سوسن البرغوتي- 4 /6/2006
دخلت الديمقراطية المفصّلة على قياس المنتفعين منها إلى المنطقة على جنازير الدبابات وأجنحة الطائرات الحربية تحمل معها شعارات تضليلية وبرّاقة، أهمها "تسوية القضية الفلسطينية" أو بمعنى أوضح شرعنة الاحتلال الصهيوني لفلسطين..
الشعب الفلسطيني ومن خلال الانتخابات التشريعية قلب الموازين، وأعلن بانتفاضته السلمية عبر صناديق الاقتراع عن إرادته. الاستفتاء حدث فعلاً، ودخلت حركة حماس الانتخابات على برنامج الثوابت الوطنية، وعلى ذلك صوّت الشعب الفلسطيني لها.
لو كانت الحكومة الفلسطينية السابقة بأفرادها وهياكلها، وسياسة الهرولة نحو التسوية التي انتهجتها هي المقبولة لديه، فلماذا لم يؤكد الشعب على انتخابها مجدداً؟. لم يعد انتخابها مجدداً من قبل الشعب، وماذا ومن منظور آخر قد يبدو السؤال مشروعاً لو سألنا: ماذا قدمت الحكومة السابقة للشعب الفلسطيني ولقضيته التي بذل من أجلها كل التضحيات.؟
الموضوع الأكثر غرابة الآن، هو تلك الوثيقة التي وُلدت دون مخاض.! فكانت في بعض بنودها فخاً والتفافاً على المبادئ الوطنية، وهي وثيقة من ورق وليست سفراً هبط من السماء، بل اتضح انفراد مروان البرغوثي بإطلاق رصاصة اللارحمة على الشعب والحكومة والقضية في آن واحد.
وبدأ بعد ذلك حوار الطرشان، وتصاعدت الأصوات المجتهدة وكل له أجندته ومصالحه الشخصية، ولكن ما يسترعى الانتباه، تصريح المجدلاوي بأن وثيقة "الخِـناق" الوطني، أكثر قبولاً لديه من المبادرة العربية، فما هو جوهر الاختلاف بينهما يا رفيق.!؟
كلتاهما تقرّان وتعترفان بالكيان الصهيوني كدولة في "شرق أوسط جديد"، و "مباركة" عربية للتطبيع الشامل، هي إذن ورقة ضغط كما الوثيقة "السِفر" لتجويع وحصار الشعب الفلسطيني، والغاية واحدة وإن تعددت أوجه التنازل!.لكن السيد بسام الصالحي رئيس حزب الشعب "الركاحي"، أطلق العنان بتصريحه في إحدى جلسات الحوار مفتخراً بأن حزبه أول من نادى بوجود دولتين!.
ارتفع سقف الحماقات الوطنية، وانخفضت الأصوات التي لم تتنازل عن حق النضال لاحتلال وطن من البحر إلى النهر، بل وحوصرت وهُددت بالتلويح "ببعبع" الاستفتاء المفرغ من محتواه.
وكلما مرروا تصريحا، وثبت أنه مدسوس من سجون الاحتلال، انتقلوا إلى ورقة أخرى، تزيد الضغط على شعب المحاصر بجدار عازل، وبمعاقبة علنية عربية ودولية. فقد ثبت أن التبرعات والمساعدات العربية، باتت أكثر من نكتة بايخة، خاصة أنهم يدركون تماماً أن دخول الأموال إلى الداخل المحتل ضرباً من المستحيل.
الاستفتاء هو صك علني ببيع فلسطين، وشراء الذمم مقابل الأرض، والتلويح بالديكتاتورية منذ بدء الحوار المشروط مسبقاً، فلا يحق لأي من كان أن يستفتي على خطوط حمراء، ولكن يمكن الاستفتاء على كيفية إعادة المؤسسات الفلسطينية من أجل الصمود، وليس من أجل إلقاء القضية والشعب في سوق نخاسة الشرعية الدولية، والاستفتاء لغرض التنازل لـ "إسرائيل" عن فلسطين ال48، هو من حق الشعب الذي نبذته السلطة والمنظمة منذ قيامها، وتُرك وحيداً يواجه مصير عنصرية وتمييز قدري عليهم.
فلم نسمع أن أي دولة عربية تبنت أودعمت فلسطينيي الداخل، ولم نسمع أن السلطة بنت لهم مؤسسات وطنية من أجل دعمهم، فهل يحق لهم أن يقرروا غيابياً عنهم وإلغاء حقهم كشعب من خارطة الوجود؟. وهل لأحد أن يقرّ باستفتاء والشعب الفلسطيني يعاني من أزمة مالية حادة؟!.
فالأموال والجهود التي سُتصرف على حملة انقسام الشعب بين متنازل ومقاوم، أهل فلسطين أولى بها، وأطفالنا وشيوخنا يستحقون الرعاية أكثر من رعاية حملة تطبيعية تسووية.
يقيناً ما ألقى به مروان البرغوثي منذ بدء حملة التجنيد للانتخابات، ونزوله بقائمة المستقبل مع دحلان والرجوب،أضعف من صوته الوطني، رغم أنه قاد انتفاضة الشارع الفلسطيني، ورغم أنه سُلم للصهاينة ككبش فداء كما هو متعارف عليه. ورغم ترشحه ثم انسحابه، ثم عودته إلى ترشيح اسمه للرئاسة، لم يدرك أحداً بعد مدلولاتها وما تشير إليه. لكن الأهم في هذه اللعبة هو محاولة يائسة لإنقاذ فتح ولو على خراب فلسطين، وهل لمروان أو للعالم بأجمعه أن يفرض من منطلق منهجية فتح وأيدلوجيتها التفاوضية أن يخرس صوت الحق؟!.
فلسطين ما زالت ترزح تحت احتلال ترفضه الشرائع السماوية والقوانين الدولية، والقبول بحدود الـ67 ليس معنياً به إلا رعاة جيف ماتت، و "إسرائيل" لن تتخلى عن القدس، ولا عن لاءاتها الشهيرة، ونحن نرى ونسمع وحشية بناء مدينة تحت القدس الشريف، فإن تم التنازل عن القطاع وأريحا صورياً، ولحملة "إسرائيلية" دعائية، لا يعني مطلقاً أن الصهاينة وهبوا من خلال كنتونات مبعثرة الفلسطينيين حريتهم. فالوثيقة بمثابة تكرار "للفهمان" بأن تيار فتح بأكمله شباباً وشيباً وأسرى يقبلون بمقايضة الحق مقابل لا شيء مطلقاً، فقد خاضت فتح تجربة المفاوضات منذ 12 عاماً، فعلى ماذا حصلت؟
حتى الشركة المساهمة للتصفية "المبادرة العربية" لم تقبل "إسرائيل" بأقل بنودها، ولم تحقق للسلطة أي وجه للكرامة على أنها شريك في عملية السلام المزعوم. بل هي تمضي قدماً نحو بناء إمبراطورية على أنقاض الشعوب من بغداد إلى القاهرة، ونحن ما زلنا نرفع شعارات التفاوض!.
تلك الجملكية المنقوصة قانونياً وشرعياً، وبغياب قانون وطني ضابط وفلتان أمني، لا يدعو إلا إلى القول بأن النعام الفلسطيني يطمر رأسه بتراب وجزم المحتل، ويكشف عن عوراته، فعن أي كيان تحاورون، وفلسطين مغتصبة. أم أن الأوامر الأمريكية، تلزمنا جميعاً بأن ننصاع ونذعن للاحتلال، ونقبله على أنه صاحب الأرض ونحن جالية أقليّة عند "حضراتهم"؟. |