عن الجزء الغامض في إرث الرئيس الفلسطيني

 

ياسر الزعاترة

صحيفة الشرق القطرية 6/12/2004

 

طالب منشور لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح بتشكيل لجنة عليا تحمل اسم "من أين لك هذا؟"، مهمتها فحص الوسائل التي تشكل من خلالها ذلك الثراء الفاحش الذي يتمتع به عدد من رموز السلطة. وأضاف البيان موجهاً كلامه لكل من رئيس منظمة التحرير، محمود عباس، ورئيس السلطة المؤقت، روحي فتوح، ورئيس المجلس الوطني، سليم الزعنون: "شعبكم لن يقف إلى جانبكم إذا لم تنفذوا ما كان مطلوباً منكم منذ زمن بعيد". وذهب البيان أبعد من ذلك حين هدد بأن "الكتائب ستضع حداً ببنادقها لكل مظاهر الفساد وستأخذ القانون بيدها وتشكل محاكم ثورية علنية وتنصب أعمدة مشانق في الميادين العامة".

 

ما ذكره البيان، وبصرف النظر عن الجهة التي أصدرته، هو في واقع الحال تعبير عن الهمس الذي يدور في الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج، سيما بعد الأزمة التي دارت قرب سرير الرئيس الفلسطيني وعلم الجميع أن محورها الأساسي لم يكن متعلقاً بحياة الرئيس بل بموته وتحديداً بالإرث المالي الذي تركه.

 

لم تكن سهى عرفات محل إعجاب أو تقدير الشارع الفلسطيني، فما من أحد كان مقتنعاً بها ولا بمبررات اقتران الرئيس الفلسطيني بها بعد أن بلغ الرابعة والستين (تزوجها عام 92)، لكن ذلك لم يكن مهماً لولا حكاية الإرث المالي الذي اقتتلت عليه مع ورثة الرئيس السياسيين الذين رحلوا باكراً إلى باريس لمعرفة حقيقة الموقف فتركتهم السيدة سهى يمارسون رياضة المشي على أبواب المستشفى، إلى جانب التواصل مع الصحفيين من دون معلومات حقيقية عما يجري في الداخل.

 

كثيرة هي المقولات حول الحقيبة التي كانت مع سهى الطويل وفاوضها القوم بشأنها، وما فيها من أرقام حسابات وأرصدة وصكوك أسهم في شركات هنا وهناك، وهي أموال الشعب الفلسطيني التي وضعت تحت إمرته. وحتى لو صح أنه استثمرها على نحو ما فإن ذلك لا يجعل عوائدها ملكاً شخصياً له، فيما يعرف الجميع أن كثيراً ممن وضع الرئيس الفلسطيني عرفات أموالاً تحت تصرفهم بغرض الاستثمار لم يكونوا أوفياء، فمنهم من نهبها كاملة، ومنهم من أعاد رأس المال وأكل الأرباح، وقليل منهم من كان أميناً ووضع كل شيء تحت تصرف المعنيين.

يشار هنا إلى أن تابعوا مؤخراً الكثير من المعلومات حول الثروة التي كان يتحكم بها الرئيس الفلسطيني، حيث وجدت فيها الصحافة الإسرائيلية مادة دسمة، الأمر الذي انسحب على بعض الصحف الأجنبية التي نقلت إحداها عن مصادر في (السي آي إيه) قولها: إن ثروة الرئيس الفلسطيني قد بلغت ملياراً ونصف المليار دولار.

 

لسنا نتحدث، نشير هنا إلى ممارسات تخص الرئيس الفلسطيني الراحل، رغم أن الملاحظات عليها أكثر من أن تحصى، والسبب الذي يدفع إلى تجاوز ذلك هو أن حركة الأموال في حركات التحرر غالباً ما تتسم بالسرية، لكن الموقف الآن غدا مختلفاً، فالورثة لا اليوم لا يتحدثون عن ثورة وسلاح، بل عن سلطة وديمقراطية وشفافية، ومن حق الشعب الفلسطيني عليهم أن يطلعوه على حقيقة الإرث المالي الذي تركه الرئيس، وإلا فكيف سيحاسبهم عليه بعد ذلك.

 

نعود إلى القول إن بيان كتائب شهداء الأقصى كان معبراً عن ضمير الشعب الفلسطيني برمته، وإذا كانت قوى المقاومة الفلسطينية عازفة عن الخوض في أمر كهذا تحسباً من ردة فعل فتحاوية، فإن على الشرفاء داخل البيت الفتحاوي أن يكون لهم موقف آخر إذا أرادوا أن يحافظوا على مصداقية الحركة بدل أن تتحول إلى حزب سلطة مدجج بالفساد كما هو حال الأحزاب الحاكمة في العالم العربي.

 

الشارع الفلسطيني في انتظار ما يشفي غليله حول هذا الملف، وإذا لم تظهر الحقيقة فلينتظر القوم من ألسنة الناس الكثير، فهذا الشعب مسيّس بطبعه، وهو لا يرحم الذين يتلاعبون بمصيره ولا بأمواله، وإذا كان عرفات قد تمتع بشيء من التسامح للاعتبارات المعروفة، فإن أحداً من القادة الجدد لن يكون بوسعه تكرار ذات اللعبة ومن ثم الاستمتاع بالحد الأدنى من الرضا في الشارع، حتى لو رتبوا له انتخابات يفوز بها بنسبة معقولة من الأصوات لغرض إضفاء الشرعية الانتخابية عليه، في ظل عدم توافر ما يكفي من الشرعية الثورية والتاريخية.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع