؤولي السلطة الفلسطينية "تهيم عشقاً" بكل ماهو إسرائيلي ، معتبرين أن إسرائيل ، هي مبرر وجودهم وعزهم وهي العمق لهم بدلاً من العمق العربي ، فكل إسرائيلي في مناطق السلطة هو "مندوب سامي " يجب على الجميع الترحيب به.!

ولعل كلام نائب رئيس المجلس التشريعي السيد حسن خريشة في مؤتمر "عشر سنوات على وجود السلطة الفلسطينية.. تقييم التجربة ورؤية المستقبل" الذي عقد في مدينة رام الله في مارس "آذار" الماضي خير دليل على ما وصل إليه أداء السلطة، حيث قال: "بحثت ولكني لم أستطع أي إيجابيات للنظام السياسي الفلسطيني سوى أنه ومع قيام السلطة اكتشفنا عجزها عن تلبية تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني".!

هذه الممارسات والسلوكيات المشينة التي انتهجتها بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية في استغلال نفوذهم ونهب أموال السلطة والشعب " وتقرير هيئة الرقابة الفلسطينية لا يزال ماثلاً للعيان " كل ذلك أدى ببعض الكوادر العسكرية أن تفقد توازنها أمام التحولات والمتغيرات التي صاحبت المجتمع الفلسطيني في الأونة الأخيرة.

لقد كان عزاؤنا في بادئ الامر أن هؤلاء المنتفعين المتسلقين الذين "شربوا حليب السباع" عند دخول السلطة الفلسطينية إلي الأراضي الفلسطينية في مايو" أيار"عام 1994م  سينكشفون عاجلاُ أم آجلاً أما أبناء شعبهم ، ولكن بعد أكثر من عشر سنوات دامية اكتشف الفلسطينيون خطأما اعتقدوا به.!

لقد نادينا كثيراً بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب لا أن تعطى المناصب للولاء الشخصي بدلاً من الولاء الوطني ، وإلى حسن الحديث في المديح والإعجاب بدلاً من الكفاءة وشجاعة إبداء الرأي ، حتى لا نصل إلى مثل هذه الإفرازات والمظاهر الانحرافية التي لا تمت بصلة إلى عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني ، وبعيده كل البعد عن مبادئ الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني الذي قدم لها هذا الشعب قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين.

وللتاريخ والحقيقة فإن أصوات الشرفاء داخل حركة فتح والعديد من قيادات الشعب الفلسطيني قد أصابها الكلل والملل من النداءات المتواصلة للسلطة لتقويم المسيرة الفلسطينية ، والقضاء على ظاهرة انتشار الفساد من قبل بعض المتنفذين في أجهزة السلطة ، والتخلص من المحسوبية والأغراض الشخصية في التعيين ، وطالبت هذه الأصوات الرئيس ياسر عرفات- رحمه الله- بالتخلص من كثير من الرموز التي حملها على أكتافه والتي لا تستحق هذا الحمل الطويل ..!!

ويبقى عزاؤنا وعزاء كل فلسطيني وعربي بأن أرض فلسطين ... أرض الشهداء الذين سقطوا جيلا بعد جيل منذ بداية القرن ... أرض أطفال الانتفاضة الذين واجهوا الدبابات الإسرائيلية بصدورهم العارية ، هذه الأرض التي تجسدت بالمرأة الفلسطينية التي تستقبل أبنائها الشهداء بالزغاريد معلنة اعتزازها وفخرها بأبنائها ... هذه الأرض التي لن ترض أن تداس كرامة أبنائها من شرذمة قليلة تعبث بمقدرات الوطن.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع