الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي سابق للانتخابات

البروفيسور عبد الستار قاسم

واضح من سرعة اتفاق الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على الهدنة أن الاتفاق قد تم مسبقا وقبل الانتخابات الفلسطينية. قالت أمريكا وإسرائيل قبل الانتخابات بأن السيد محمود عباس سيكون شريكا في طاولة المفاوضات، وعبرتا عن تفاؤلهما الكبير بفوزه بمنصب الرئاسة الفلسطينية، وقدمتا دعما انتخابيا له بطرق متعددة. وما كاد يفوز بالانتخابات حتى أعربتا عن ارتياحهما وعن يقينهما بأنه سيسير في طريق المفاوضات الذي انقطع. وبعد عدة أيام أعلن موفاز، وزير الدفاع الصهيوني بأن اتفاقا قد تم بين السيد عباس والتنظيمات الفلسطينية على إقامة هدنة مع إسرائيل. نفت بعض التنظيمات حصول اتفاق، إلا أن الأيام كشفت حصوله.

تردد ايضا قبل الانتخابات أن السيد عباس قد توصل إلى اتفاق مع بعض فصائل المقاومة أثناء زيارته لدمشق وبيروت. لم يعلن عن الاتفاق في حينه، إلا أن دحلان اضطر للتحدث حوله بعدما قال السيد نزال، أحد أقطاب قيادة حماس، أن الانتخابات الفلسطينية مفصلة على مقاس أبو مازن. استغرب دحلان هذا التصريح على شاشة التلفاز وقال بأن هناك اتفاقا من ثلاث نقاط، وأنه لا يعلم لماذا نطق نزال بذلك التصريح.

تبين لي فيما بعد ومن خلال قنوات مطلعة بأن اتفاقا قد حصل بالفعل مفاده بأن تمتنع فصائل مقاومة عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية مقابل ألا يعمل عباس على تفكيك فصائل المقاومة بعد فوزه وحسب ما تنص عليه خريطة الطريق. تلخص مطلب عباس في أن تقف فصائل المقاومة على الحياد انتخابيا، فلا تعطيه أصواتا ولا تعطي غيره، وأن توافق على هدنة بعد فوزه واعدا بأن يعمل ما بوسعه لتجنب مطالب الأمريكيين والإسرائيليين الخاصة بتفكيك المنظمات المسلحة وتحويلها إلى أحزاب سياسية تسير في ركب الحلول السلمية.

ولهذا لم تجر عملية التفاوض على الهدنة ببطء، وإنما فاجأت الصهاينة بسرعتها. كان من المتوقع من منطلق التورية أن تأخذ المفاوضات مدى واسعا لكي يأخذ الجمهور انطباعا بالجدية، لكن قدرة المفاوضين على المناورة في هذه الناحية كانت محدودة.

ربما يحتاج الشعب الفلسطيني إلى بعض الراحة بعد كل هذه المعاناة الصعبة خلال السنوات الأربع الأخيرة، لكن كان من المتوقع أن تأخذ الأمور طريقا غير طريق تفاوض بعض فصائل المقاومة بصورة غير مباشرة وعبر السلطة الفلسطينية مع العدو الصهيوني. تم طرح أفكار عدة عبر الزمن على فصائل المقاومة بخصوص التهدئة من جانب واحد لكي يلتقط الشعب أنفاسه، لكن لم تكن هناك آذان صاغية. كان بالإمكان تجنب المفاوضات غير المباشرة مع الصهاينة بخاصة أن أغلب فصائل المقاومة ضد التفاوض والصلح وضد اتفاقيات أوسلو، إنما كان من المعتاد ألا تجتمع فصائل المعارضة بقياداتها السياسية على موقف موحد. الطاولة الوحيدة التي تجمع التنظيمات الفلسطينية على المستويات القيادية منذ مدريد حتى الآن هي طاولة السلطة وليس طاولة البرنامج الموحد. على المستوى الميداني، الأمر مختلف، لكن الشباب المقاتلين لا يقررون في النهاية السياسة العليا.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع