2/7/2005
جدلية العلاقة بين فتح و
السلطة
كان مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 هو البداية
الفعلية والصريحة لانخراط حركة فتح في العمل السياسي المعلن مع من كانوا
يعتبرون في
القائمة السوداء مثل إسرائيل والولايات المتحدة. إلا أن هذا العمل المعلن
لم يكتب
له الاستمرار وعادت حركة فتح ونزلت تحت الأرض في عملها السياسي – وهو أمر
غير
مستبعد في حركة تميز عملها بالسرية – وفاوضت الإسرائيليين حتى برز للعلن
اتفاق
أوسلو عام 1993 ونشوء سلطة الحكم الذاتي وبداية العلاقة الجدلية بين فتح
والسلطة.
فقد رفدت حركة فتح السلطة الفلسطينية بجميع كوادرها
على طول الامتداد العامودي لهرم السلطة لتثبت قدميها على الأرض الفلسطينية
ولاعتبارها – السلطة – نتاج العمل الفتحاوي المتفرد فقد كان لها وحدها
الأحقية في
إدارتها. وكذلك انطلاقاً من أن حركة فتح هي اكبر فصيل فلسطيني عامل في
النضال
الوطني. وهنا وقعت فتح في مطب التركيز على الكم الفتحاوي وإهمال النوع من
جانب
والتنوع الذي يمثله الشعب الفلسطيني بتياراته السياسية من جانب آخر. إلا أن
هذا ليس
بالأمر المستجد على حركة فتح فقد كانت التجربة مسبوقة بعدة تجارب أخرى من
خلال
تفردها بمنظمة التحرير ودوائرها السياسية مستخدمةً نفس التبرير النسبي.
وبما أن فتح كانت اكبر فصيل فلسطيني في انتفاضة
1987
فقد كان لابد من انعكاس ذلك على تمثيلهم في داخل السلطة وخصوصاً الأجهزة
الأمنية. حيث بدأت عملية احتواء للمجموعات الفتحاوية الناشطة في الانتفاضة
الأولى
باستدراجهم للعمل في الأجهزة الأمنية. وان كان قبول هذه المجموعات أو
الأفراد
لسياسية الاحتواء ثمثل بقلة معرفتهم بحيثيات اتفاقية أوسلو أو بعدم توقعهم
لما
سيكون عليه شكل السلطة أو لاقتناع بعضهم بان استكمال مسيرة التحرر التي
حملوها على
عاتقهم تكون بالاندراج في اطر السلطة.
بعد اشتداد ساعد السلطة وظهور نتائج اتفاقية اوسلو
على ممارستها ومنهجها في التعاطي مع الفلسطينيين والإسرائيليين، بدأت
تتنازع الكثير
ممن انضووا تحت لواء السلطة حالتين من الولاء: احدهما لحركة فتح الأم
ومبادئها في
التحرر والعمل الوطني والأخرى للسلطة التي تمثل إحدى انجازات العمل
الفتحاوي والذي
يجب حمايته والحفاظ عليه.
ومما زاد الأمر تعقيدا هو ممارسات الأجهزة الأمنية
الفلسطينية والتي تعتمد بشكل كبير على العنصر الفتحاوي في استمراريتها
وتجنيد
عناصرها. حيث كانت إحدى السبل إن لم تكن السبيل الوحيد أمام عناصر الحركة
الباحثين
عن عمل والذين لا يحملون أية مؤهلات. وهنا كان يبرز تساؤل خطير من الكثيرين
اللذين
تم احتوائهم في الأجهزة الأمنية وهو " من نخدم ؟" في إشارة إلى الممارسات
التي
يقومون بها هم وغيرهم ضد أبناء شعبهم. فكان القمع يتم على يد هذه الأجهزة
والتي
كانت تسير بممارساتها في اتجاه يخالف اتجاه التحرر الوطني بل على العكس
يخدم
الاحتلال الإسرائيلي ويعمل على حمايته بشكل يناقض و يضاد مبادئ الحركة الأم
والتي
يفترض أن تعمل في اتجاه حماية الحلم الفلسطيني والخلاص من الاحتلال.
على المستوى السياسي والاقتصادي فقد كان من يقدم
التنازلات السياسية ويقيد اقتصاد الفلسطينيين باتفاقيات اقتصادية مجحفة هو
السلطة
الفلسطينية من خلال كوادرها السياسية الفتحاوية من أمثال نبيل شعث، نبيل
ابو ردينه
، صائب عريقات، أبو مازن وعلى رأسهم ياسر عرفات. وبذلك ظهرت السلطة
الفلسطينية
كالواجهة الأمامية لتطبيق مشروع فتحاوي يعمل من خلف الكواليس هدفه الإضرار
بالمصلحة
الفلسطينية مما كان له اثر سلبي على الحركة.
لم تكن السلطة تعترف أيضا بمفهوم العدالة الاجتماعية
على مستوى شعبي، بل كان محصوراً في فئات مقربة من الحركة وقيادتها أو
للحركة نفسها
فقط. فالقضاء فاسد ومنحاز والرشوة والمحسوبية كانت تسعر بحسب الانتماء
الحزبي وكانت
أسهم حركة فتح في أعلى القائمة. والفساد المستشري أصبح ظاهرة تدل على
المنصب
والسلطة. فعلى سبيل المثال احمد قريع وفضيحته مع الاسمنت لم تؤثر عليه
سلباً بل على
العكس زادت من رسوخه في داخل السلطة ولم تؤثر عليه في داخل حركة فتح.
وعليه،
فقد زالت جميع الخطوط والفوارق التي تميز بين حركة فتح والسلطة. حيث زالت
الفوارق
بين حركة التحرر التي تناضل لحماية الثوابت الوطنية وبين السلطة السياسية
التي
تتنازل عنها. وبين الحركة التي تبذل الدم وبين السلطة التي تستثمره سلبياً.
وكانت
أحداهما تطغى على الأخرى وتتداخلان وتتقاطعان من غير ضوابط.
فياسر عرفات على سبيل المثال كان رئيس حركة فتح
ورئيس السلطة بكل ما يحمله هذا من تناقض أوجدته فتح بذاتها من خلال
ممارساتها عبر
قنوات السلطة. ولا يخفى بأن جبريل الرجوب ومحمد دحلان – والذي يشكل ألان
حاله قائمة
بحد ذاتها تسمى "الدحلانيه" – هما أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح وهو أعلى
سلطة في
الحركة بعد اللجنة المركزية، كانا مسؤلي جهاز الأمن الوقائي " الغستابو
الفلسطيني"
وهو الجهاز الذي يعمل على صيانة الحلم الصهيوني وحمايته.
فمحمد دحلان الآن يعقد اجتماعات أمنية مع الجانب
الإسرائيلي دون تحديد أي صفة. فهل تتم هذه اللقاءات بصفتها لقاءات أمنية
بين فتح و
الإسرائيليين أم بين دحلان شخصيا وموفاز أم بصفته وزيراُ بلا حقيبة أم انه
مندوب
السي أي إيه أو إم آي 6 البريطاني. و هنا يتجلى بوضوح اللبس والاختلاط بين
فتح
والسلطة وهذه الجدلية في العلاقة المبهمة. حيث تطغى احدهما على الأخرى حتى
تقضي
عليها. وهو ما لوحظ في سنوات عمر السلطة حيث بدأت حركة فتح بالتآكل وانهيار
شعبيتها
وتراجعت أسهمها في الشارع الفلسطيني وأخذت تنصهر تدريجيا في السلطة. وان
كانت عملية
الانصهار قد تمت بتخطيط مسبق كما ذكرنا لاعتبار فتح حزب السلطة إلا أنها
تزايدت
بشكل بدأ يهدد وجود الحركة ككل واستقلاليتها.
لذلك كانت انتفاضة الأقصى والتي حملتها حركة فتح
وقوات الأمن في البداية على عاتقيهما و أججا شرارتها ، حتى ظهرت كتائب
شهداء الأقصى
لتكون بمثابة الرافعة التي ستنشل فتح مما هي فيه. وتغسل عار السلطة عن
الحركة. وقد
صبغت كتائب الأقصى بالصبغة الدينية لإحداث التوازن المطلوب مع كتائب
القسام
ولمعرفة فتح بأن أي تنظيم وطني "علماني" سينبثق عنها لن يحظى بالدعم الشعبي
المطلوب
بعدما جرب الناس وطنية حركة فتح. و هذا قد ظهر جلياً في انتخابات المجالس
المحلية
2005
والتي انتزعتها حماس من حركة فتح.
وتعاد الكرة الآن مع بداية الحديث عن الهدنة حيث
اقترح محمود عباس احتواء كتائب الأقصى في الأجهزة الأمنية بدلا من تفكيكها
كما
اقترح دحلان سابقاً. لتنتقل الكتائب من فصيل يقاوم الاحتلال إلى فصيل يقمع
شعبه
وليضيف فصلاً اسود في تاريخ السلطة وهذا ما يجب على فتح والكتائب معالجته
بدقة. وقد
صرح العديد من قادة الكتائب كالزبيدي مثلا بعدم ممانعتهم في الانضمام
للأجهزة
الأمنية.
قد تكون فتح حزب السلطة وقد تكون الحزب الحاكم، إلا
أن التناقض الذي تحمله الحركة في مبادئها وفكرها مع ما تحمله السلطة في
ممارستها
وجينات وجودها يجعل العلاقة بين الاثنين مشوهة وجدلية في أقصى حالاتها.
مرحلة محمود
عباس هي مرحلة الأجندة و التي تتطلب حشداً فتحاوياً أكثر تماسكا مما كان
عليه
الموقف في عام 1994 ويتطلب مواجهة تعهدات والتزامات دولية وإقليمية بل
الأهم يتطلب
مواجهة تيار إسلامي صاعد ذو نفوذ لا يمكن تجاهله من خلال تغلغله في مؤسسات
المجتمع
المدني التي تقدم خدماتها للشعب الفلسطيني. لذلك سيتم استقطاب جميع العناصر
الفتحاوية أو العناصر الموالية لها كما سيحدث من استقطاب قوات بدر في
الأردن لتنضم
في اطر السلطة الفلسطينية الأمنية ليتسنى لعباس تحقيق أجندته.
فهل سنشهد انصهاراً كليا لحركة فتح تحت شعار الحزب
الحاكم في اطر ومؤسسات السلطة القادمة وهل ستفضي هذه الجدلية في العلاقة
إلى بروز
قضية ثالثة على شكل سلطة هجينة اشد تطرفاً مما كانت عليه لمواجهة خطر
التيار الديني
ومنافسته. أسئلة قد لا تبدو لها إجابات واضحة في المدى القريب لكننا سننتظر
غدا وان
غدا لناظره قريب.
أيمن نزال
كاتب فلسطيني - بريطانيا
platolatos@yahoo.ca |